فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اجعلها عليهم سنين كسني يوسف»

باب دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ)
باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( أجعلها سنين كسني) بسكون الياء المخففة ( يوسف) الصديق السبع المجدبة وأضيفت إليه لأنه الذي قام بأمور الناس فيها.

وفي فرع اليونينية ضرب بالحمرة على: اجعلها، مع التنبيه عليه في الحاشية، ولغير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر زيادة: "اجعلها عليهم سنين كسني يوسف".
ولأبي الوقت: اجعلها كسني يوسف.
فاسقط: سنين.


[ قــ :975 ... غــ : 1006 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قال حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ.
وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ".

قال ابنُ أبي الزنادِ عن أبيهِ هذا كلُّه في الصبحِ.

وبالسند قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد ( قال: حدّثنا مغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي بكسر الحاء المهملة وتخفيف الزاي، المدني ( عن أبي الزناد) بالزاى والنون، عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول) :
( اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة) بكسر الجيم بعد همزة القطع، وهي للتعدية.
يقال: نجا فلان وأنجيته.
( اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد) وهؤلاء قوم من أهل مكة أسلموا

ففتنتهم قريش وعذبوهم، ثم نجوا منهم، ببركته عليه الصلاة والسلام، ثم هاجروا إليه.
( اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين) عام بعد خاص ( اللهم اشدد وطأتك) بهمزة وصل في: اشدد، وفتح الواو وسكون الطاء في قوله: وطأتك، أي: اشدد عقوبتك ( على) كفار قريش أولاد ( مضر، اللهم اجعلها) أي: الوطأة والسنين أو الأيام ( سنين كسني يوسف) عليه الصلاة والسلام في بلوغ غاية الشدة.

وسنين جمع سنة، وفيه شذوذان: تغيير مفرده من الفتح إلى الكسر، وكونه جميعًا لغير عاقل، وحكمه أيضًا مخالف لجموع السلامة في جواز إعرابه: كمسلمين، وبالحركات على النون، وكونه منوّنًا وغير منوّن، منصرفًا وغير منصرف.

( وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال في الفتح: هذا حديث آخر، وهو عند المؤلّف بالإسناد المذكور، وكأنه سمعه هكذا فأورده كما سمعه، ( قال) :
( غفار) بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء، أبو قبيلة من كنانة ( غفر الله لها وأسلم) بالهمزة واللام المفتوحتين، قبيلة من خزاعة ( سالمها الله) تعالى، من: المسالمة.
وهي ترك الحرب، أو بمعنى: سلمها.

وهل هو إنشاء دعاء أو خبر؟ رأيان.
وعلى كل وجه، ففيه جناس الاشتقاق.
وإنما خص القبيلتين بالدعاء لأن غفار أسلموا قديمًا، وأسلم سالموه عليه الصلاة والسلام.

( قال ابن أبي الزناد) عبد الرحمن ( عن أبيه) أبي الزناد: ( هذا) الدعاء ( كله) كان ( في) صلاة ( الصبح) .
والحديث سبق في باب: يهوي بالتكبير حين يسجد.




[ قــ :976 ... غــ : 1007 ]
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ: اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ.
فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَىْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ، وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنَ الْجُوعِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ -إِلَى قَوْلِهِ- عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتِ الدُّخَانُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ".
[الحديث 1007 - أطرافه في: 100، 4693، 4767، 4774، 4809، 480، 481، 48، 483، 484، 485] .

وبه قال: ( حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، أخو أبي بكر بن أبي شيبة ( قال: حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن منصور) هو: ابن المعتمر الكوفي ( عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح العطار الهمداني الكوفي ( عن مسروق) هو: ابن الأجدع الهمداني ( قال: كنا عند عبد الله) ابن

مسعود، رضي الله عنه ( فقال: وإن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لما رأى من الناس) أي: قريش ( إدبارًا) عن الإسلام ( قال) :
( اللهم) ابعث، أو سلط عليهم ( سبعًا) من السنين.
ولغير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: سبع، بالرفع.
خبر مبتدأ محذوف، أي: مطلوبي منك فيهم سبع ( كسبع يوسف) التي أصابهم فيها القحط.

( فأخذتهم) أي: قريشًا ( سنة) أي قحط وجدب ( حصت) بالحاء والصاد المشددة الممهملتين، أي: استأصلت وأذهبت ( كل شيء) من النبات ( حتى أكلوا) ، ولأبي ذر، والأصيلي عن الكشميهني: حتى أكلنا ( الجلود والميتة والجيف) بكسر الجيم وفتح المثناة التحتية، جثة الميت إذا أراح، فهو أخص من مطلق الميتة لأنها ما لم تذك ( وينظر أحدهم) بالهاء ونصب الفعل بحتى، أو برفعه على الاستئناف.
والأول أظهر، والثاني في نسخة أبي ذر، وأبي الوقت، كما نبه عليه في اليونينية.
ولأبي ذر، عن الحموي والمستملي: وينظر يحدكم ( إلى السماء فيرى الدخان من الجوع) لأن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان من ضعف بصره.

( فأتاه) عليه الصلاة والسلام ( أبو سفيان) صخر بن حرب ( فقال: يا محمد، إنك تأمر بطاعة الله، وبصلة الرحم، وإن قومك) ذوي رحمك ( قد هلكوا) أي: من الجدب والجوع بدعائك ( فادع الله لهم) .
لم يقع في هذا السياق التصريح بأنه دعا لهم.

نعم، وقع ذلك في سورة الدخان، ولفظه: فاستسقى لهم فسقوا ( قال الله تعالى { فارتقب} ) أي: انتظر يا محمد عذابهم ( { يوم تأتي السماء بدخان مبين -إلى قوله- عائدون} ) [الدخان: 10 - 15] أي إلى الكفر.
ولأبي ذر، والأصيلي: إنكم عائدون ( { يوم نبطش البطشة الكبرى} ) زاد الأصيلي: { إنّا منتقمون} [الدخان: 16] .

( فالبطشة) بالفاء، ولأبي ذر، والأصيلي: والبطشة ( يوم بدر) لأنهم ما التجؤوا إليه عليه الصلاة والسلام، وقالوا: ادع الله أن يكشف عنّا فنؤمن لك، فدعا وكشف، ولم يؤمنوا انتقم الله منهم يوم بدر.
وعن الحسن: البطشة الكبرى يوم القيامة.

قال ابن مسعود: ( وقد) ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر: فقد ( مضت الدخان) وهو الجوع ( والبطشة، واللزام) بكسر اللام وبالزاي القتل ( وآية) أول سورة ( الروم) .

قإن قلت: ما وجه إدخال هذه الترجمة في الاستسقاء؟.

أجيب: بأنه للتنبيه على أنه كما شرع الدعاء بالاستسقاء للمؤمنين، كذلك شرع الدعاء بالقحط على الكافرين، لأن فيه إضعافهم، وهو نفع للمسلمين.
فقد ظهر من ثمرة ذلك التجاؤهم إلى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ليدعو لهم برفعه القحط.


ورواه هذا الحديث كلهم كوفيون إلا جريرًا فرازي، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في الاستسقاء أيضًا، وفي التفسير، ومسلم في: التوبة، والترمذي والنسائي في: التفسير.