فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب استقبال القبلة في الاستسقاء

باب اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ
( باب استقبال القبلة) في الدعاء ( في الاستسقاء) في أثناء الخطبة الثانية، وهو نحو ثلثها، كما قاله النووي في دقائقه، لأن الدعاء مستقبلها أفضل.
فإن استقبل له في الأولى لم يعده في الثانية.

قال النووي: ويلحق باستحباب استقبال القبلة للدعاء بالوضوء، والغسل، والأذكار، والقراءة، وسائر الطاعات إلا ما خرج بدليل، كالخطبة.


[ قــ :996 ... غــ : 1028 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يُصَلِّي، وَأَنَّهُ لَمَّا دَعَا -أَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ- اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ" قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: ابْنُ زَيْدٍ هَذَا مَازِنِيٌّ، وَالأَوَّلُ كُوفِيٌّ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد) غير منسوب، ولأبي ذر في نسخة: محمد بن سلام ( قال: أخبرنا)

ولأبي ذر، وابن عساكر: حدّثنا، ولأبي ذر في نسخة، وأبي الوقت: حدّثني ( عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي ( قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري ( قال: أخبرني) بالتوحيد ( أبو بكر بن محمد) أي: ابن عمرو بن حزم ( أن عباد بن تميم أخبره أن) عمه ( عبد الله بن زيد الأنصاري) رضي الله عنه ( أخبره) :
( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، خرج) بهم ( إلى المصلّى) بالصحراء، حال كونه ( يصلّي) بالمثناة التحتية أوله وكسر اللام، ولابن عساكر: فصلّى، بالفاء وفتح اللام، وللمستملي: يدعو ( وأنه لما دعا -أو أراد أن يدعو-) شك الراوي ( استقبل القبلة) واستدبر الناس ( وحول رداءه) فجعل ما على كل جانب من الأيمن والأيسر على الآخر.

( قال أبو عبد الله) البخاري: ( ابن زيد هذا) راوي حديث الباب: ( مازني) أنصاري، ولأبي ذر: عبد الله بن زيد ... الخ.
( والأول) السابق في باب الدعاء في الاستسقاء قائمًا.
( كوفي، هو ابن يزيد) عبد الله بالمثناة التحتية في أوله، من الزيادة.

قال في فتح الباري؛ كذا في رواية الكشميهني وحده هنا.
اهـ.

وفي الفرع وأصله ساقط لأبي ذر، وابن عساكر.
قال: وثبت عند أبي الهيثم لأبوي ذر والوقت، واستشكل إثباته هنا، لأنه لا ذكر لعبد الله بن يزيد هنا.

وأجيب: باحتمال أن يكون مراده بالأول: المذكور فيما مضى في باب الدعاء في الاستسقاء قائمًا، كما مر وبالجملة، فلو ذكره في باب: الدعاء في الاستسقاء قائمًا، حيث ذكر فيه عن عبد الله بن يزيد حديثًا، وعن عبد الله بن زيد حديثًا، لكان أليق، ليظهر تغايرهما حيث ذكرهما جميعًا، ولعل هذا من تصرف الكشميهني، كأنه رأى ورقة مفردة فكتبها هنا احتياطًا.


باب رَفْعِ النَّاسِ أَيْدِيَهُمْ مَعَ الإِمَامِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ
(باب رفع الناس أيديهم مع) رفع (الإمام) يديه في الدعاء (في الاستسقاء) وسقط لابن عساكر: مع الإمام.


[ قــ :996 ... غــ : 109 ]
- قَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ، هَلَكَ الْعِيَالُ، هَلَكَ النَّاسُ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ.
قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتِ الْجُمُعَةُ الأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَشِقَ الْمُسَافِرُ، وَمُنِعَ الطَّرِيقُ".


(قال) ولأبي ذر: وقال (أيوب بن سليمان) بن بلال، شيخ المؤلّف مما وصله أبو نعيم (حدّثني) بالإفراد (أبو بكر بن أبي أويس) الأصبحي المدني، أخو إسماعيل بن أبي أويس (عن سليمان بن بلال) التيمي، مولاهم (قال يحيى بن سعيد) الأنصاري، ولأبي ذر: عن يحيى بن سعيد قال: (سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال):
(أتى رجل أعرابي)، ولابن عساكر: أتى أعرابي (من أهل البدو) فيه تضعيف قول من قال: إنه العباس (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الجمعة) وهو قائم يخطب، فاستقبله قائمًا (فقال) وللأصيلي قال: (يا رسول الله! هلكت الماشية).

وسبق في باب الدعاء إذا كثر المطر، قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب يوم جمعة، فقام الناس فصاحوا، فقالوا: يا رسول الله! قحط المطر ... والجمع بين الروايتين أن الرجل قام أولاً فتبعه الناس، وكذا في الجمعة الأخرى، أو أنهم صاحوا، فقام الرجل فتكلم عنهم، أو المراد بالناس: الرجل لأنه لما كان قائمًا عنهم عبر عنه بهم، وكأنهم هم الذين صاحوا.
قاله ابن التين.

وإذا قلنا بتخصيص الرجل الأعرابي بالكلام، فترك خواص الصحابة لذلك، لأن مقامهم العليّ يقتضي الرضا والتسليم، بخلاف مقام السائل، فإنه مقام فقر وتمسكن.

