فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا

باب سُؤَالِ النَّاسِ الإِمَامَ الاِسْتِسْقَاءَ إِذَا قَحَطُوا
( باب سؤال الناس) المسلمين وغيرهم ( الإمام الاستسقاء إذا قحطوا) بفتح القاف والحاء مبنيًا للفاعل.

يقال قحط المطر قحوطًا إذا احتبس المسلمين فيكون من باب القلب لأن المحتبس المطر لا الناس، أو يقال: إذا كان محتبسًا عنهم، فهم محبوسون عنه.

وحكى الفراء قحط بالكسر، وللأصيلي، وأبي ذر: قحطوا، بضم القاف وكسر الحاء مبنيًّا للمفعول.
وقد سمع قحط القوم.

وسؤال مصدر مضاف لفاعله، والإمام مفعوله، وتاليه نصب على نزع الخافض، أي: عن الاستسقاء.
يقال: سألته الشيء، وعن الشيء.


[ قــ :977 ... غــ : 1008 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ:
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ
[الحديث 1008 - طرفه في: 1009] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عمرو بن علي) بإسكان الميم، ابن بحر الباهلي البصري الصيرفي ( قال: حدّثنا أبو قتيبة) بضم القاف وفتح التاء الفوقية، سلم، بفتح السين وسكون اللام، الخراساني البصري ( قال: حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه) عبد الله ( قال:)
( سمعت ابن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما ( يتمثل بشعر أبي طالب) أي: ينشده.
زاد ابن عساكر فقال.

( وأبيض) أعربه ابن هشام في مغنيه مجرورًا بالفتحة، برب: مضمرة.

وتعقبه البدر الدماميني في حاشيته عليه، ومصابيحه، فقال في آخرهما: وليس كذلك، وفي أوّلهما: والظاهر أنه منصوب عطفًا على: سيدًا المنصوب في البيت قبله، وهو قوله:
وما ترك قوم لا أبا لك سيدًا ... يحوط الذمارِ غير ذرب مواكل

قال: وهو من عطف الصفات التي موصوفها واحد، ويجوز الرفع، وهو في اليونينية أيضًا: خبر مبتدأ محذوف.
هو أبيض ( يستسقى الغمام) بضم المثناة التحتية وفتح القاف، مبنيًا للمفعول: أي يستسقي الناس الغمام ( بوجهه) الكريم ( ثمال اليتامى) أي: بإفضاله، أو يطعمهم عند الشدة، أو عمادهم، أو ملجؤهم، أو مغيثهم.
وهو بكسر المثلثة والنصب أو الرفع، صفة لأبيض، كقوله ( عصمة) أي: مانع ( للأرامل) يمنعهم مما يضرهم.

وفي غير اليونينية: ثمال وعصمة، بالجر فيهما مع الوجهين الآخرين، صفة لأبيض على تقدير جره برب، وفيه ما مر.
والأرامل: جمع أرملة، وهي الفقيرة التي لا زوج لها، والأرمل: الرجل الذي لا زوج له.
قال:
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر؟
نعم، استعماله في الرجل مجاز لأنه لو أوصى للأرامل خص النساء دون الرجال.

واستشكل إدخال هذا الحديث في هذه الترجمة، إذ ليس فيه أن أحدًا سأله أن يستسقي بهم.

وأجاب ابن رشيد: باحتمال أن يكون أراد بالترجمة الاستدلال بطريق الأولى، لأنهم إذا كانوا يسألون الله به فيسقيهم، فأحرى أن يقدموه للسؤال.
اهـ.

قال في الفتح وهو حسن.




[ قــ :977 ... غــ : 1009 ]
- وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ: حَدَّثَنَا سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ: "رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَسْقِي، فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ".

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلأَرَامِلِ
وَهْوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ.

( وقال عمر بن حمزة) بضم العين وفتح الميم في الأول، وبالحاء المهملة والزاي في الثاني، ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، مما وصله أحمد وابن ماجة قال: ( حدّثنا) عمي ( سالم، عن أبيه) عبد الله بن عمر، قال:
( ربما ذكرت قول الشاعر -وأنا أنظر-) جملة حالية ( إلى وجه النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ، حال كونه ( يستسقي) زاد ابن ماجة: على المنبر ( فما ينزل) عنه ( حتى يجيش كل ميزاب) بفتح المثناة التحتية وكسر الجيم، من يجيش، وآخره شين معجمة من: جاش يجيش إذا هاج، وهو كناية عن كثرة المطر.

والميزاب ما يسيل منه الماء من موضع عال، ولأبي ذر، والأصيلي عن الحموي، والكشميهني: لك ميزاب، بتقديم اللام على الكاف.
قال الحافظ ابن حجر: وهو تصحيف.

( وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وهو قول أبي طالب)
.

