فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة

باب التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى، وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفَةَ
وَكَانَ عُمَرُ -رضي الله عنه- يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا.
وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزَ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ.

( باب التكبير أيام منى) يوم العيد، الثلاثة بعده.
( و) التكبير ( إذا غدا) صبيحة التاسع ( إلى عرفة) للوقوف بها.

( وكان عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنه) مما وصله سعيد بن منصور، من رواية عبيد بن عمير عنه، وأبو عبيدة من وجه آخر، والبيهقي من طريقه، ولأبي ذر مما في فرع اليونينية: وكان ابن عمر ( يكبر في قبته) بضم القاف وتشديد الموحدة، بيت صغير من الخيام مستدير من بيوت العرب ( بمنى) في أيامها ( فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق) بتكبيره ( حتى ترتج منى) بتشديد الجيم، أي: تضطرب وتتحرك مبالغة في اجتماع رفع الأصوات ( تكبيرًا) بالنصب، أي: لأجل التكبير.

وقد أبدى الخطابي للتكبير أيام منى حكمة وهي: أن الجاهلية كانوا يذبحون لطواغيتهم فيها، فشرع التكبير فيها إشارة إلى تخصيص الذبح له، وعلى اسمه عز وجل.

( وكان ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، مما وصله ابن المنذر، والفاكهي في أخبار مكة، من طريق ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر كان ( يكبر بمنى تلك الأيام) أي: أيام منى ( وخلف الصلوات) المكتوبات وغيرها ( وعلى فراشه) بالإفراد، وللحموي والمستملي: وعلى فراشه، ( وفي فسطاطه) بضم الفاء وقد تكسر: بيت من شعر ( ومجلسه وممشاه) بفتح الميم الأولى، موضع مشيه ( تلك الأيام) ظرف للمذكورات.
أي: في تلك الأيام وكررها للتأكيد والمبالغة، ثم أكد ذلك أيضًا بقوله ( جميعًا) .

ويروي، وتلك بواو العطف ( وكانت ميمونة) بنت الحرث الهلالية المتوفاة بسرف، بين مكة والمدينة، حيث بنى بها عليه الصلاة والسلام، سنة إحدى وخمسين ( تكبر يوم النحر) قال الحافظ ابن

حجر، رحمه الله تعالى: لم أقف على أثرها هذا موصولاً، وقال صاحب العمدة: روى البيهقي تكبيرها يوم النحر.

( وكن النساء) على لغة: أكلوني البراغيث، ولأبي ذر: وكان النساء ( يكبّرن خلف أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة وبعد الألف نون ( بن عثمان) بن عفان، وكان أميرًا على المدينة في زمن ابن عمّ أبيه، عبد الملك بن مروان ( و) خلف أمير المؤمنين ( عمر بن عبد العزيز) أحد الخلفاء الراشدين، مما وصله أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب العيد ( ليالي) أيام ( التشريق مع الرجال في المسجد) .

فهذه الآثار قد اشتملت على وجود التّكبير في تلك الأيام عقب الصلوات وغيرها من الأحوال، وللعلماء في ذلك اختلاف: هل يختص بالمكتوبات أو يعمّ النوافل؟ وبالمؤداة أو يعمّ المقضية؟ وهل ابتداؤه من صبح عرفة أو من ظهره؟ أو من صبح يوم النحر أو من ظهره؟ وهل الانتهاء إلى ظهر يوم النحر أو إلى ظهر ثانيه؟ أو إلى صبح آخر أيام التشريق أو إلى عصره؟
وقد اجتمع من هذه: ستة وسبعون.
بيان ذلك: أن تضرب أربعة الابتداء في خمسة الانتهاء تبلغ عشرين.
يسقط منها كون ظهر النحر مبتدأ ومنتهى كليهما معًا، تصير تسعة عشر.
تضربها في الأربعة الأولى الباقية تبلغ: ستة وسبعين.
كذا قرره البرماوي، مع ما نقله عن الكرماني وغيره.

