فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقي لهم لم يردهم

باب إِذَا اسْتَشْفَعُوا إِلَى الإِمَامِ لِيَسْتَسْقِيَ لَهُمْ لَمْ يَرُدُّهُمْ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا استشفعوا) أي: الناس ( إلى الإمام) عند الحاجة إلى المطر ( ليستسقي لهم) أي: لأجلهم ( لم يردهم) ، بل عليه أن يجيب سؤالهم فيستسقي لهم، وإن كان ممن يرى تفويض الأمر إلى الله تعالى.


[ قــ :987 ... غــ : 1019 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الْمَوَاشِي، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ.
فَدَعَا اللَّهَ فَمُطِرْنَا مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ.
فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

اللَّهُمَّ عَلَى ظُهُورِ الْجِبَالِ وَالإكَامِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ.
فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ".

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) : التنيسي ( قال: أخبرنا مالك) الإمام الأعظم، ( عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم ( عن أنس بن مالك) رضي الله عنه ( أنه قال:) .

( جاء رجل) هو: كعب بن مرة وقيل غيره ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي وتقطعت السبل) بالمثناة الفوقية وتشديد الطاء، من: تقطعت.

والسبل، بضمتين جمع سبيل، وهو الطريق يذكر ويؤنث.
قال تعالى: { وأن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً} وقال { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف: 108] وانقطاعها، إما بعدم المياه التي يعتاد المسافرون ورودها، وإما باشتغال الناس وشدة القحط عن الضرب في الأرض.

( فادع الله) لنا ( فدعا الله، فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة) الأخرى ( فجاء رجل) هو الأول ( إلى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت) من كثرة المطر ( وتقطعت السبل) بالمثناة الفوقية وتشديد الطاء أي: تعذر سلوكها ( وهلكت المواشى) فادع الله يمسكها ( فقال رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( اللهم) أي: يا الله انزل المطر ( على ظهور الجبال والاكام) بكسر الهمزة جمع: أكمة، بفتحها: ما غلظ من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلاً وكان أكبر ارتفاعًا مما حوله.
ويروى: الآكام بفتح الهمزة ومدها، والاكم بضم الهمزة والكاف.
جمع: إكام ككتاب وكتب ( وبطون الأودية، ومنابت الشجر) جمع منبت بكسر الموحدة، أي: ما حولها مما يصلح أن ينبت فيه، لأن نفس النبت لا يقع عليه المطر.

( فانجابت) أي: السحب الممطرة ( عن المدينة انجياب الثوب) .

فإن قلت: تقدم باب: سؤال الناس الإمام إذا قحطوا، فما الفرق بينه وبين هذا الباب؟.

أجاب الزين بن المنير: بأن الأولى لبيان ما على الناس أن يفعلوه إذا احتاجوا للاستسقاء.
والثانية: لبيان ما على الإمام من إجابة سؤالهم.

وأجاب ابن المنير أيضًا عن السر في كونه عليه الصلاة والسلام لم يبدأ بالاستسقاء حتى سألوه، مع أنه عليه الصلاة والسلام، أشفق عليهم منهم، وأولى بهم من أنفسهم، بأن مقامه عليه الصلاة والسلام التوكل والصبر على البأساء والضراء، ولذلك كان أصحابه الخواص يقتدون به، وهذا المقام لا يصل إليه العامة وأهل البوادي، ولهذا، والله أعلم، كان السائل في الاستسقاء بدويًّا، فلما سألوه أجاب رعاية لهم وإقامة لسنة هذه العبادة فيمن بعده من أهل الأزمنة التي يغلب على أهلها الجزع، وقلة الصبر على اللأواء، فيؤخذ منه أن الأفضل للأئمة الاستسقاء، ولن ينفرد بنفسه، بصحراء أو سفينة، الصبر والتسليم للقضاء، لأنه عليه الصلاة والسلام قبل السؤال فوّض ولم يستسق.