فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة

باب الاِسْتِسْقَاءِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ
( باب الاستسقاء في خطبة الجمعة) حال كون الخطيب ( غير مستقبل القبلة) .


[ قــ :982 ... غــ : 1014 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ "أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ -وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ يَخْطُبُ- فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمًا ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا.
فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.
قَالَ أَنَسٌ: وَلاَ وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلاَ قَزَعَةً، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلاَ دَارٍ.
قَالَ فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ.
فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلاَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا.
ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ -وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ يَخْطُبُ- فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا.
قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ".
قَالَ: فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ.
قَالَ شَرِيكٌ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي.

وبالسند قال: ( حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين ( قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري المدني ( عن شريك) هو: ابن عبد الله بن أبي نمر ( عن أنس بن مالك) رضي الله عنه.

( أن رجلاً دخل المسجد) النبوي بالمدينة ( يوم جمعة) بالتنكير لكريمة، كما في الفتح، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: يوم الجمعة ( من باب كان نحو دار القضاء) التي بيعت في قضاء دين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الذي كان أنفقه من بيت المال، وكتبه على نفسه، وكان ستة وثمانين ألفًا، وأوصى ابنه عبد الله أن يباع فيه ماله، فباع ابنه هذه الدار من معاوية، وكان يقال لها: دار قضاء دين عمر.
ثم طال ذلك فقيل لها دار القضاء.

( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم) حال كونه ( يخطب فاستقبل) الرجل ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( قائمًا، ثم قال: يا رسول الله! هلكت الأموال) أي: المواشي ( وانقطعت السبل) الطرف ( فادع الله يغيثنا) بضم أوله، من: أغاث، أي: أجاب.
وفتحه، من: غاث للمطر.

كذا ثبت الوجهان هنا في فرع اليونينية، وبرفع المثلثة بتقدير: هو، أو: أن أصله: أن يغيثنا، بالجزم على الجواب، كما مر.

( فرفع رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يديه) زاد ابن خزيمة من رواية حميد، عن أنس: حتى رأيت بياض
إبطيه.
وللنسائي: ورفع الناس أيديهم مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعون ( ثم قال) عليه الصلاة والسلام:

( اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) ثلاث مرات كما في السابقة.

لكنه قال فيها: اسقنا.
قال الزركشي: كذا الرواية أغثنا بالهمز رباعيًا، أي: هب لنا غيثًا.

والهمزة فيه للتعدية، وقيل: صوابه غثنا من غاث.
قالوا: وأما أغثنا، فإنه من الإغاثة وليس من طلب الغيث.

قال في المصابيح: وعلى تقدير تسليمه لا يضر اعتبار الإغاثة من الغوث في هذا المقام، ولا ثم ما ينافيه.
والرواية ثابتة به، ولها وجه، فلا سبيل إلى دفعها.
بمجرد ما قيل.
اهـ.

وأشار بقوله: ولها وجه إلى ما مر في الباب السابق أنه يقال: غاث، وأغاث، بمعنى.
وقال ابن دريد: الأصل: غاثه الله يغوثه غوثًا، فأميت.
واستعمل: أغاثه.
ويحتمل أن يكون معنى أغثنا أعطنا غوثًا وغيثًا.

( قال أنس) : ( ولا) بالواو، وللأصيلي: فلا ( والله ما نرى) كرّر النفي قبل القسم وبعده للتأكيد، وإلا فلو قال: فوالله ما نرى لكان الكلام مستقيمًا.
وكذا لو قال: فلا نرى والله ( في السماء من سحاب) مجتمع ( ولا قزعة) بالقاف والزاي والمهملة المفتوحات والنصب على التبعية، لسحاب من جهة المحل.
ولأبوي ذر والوقت.
والأصيلي: قزعة، بالجر على التبعية له من جهة اللفظ.
وهي: القطعة الرقيقة من السحاب.
كما مر.
( وما بيننا وبين سلع) الجبل المعروف ( من بيت ولا دار) يحجب عن الرؤية.

( قال: فطلعت من ورائه) أي الجبل ( سحابة مثل الترس) في الاستدارة والكثافة، ( فلما توسطت) السحابة ( السماء، انتشرت) وسقط عند الأربعة لفظ: السماء ( ثم أمطرف، فلا والله ما رأينا الشمس ستًا) بكسر السين، أي: ستة أيام، ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر: سبتًا، بفتح السين وسكون الموحدة أي: من سبت إلى سبت، بدليل الرواية الأخرى: من جمعة إلى جمعة، أو: السبت قطعة من الزمان.

وقد استدلّ الأبي لتصحيح رواية: ستًا بالكسر، برواية: من جمعة إلى جمعة قال: لأنه إذا أزيلت الجمعتان اللتان دعا فيهما صح ذلك.
اهـ.