ويزاد على ذلك: هل يختص بالرجال أو يعمّ النساء؟ وبالجماعة أو يعمّ المنفرد؟ وبالمقيم أو يعمّ المسافر؟ وساكن مصر أو يعمّ أهل القرى؟ فهي ثمانية حكاها مع سابقها النووي، وزاد غيره في الانتهاء، فقال: وقيل: إلى عصر يوم النحر.

قال في الفتح، وقد رواه البيهقي عن أصحاب ابن مسعود: ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حديث، وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود: إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى، أخرجهما ابن المنذر وغيره.

والصحيح من مذهب الشافعية: أن استحبابه يعمّ الصلاة فرضًا ونفلاً، ولو جنازة ومندورة ومقضية في زمن استحبابه لكل مصلٍّ: حاجّ أو غيره؟ مقيم أو مسافر؟ ذكر أو أُنثى؟ منفرد أو غيره؟ من صبح عرفة إلى عقيب عصر آخر أيام التشريق للاتباع، رواه الحاكم، وصححه، لكن ضعفه البيهقي.

قال في الجموع: والبيهقي أتقن من شيخه الحاكم وأشد تحريًّا.

ِوهذا في غير الحج وعليه العمل كما قاله النووي وصححه في الأذكار، وقال في الروضة: إنه الأظهر عند المحققين، لكن صحح في المنهاج كأصله: أن غير الحاج كالحاج يكبّر من ظهر يوم النحر إلى صبح آخر أيام التشريق.


وخصّ المالكية استحبابه بالفرائض الحاضرة، وهو عندهم: من ظهر يوم النحر إلى آخر اليوم الرابع.

وقال أبو حنيفة: يجب من صلاة صبح يوم عرفة وينتهي بعصر يوم النحر، وقال صاحباه: يختم بعصر ثالث أيام التشريق.

وهو: على المقيمين بالمصر خلف الفرائض في جماعة مستحبة عند أبي حنيفة، فلا يجب على أهل القرى، ولا بعد النوافل والوتر، ولا على منفرد ونساء إذا صلين في جماعة.

وقال صاحباه: يجب على كل من يصلّي المكتوبة لأنه شرع تبعًا لها.

وأما صفة التكبير، فقال المالكية: الله أكبر، ثلاثًا وإن قال: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد" كان حسنًا، لما روي أن جابرًا صلّى في أيام التشريق، فلما فرغ قال: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر" قيل: واستمر عيه العمل فلذا أخذ به مالك من غير تضييق.

وقال الحنفية: يقول مرة واحدة: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد".
قالوا: وهذا هو المأثور عن الخليل.

وقال الشافعية: يكبّر ثلاثًا نسقًا اتباعًا للسلف والخلف، ويزيد: "لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد".

قال الشافعي: وما زاد من ذكر الله فحسن، واستحسن في الأمُ أن تكون زيادته: "الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، لا إله إلاّ الله ولا نعبد إلاّ إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده.
ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، والله أكبر".
وأن يرفع بذلك صوته.

وأصحّ ما ورد في صفته، ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان، قال: كبّروا الله: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر، كبيرًا".


[ قــ :941 ... غــ : 970 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ: [سَأَلْتُ أَنَسًا -وَنَحْنُ غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ- عَنِ التَّلْبِيَةِ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: كَانَ يُلَبِّي الْمُلَبِّي لاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ] .
[الحديث 970 - طرفه في: 1659] .

وبالسند قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين ( قال: حدّثنا مالك بن أنس) إمام دار الهجرة، ( قال: حدّثني) بالإفراد ( محمد بن أبي بكر) هو: ابن عوف ( الثقفي) بالمثلثة والقاف المفتوحتين ( قال: سألت أنسًا) ولأبي ذر: سألت أنس بن مالك ( ونحن غاديان) أي: والحال أنّا سائران ( من منى إلى عرفات- عن التلبية) :

( كيف كنتم تصنعون مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: كان) الشأن ( يلبي الملبي لا ينكر عليه، ويكبّر المكبّر فلا ينكر عليه) هذا موضع الجزء الأخير من الترجمة، وهو قوله: وإذا غدا إلى عرفة.

