فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التبكير إلى العيد

باب التَّبْكِيرِ إِلَى الْعِيدِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ: إِنْ كُنَّا فَرَغْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ.
وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ.

( باب التبكير للعيد) أي: لصلاة العيد.
والتبكير بتقديم الموحدة على الكاف من بكر إذا بادر وأسرع، ولأبي ذر، والأصيلي، عن الكشميهني: التكبير، بتأخير الموحدة بعد الكاف.
وعزاها العيني، كالحافظ ابن حجر، للمستملي قال: وهو تحريف.

( وقال عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وإسكان المهملة، المازني السلمي، الصحابي ابن الصحابي، آخر من مات من الصحابة بالشام، فجأة، سنة ثمان وثمانين، مما وصله أحمد، من طريق خمير، بضم الخاء المعجمة مصغرًا، قال: خرج عبد الله بن بسر مع الناس يوم عيد فطر أو

أضحى، فأنكر بإبطاء الإمام، وقال ( إن كنا فرغنا في هذه الساعة) في رواية أحمد المذكورة إن كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد فرغنا.
فصرح برفعه، وأثبت قد، وهي ساقطة من البخاري كما في اليونينية.
وعند الحافظ ابن حجر في فتح الباري، والعلاّمة العيني في شرحه.

نعم، في كلام البرماوي والزركشي ما يدل على ثبوتها، ولا مانع من ثبوتها في بعض الأصول تبعًا لأصول التعليق عند أحمد، لكنهما حكيا أن الصواب: لقد فرغنا، بإثبات اللام الفارقة.

وتعقب ذلك العلامة البدر الدماميني؛ بأنها إنما تكون لازمة عند خوف اللبس.

قال ابن مالك: فإن أمن اللبس لم يلزم، كقراءة أبي رجاء { وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا} [الزخرف: 35] .
بكسر اللام ومنه.
إن كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب التيمّن، وإن كان من أحب الناس إلى غير ذلك.
اهـ.

وإن في قوله: إن كنا، هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن.

( وذلك) أي: وقت الفراغ ( حين التسبيح) أي وقت صلاة السبحة، وهي النافلة، إذ مضى وقت الكراهة.

وفي رواية صحيحة للطبراني: وذلك حين تسبيح الضحى، واختلف في وقت الغدوّ إليها، ومذهب الشافعية والحنابلة: أن المأموم يذهب مع صلاة الصبح، وأما الإمام فعند إرادة الإحرام بها للاتباع، رواه الشيخان.

وقال المالكية، بعد طلوع الشمس، في حق الإمام والمأموم، فلفعل ابن عمر.

ووقتها عند الشافعية: ما بين طلوع الشمس وزوالها، وإن كان فعلها عقب الطلوع مكروهًا لأن مبنى المواقيت على أنه إذا خرج وقت صلاة دخل وقت غيرها.
وبالعكس، لكن الأفضل إقامتها من ارتفاعها قيد رمح للاتباع، وليخرج وقت الكراهة، وللخروج من الخلاف.

وقال المالكية، والحنفية، والحنابلة: من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال.

لنا ما سبق عن عبد الله بن بسر حيث قال: إن كنا قد فرغنا ساعتنا هذه: وذلك حين صلاة التسبيح.

واحتج الثلاثة بفعله عليه الصلاة والسلام، ونهيه عن الصلاة وقت طلوع الشمس، وأجابوا عن حديث ابن بسر هذا بأنه كان قد تأخر عن الوقت، بدليل ما تواتر عن غيره، وبأن الأفضل ما عليه الجمهور، وهو فعلها بعد الارتفاع قيد رمح.
فيكون ذلك الوقت أفضل بالإجماع.

وهذا الحديث، لو بقي على ظاهره لدلّ على أن الأفضل خلافه.



[ قــ :939 ... غــ : 968 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَىْءٍ».
فَقَامَ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ.
قَالَ: «اجْعَلْهَا مَكَانَهَا -أَوْ قَالَ اذْبَحْهَا- وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ».

وبالسند قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب، قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن زبيد) اليامي ( عن الشعبي) عامر بن شراحيل ( عن البراء) بن عازب، رضي الله عنه، ( قال) :
( خطبنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر) أي بعد أن صلّى العيد ( فقال) :
( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا) أي: وفي يوم عيد الفطر ( أن نصلي) صلاة العيد التي صليناها قبل، ( ثم نرجع فننحر) بالنصب عطفًا على ما سبق والنحر للإبل، والذبح لغيرها، أو يطلق النحر على الذبح بجامع إنهار الدم.
( فمن فعل ذلك) بأن قدّم الصلاة على الخطبة ثم نحر ( فقد أصاب سنّتنا، ومن ذبح قبل أن يصلّي) العيد ( فإنما هو) أي: الذي ذبحه ( لحم عجله لأهله، ليس من النسك) المتقرب بها ( في شيء) ، ولأبي ذر، عن الكشميهني: فإنها، أي: ذبيحته لحم.

قال البراء: ( فقام خالي أبو بردة بن نيار) بكسر النون وتخفيف المثناة ( فقال: يا رسول الله! أنا) ولأبي ذر، والأصيلي، وأبي الوقت، عن الحموي والمستملي: إني ( ذبحت) شاتي ( قبل أن أصلي، وعندي جذعة) من المعز، هي ( خير من مسنة) ، لها سنتان، لنفاستها لحمًا وثمنًا.
( قال) عليه الصلاة والسلام له، ولأبي الوقت، فقال:
( اجعلها مكانها -أو قال اذبحها-) شك من الراوي ( ولن تجزي جذعة عن أحد بعدك) وفي رواية: غيرك.

ووجه الدلالة للترجمة من قوله: "أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ... " من جهة أن المؤخر لصلاة العيد عن أول النهار بدأ بغير الصلاة، لأنه بدأ بتركها، والاشتغال عنها بما لا يخلو الإنسان منه عند خلوه عن الصلاة، وهو استنباط خفي يجنح إلى الجمود على اللفظ، والإعراض عن النظر إلى السياق، وله وجه.

ويحقق ما قلناه، أنه قال في طريق أخرى، تأتي إن شاء الله تعالى: "إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ... " فالأوّلية باعتبار المناسك، لا باعتبار النهار: قاله في المصابيح.