وقد مر: أنه لا تنافي بين الروايتين، وحينئذٍ فرواية: ستًا بكسر السين لا تصحيف فيها، كما زعم بعضهم، وكيف يقال ذلك مع رواية الثقات الأثبات لها والتوجيه الصحيح، فتأمل.

وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني: سبعًا، بالعين بعد الموحدة أي: سبعة أيام.

( ثم دخل رجل) آخر أو: وهو الأول ( من ذلك الباب في الجمعة) زاد في رواية أبي ذر والأصيلي: يعني الثانية ( ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم) حال كونه ( يخطب، فاستقبله) حال كونه ( قائمًا فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال) بسبب غير السبب الأول، وهو: كثرة الماء المانع للماشية من الرعي،

أو: لعدم ما يكنها ( وانقطعت السبل) لتعذر سلوكها من كثرة، المطر، ( فادع الله يمسكها عنا) بالجزم على الطلب، ولأبي ذر، والأصيلي: أن يمسكها.
وفي رواية قتادة: فادع ربك يحبسها عنا.
فضحك، وفي رواية ثابت: فتبسم، وزاد في رواية حميد: لسرعة ملال ابن آدم.

( قال: فرفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه) ، ثم ( قال: اللهم حوالينا ولا علينا) فيه حذف، أي: أمطر في الأماكن التي حوالينا، ولا تمطر علينا.

وفي إدخال الواو في قوله: ولا علينا معنى دقيق، وذلك أنه: لو أسقطها لكان مستسقيًا للاكام والظراب، ونحوها، مما لا يستسقى له لقلة الحاجة إلى الماء هنالك.
وحيث أدخل الواو: آذن بأن طلب المطر على هذه الجهات ليس مقصودًا لعينه، ولكن ليكون وقاية من أذى المطر على نفس المدينة، فليست الواو ومتمحضة للعطف ولكنها كواو التعليل وهو كقولهم: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها.
فإن الجوع ليس مقصودًا لعينه ولكن لكونه مانعًا من الرضاعة بأجرة إذ كانوا يكرهون ذلك.
اهـ.

قال ابن الدماميني، بعد أن نقل ذلك عن ابن المنير: فليست الواو مخلصة للعطف، ولكنها كواو التعليل وفائه.
فالمراد أنه إن سبق في قضائك أن لا بد من المطر، فاجعله حول المدينة.

ويدل على أن الواو ليست لمحض العطف اقترانها بحرف النفي، ولم يتقدم مثله.
ولو قلت: اضرب زيدًا ولا عمرًا ما استقام على العطف.

قلت: لم يستقم لي إجراء هذا الكلام على القواعد، وليس لنا في كلام العرب واو وضعت للتعليل، وليست لا هنا للنفي، وإنما هي الدعائية مثل: { رَبَّنَا لاَ تُؤاخِذْنَا} [البقرة: 286] فالمراد: أنزل المطر حوالينا حيث لا نستضر به، ولا تنزله علينا حيث نستضر به.
فلم يطلب منع الغيث بالكلية، وهو من حسن الأدب في الدعاء، لأن الغيث رحمة الله ونعمته المطلوبة، فكيف يطلب منه رفع نعمته؟ وكشف رحمته؟ وإنما يُسأل سبحانه كشف البلاء، والمزيد من النعماء، وكذا فعل عليه الصلاة والسلام.
فإنما سأل جلب النفع، ودفع الضرر، فهو استسقاء بالنسبة إلى محلين.
والواو: لمحض العطف، ولا: جازمة لا نافية ولا إشكال البتة.

ولو حذفت الواو، وجعلت لا نافية، وهي مع ذلك للعطف لاستقام الكلام.
لكن أوثر الأوّل، والله أعلم، لاشتماله على جملتين طلبيتين، والمقام يناسبه.

( اللهم) أنزله ( على الآكام) بكسر الهمزة وبفتحها مع المدّ، وهي: ما دون الجبل وأعلى من الرابية ( و) على ( الظراب) بكسر المعجمة: الروابي الصغار: وقيل فيهما غير ذلك، كما مر ( وبطون الأودية ومنابت الشجر قال فأقلعت) بفتح الهمزة من الإقلاع أي: كفت وأمسكت السحابة الماطرة عن المدينة.


وفي رواية سعيد، عن شريك: فما هو إلا أن تكلم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك، تمزق السحاب حتى ما نرى
منه شيئًا أي: في المدينة.
( وخرجنا نمشي في الشمس) .

( قال شريك سألت أنس بن مالك) وللأربعة: فسألت، بالفاء، ولأبي ذر: فسألت أنسًا: ( أهو الرجل الأول؟ فقال: ما أدري) .