وظاهره: أن أنسًا احتج به على جواز التكبير في موضع التلبية، أو المراد أنه يدخل شيئًا من الذكر خلال التلبية، لا أنه يترك التلبية بالكلية.
لأن السُّنّة أن لا يقطع التلبية إلا عند رمي جمرة العقبة.
وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وقال مالك: إذا زالت الشمس.

وقوله: ينكر، مبني للمفعول في الموضعين، كما في الفرع وفي غيره بالبناء للفاعل فيهما، والضمير المرفوع في كل منهما يرجع إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقوله: لا ينكر الأول بغير فاء.
والثاني: فلا ينكر بإثباتها.

وفي هذا الحديث: التحديث والسؤال والقول، وأخرجه أيضًا: في الحج، ومسلم في المناسك، وكذا النسائي وابن ماجة.




[ قــ :94 ... غــ : 971 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَاصِمٍ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: " [كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ، حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ، يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ] ".

وبه قال: ( حدّثنا محمد) غير منسوب ( قال: حدّثنا عمر بن حفص) كذا لأبي ذر، وكريمة، وأبي الوقت.
وفي اليونينية: أن على حاشية نسخة أبي ذر ما لفظه: يشبه أن يكون محمد بن يحيى الذهلي، قاله أبو ذر.
اهـ.

ولابن السكن، وأبي زيد المروي، وأبي أحمد الجرجاني: حدّثنا عمر بن حفص، بإسقاط لفظ: محمد.

وفي رواية الأصيلي، عن بعض مشايخه: حدّثنا محمد البخاري، وله مما هو في نسخته كما ذكره في الفرع وأصله: حدّثنا عمر في حفص.
وعلى هذا فلا واسطة بين البخاري وبين عمر بن حفص.
وقد حدّث المؤلّف عنه بالكثير من غير واسطة، وربما أدخلها أحيانًا والراجح سقوطها هنا في هذا الإسناد، وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج.
قاله الحافظ ابن حجر.

وعمر بن حفص هو: ابن غياث النخعي الكوفي ( حدّثنا أبي) حفص ( عن عاصم) هو: ابن سليمان الأحول ( عن حفصة) بنت سيرين الأنصارية، أخت محمد بن سيرين، ( عن أم عطية) نسيبة بنت كعب الأنصارية ( قالت: كنا نؤمر) بالبناء للمفعول، وهو من المرفوع، وقد وقع التصريح برفعه في الرواية الآتية قريبًا عن أبي ذر، وعن الحموي والمستملي ( أن نخرج) بأن نخرج أي: بالإخراج ( يوم العيد حتى نخرج البكر) بضم النون وكسر الراء، والبكر: بالنصب على المفعولية، وللأصيلي وأبي ذر: حتى تخرج، بالمثناة الفوقية المفتوحة وضم الراء، البكر: بالرفع على الفاعلية ( من خدرها)

بكسر الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة، أي: من سترها.
وللحموي والمستملي، وعزاها في الفتح للكشميهني: من خدرتها بالتأنيث ( حتى نخرج الحيض) بضم النون وكسر الراء في الأول: وضم الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية ونصب المعجمة على المفعولية، ولأبي ذر، والأصيلى: حتى تخرج الحيض، بفتح المثتاة الفوقية وضم الراء، ورفع الحيض على الفاعلية، جمع: حائض.
وحتى الثانية غاية للغاية الأولى، أبي عطف عليها بحذف الأداة ( فيكن خلف الناس فيكبّرن) النساء ( بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته) بضم الطاء المهملة وسكون الهاء: أي التطهّر من الذنوب.
وتأتي مباحث الحديث بعد بابين، إن شاء الله تعالى.

ووجه مطابقته للترجمة من جهة: أن يوم العيد كأيام منى بجامع أنها أيام مشهودات، والذهلي: نيسابوري، والراوي الثاني والثالث.
كوفيان، والرابع والخامس: بصريان، وأخرج المؤلّف بعضه في حديث طويل من باب: شهود الحائض للعيدين، وفي الحج، وكذا أخرجه بقية الستة، والله أعلم.