ومطابقة هذا التعليق للترجمة من قوله: يستسقي، ولم يكن استسقاؤه عليه الصلاة والسلام إلا عن سؤال.

والظاهر أن طريق ابن عمر الأولى مختصرة من هذه المعلقة المصرحة بمباشرته عليه الصلاة والسلام للاستسقاء بنفسه الشريفة.

وأصرح من ذلك رواية البيهقي في دلائله، عن أنس، قال، جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله، أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا صبي يغط.
فقام عليه الصلاة والسلام يجر رداءه.

حتى صعد المنبر، فقال: "اللهم أسقنا .. الحديث" وفيه، ثم قال، عليه الصلاة والسلام: "لو كان أبو طالب حيًا لقرّت عيناه".
من ينشدنا قوله؟ فقام عليّ فقال: يا رسول الله! كأنك أردت قوله: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
واقتصر ابن عساكر في روايته على قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه.

وأسقط باقيه اكتفاء بالسابق.
وقدّم قوله: وهو قول أبي طالب، على قوله: وأبيض، بعد قوله: كل ميزاب.
وسقط قوله: وهو عند أبوي ذر والوقت.

وهذا البيت من قصيدة جليلة بليغة من بحر الطويل، وعدّة أبياتها مائة بيت وعشرة أبيات، قالها لما تمالأ قريش على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ونفروا عنه من يريد الإسلام.

فإن قلت: كيف قال أبو طالب: يستسقى الغمام بوجهه؟ ولم يره قط استسقى وإنما كان بعد الهجرة؟.

فالجواب: أنه أشار إلى ما أخرجه ابن عساكر، عن جلهمة بن عرفطة، قال: قدمت مكة وهم في قحط، فقالت قريش: يا أبا طالب! أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم فاستسق.
فخرج أبو طالب معه غلام يعني: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كأنه شمس دجن تجلت عن سحابة قتماء، وحوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب، فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ الغلام، وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ههنا وههنا، وأغدق واغدودق، وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي، وفي ذلك يقول أبو طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه.

فإن قلت: قد تكلم في عمر بن حمزة، وفي عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار السابق في الطريق الموصولة، فكيف احتج المؤلّف بهما؟

أجيب: بأن إحدى الطريقين عضدت الأخرى، وهذا أحد قسمي الصحيح كما تقرر في علوم الحديث.




[ قــ :978 ... غــ : 1010 ]
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا.
قَالَ: فَيُسْقَوْنَ".
[الحديث 1010 - طرفه في: 371] .

وبه قال: ( حدّثنا الحسن بن محمد) هو: ابن الصباح الزعفراني البغدادي، صاحب الشافعي ( قال: حدّثنا محمد بن عبد الله) بن المثنى ( الأنصاري) ولأبي ذر: حدّثنا الأنصاري ( قال: حدّثني) بالإفراد ( أبي، عبد الله) برفع عبد الله عطف بيان على: أبي المرفوع على الفاعلية ( ابن المثنى) بن عبد الله بن أنس بن مالك ( عن) عمه ( ثمامة بن عبد الله بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري، قاضيها.
وثمامة، بضم المثلثة وتخفيف الميم ( عن) جدّه ( أنس) رضي الله عنه، ولأبي ذر والأصيلي: عن أنس بن مالك.

( أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا قحطوا) بفتح القاف والحاء، في الفرع مصححًا عليه، وضبطه الحافظ ابن حجر: قحطوا، بضم القاف وكسر الحاء، أي: أصابهم القحط ( استسقى) متوسلاً ( بالعباس بن عبد المطلب) رضي الله عنه للرحم التي بينه وبين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

فأراد عمر أن يصلها بمراعاة حقه إلى من أمر بصلة الأرحام، ليكون ذلك وسيلة إلى رحمة الله تعالى ( فقال:)
( اللهم إنّا كلنا نتوسل إليك بنبينا) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حال حياته ( فتسقينا، وإنا) بعده ( نتوسل إليه بعم نبينا) العباس، ( فاسقنا) .

( قال فيسقون) .

وقد حكي عن كعب الأحبار: أن بني إسرائيل كانوا إذا قحطوا استسقوا بأهل بيت نبيهم.

وقد ذكر الزبير بن بكار في الأنساب: أن عمر استسقى بالعباس عام الرمادة، أي: بفتح الراء وتخفيف الميم، وسمي به العام لما حصل من شدة الجدب، فاغبرت الأرض جدًّا.
وذكر ابن سعد وغيره: أنه كان سنة ثماني عشرة، وكان ابتداؤه مصدر الحاج منها، ودام تسعة أشهر، وكان من دعاء العباس ذلك اليوم، فيما ذكره في الأنساب: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث.
فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس.

وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة والقول.