فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد

باب إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ فِي الْعِيدِ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا لم يكن لها) أي: للمرأة ( جلباب في) يوم ( العيد) تعيرها صاحبتها جلبابًا من جلابيبها فتخرج فيه إلى المصلّى.

والجلباب، بكسر الجيم وسكون اللام وموحدتين بينهما ألف، ثوب أقصر وأعرض من الخمار، أو هو: المقنعة، أو ثوب واسع يغطي صدرها وظهرها، أو هو: كالملحفة.
أو: هو الإزار أو الخمار.


[ قــ :951 ... غــ : 980 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ: "كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَأَتَيْتُهَا، فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثِنْتَىْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، فَكَانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ، فَقَالَتْ: فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى، وَنُدَاوِي الْكَلْمَى.
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ -إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ- أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: «لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، فَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ».
قَالَتْ حَفْصَةُ: فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أَتَيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ فِي كَذَا وَكَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، بِأَبِي -وَقَلَّمَا ذَكَرَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ قَالَتْ بِأَبِي- قَالَ: «لِيَخْرُجِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ -أَوْ قَالَ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ، شَكَّ أَيُّوبُ- وَالْحُيَّضُ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ».
قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا: آلْحُيَّضُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَلَيْسَ الْحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا؟ ".

وبالسند قال: ( حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة، عبد الله ( قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التميمي ( قال: حدّثنا أيوب) السختياني ( عن حفصة بنت سيرين) الأنصارية ( قالت: كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد) إلى المصلّى، ( فجاءت امرأة) لم تسم ( فنزلت قصر بني خلف) بفتح الخاء المعجمة واللام، جدّ طلحة بن عبد الله بن خلف بالبصرة ( فأتيتها فحدّثت، أن زوج أُختها) قيل: هي أخت أم العطية، وقيل، غيرها.
ونص القرطبي أنها: أم عطية، ولم يعلم اسم زوج أختها ( غزا مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثنتي عشرة غزوة) قالت المرأة المحدّثة: ( فكانت أختها معه) أي:
مع زوجها، أو: مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في ست غزوات، فقالت) أي الأخت لا المرأة، ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر، والأصيلي: قالت: ( فكنا) بالجمع لقصد العموم ( نقوم على المرضى، ونداوي الكلمى) بفتح الكاف وسكون اللام، الجرحى، محارم وغيرهم، أي: إذا كانت المعالجة بغير مباشرة كإحضار الدواء مثلاً.
نعم، إن احتيج إليها وأمنت الفتنة جاز.
( فقالت: يا رسول الله.
عليّ)
ولأبي ذر: أعلى ( إحدانا بأس) أي: حرج وإثم ( -إذا لم يكن لها جلباب- أن لا تخرج) إلى المصلّى للعيد؟ ( فقال) عليه الصلاة والسلام:
( لتلبسها) بضم المثناة الفوقية وسكون اللام وكسر الموحدة وجزم المهملة ( صاحبتها) أي: تعيرها ( من جلبابها) أي: من جنس جلبابها.

ويؤيده رواية ابن خزيمة: من جلابيبها، أي: ما لا تحتاج إليه، أو هو على سبيل المبالغة، أي: يخرجن ولو كان ثنتان في ثوب واحد.

قال ابن بطال: فيه تأكيد خروجهن للعيد، لأنه إذا أمر من لا جلباب لها، فمن لها جلباب أولى.

وقال أبو حنيفة: ملازمات البيوت لا يخرجن.

( فليشهدن الخير) أي: مجالس الخير، كسماع الحديث، وعيادة المرضى، رجاء البركة ( ودعوة المؤمنين) كالاجتماع لصلاة الاستسقاء.

( قالت حفصة: فلما قدمت أم عطية) نسبة ( أتيتها فسألتها: أسمعت) بهمزة الاستفهام أي: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في كذا) ؟ زاد أبو ذر في رواية الكشميهني والحموي، وكذا.

( قالت) أم عطية: ( نعم) سمعته، كذا لأبي ذر، وابن عساكر: قالت بغير فاء، ولهما وللأصيلي: أسمعت في كذا؟ فقالت: نعم ( بأبي) أفديه، عليه الصلاة والسلام، كذا لكريمة، وأبي الوقت: بأبي، بكسر الموحدة الثانية كالأولى، ولغيرهما: بأبا، بموحدتين بينهما همزة مفتوحة، والثانية خفيقة ( وقلما ذكرت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أم عطية ( إلاّ قالت: بأبي) أفديه عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر في رواية، والأصيلي: بأبا.

( قال) ولابن عساكر، قالت:
( لتخرج العواتق ذوات الخدور) أي الستور، كذا للأكثر، ذوات، بغير واو، صفة لسابقه، ولأبي ذر عن الكشميهني، وذوات الخدور بواو العطف ( أو قال) عليه الصلاة والسلام: ( العواتق وذوات الخدور) ولأبي ذر، وابن عساكر عن الحموي والمستملي: ذات الخدور، بغير واو.
بعد الذال وقبلها ( شك أيوب) السختياني، هل هو بواو العطف أم لا؟ ( والحيض، ويعتزل الحيض المصلّى) أي

مكان الصلاة، ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي، وابن عساكر: فيعتزل، ولأبي ذر في رواية أيضًا: فيعتزلن ( وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين) .

( قالت) أي المرأة: ( فقلت لها) : أي لأم عطية مستفهمة ( الحيض) بالمدّ، يشهدن العيد؟ ( قالت: نعم) وللأصيلي: فقالت: نعم ( أليس الحائض) بهمزة الاستفهام واسمها ضمير الشأن ( تشهد عرفات) أي: يومها ( وتشهد كذا، وتشهد كذا) ؟ أي: نحو المزدلفة، ورمي الجمار؟
فيه مشروعية خروج النساء إلى شهود العيدين سواء كنّ شواب أو ذوات هيئات أم لا.
والأولى أن يخصّ ذلك بمن يؤمن عليها وبها الفتنة، فلا يترتب على حضورها محذور، ولا تزاحم الرجال في الطرق، ولا في المجامع.

وقد مر في باب: خروج النساء إلى العيدين نحو ذلك.