(هلك العيال) ولابن عساكر: هلكت العيال، بتأنيث الضمير، (هلك الناس.
فرفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه) حال كونه (يدعو، ورفع الناس أيديهم معه) ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر: مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يدعون).

استدلّ به على استحباب رفع اليدين في الدعاء للاستسقاء، ولذا لم يرو عن الإمام مالك، رحمه الله، أنه رفع يديه إلاّ في دعاء الاستسقاء خاصة.

وهل ترفع في غيره من الأدعية أم لا؟ الصحيح الاستحباب في سائر الأدعية.
رواه الشيخان وغيرهما.

أما حديث أنس، المروي في الصحيحين وغيرهما، الآتي في الباب التالي إن شاء الله تعالى: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلاّ في الاستسقاء، فإنه: كان يرفع يديه حتى يُرى بياضُ إبطيه.
فمؤوّل على أنه لا يرفعهما رفعًا بليغًا، ولذا قال في المستثنى: حتى يُرى بياضُ إبطيه.

نعم، ورد رفع يديه عليه الصلاة والسلام في مواضع.

كرفع يديه حتى ريء عفرة إبطيه، حين استعمل ابن اللتبية على الصدقة، كما في الصحيحين.

ورفعهما أيضًا في قصة خالد بن الوليد، قائلاً: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، رواه البخاري والنسائي.


ورفعهما على الصفا، رواه مسلم وأبو داود.

ورفعهما ثلاثًا بالبقيع مستغفرًا لأهله، رواه البخاري في رفع اليدين، ومسلم حين تلا قوله تعالى: ({ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم: 36] الآية قائلاً: "اللهم أمتي أمتي" رواه مسلم.

ولما بعث جيشًا فيهم عليّ قائلاً: "اللهم لا تمتني حتى تريني عليًّا".
رواه الترمذي.

ولما جمع أهل بيته، وألقى عليهم الكساء، قائلاً "اللهم هؤلاء أهل بيتي".
رواه الحاكم.

وقد جمع النووي في شرح المهذّب نحوًا من ثلاثين حديثًا في ذلك من الصحيحين وغيرهما، وللمنذري فيه جزء.

قال الروياني: ويكره رفع اليد النجسة في الدعاء، قال: ويحتمل أن يقال: لا يكره بحائل.

وفي مسلم وأبي داود، عن أنس، أنه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يستسقي هكذا، ومدّ يديه، وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه.

فقال أصحابنا الشافعية وغيرهم: السنة في دعاء القحط، ونحوه من رفع بلاء، أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء، وهي صفة الرهبة، وإن سأل شيئًا يجعل بطونهما إلى السماء.
والحكمة أن القصد رفع البلاء بخلاف القاصد حصول شيء، أو تفاؤلاً ليقلب الحال ظهرًا لبطن، وذلك نحو صنيعه في تحويل الرداء، أو إشارة إلى ما يسأله، وهو أن يجعل بطن السحاب إلى الأرض لينصب ما فيه من المطر.

(قال) أنس: (فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا) بدون همزة، مبنيًّا للمفعول.
(فما زلنا نمطر) بضم النون وفتح الطاء (حتى كانت الجمعة الأخرى.
فأتى رجل) أي الأول، لأن الألف واللام للعهد الذكري.
وقد مر ما فيه، لكن رواية ابن عساكر: فأتى رجل، صارفة لتعيينه، مثبتة للتردد.
(إلى نبي الله) ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله! بشق) بالموحدة المفتوحة والمعجمة المكسورة، وبالقاف، كذا قيده كراع في المنضد، ولأبوي ذر، والوقت: بشق، بفتح المعجمة، وقيد به الأصيلي، أي: مل، أو: تأخر، أو: اشتد عليه الضرر، أو: حبس (المسافر، ومنع الطريق).




[ قــ :996 ... غــ : 1030 ]
- وَقَالَ الأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَشَرِيكٍ سَمِعَا أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ".

( وقال الأويسي) عبد العزيز بن عبد الله، مما وصله أبو نعيم في مستخرجه، ( حدّثني) بالإفراد ( محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير المدني ( عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( وشريك) هو: ابن عبد الله بن أبي نمر ( سمعا أنسًا عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفع) ولابن عساكر: أنه رفع ( يديه حتى رأيت بباض إبطيه) .


استدلّ به غير واحد على خصوصيته عليه الصلاة والسلام ببياض إبطيه.

وعورض بقول عبد الله بن أقرم الخزاعي، كنت أنظر إلى عفرة إبطيه إذا سجد.
رواه الترمذي، وحسنه غيره.
والعفرة بياض ليس بناصع.

نعم، الذي يعتقد فيه عليه الصلاة والسلام، أنه لم يكن لإبطه رائحة كريهة، بل كان عطر الرائحة، كما ثبت في الصحيحين.

وفي رواية ابن عساكر: حتى يُرى بياضُ إبطيه، وقول الأويسي هذا ثابت للمستملي، وابن عساكر، وأبي الوقت.

قال في الفتح: وثبت لأبي الوقت، وكريمة في آخر الباب بعده، وسقط للباقين رأسًا لأنه مذكور عند الجميع في: كتاب الدعوات.


باب رَفْعِ الإِمَامِ يَدَهُ فِي الاِسْتِسْقَاءِ
( باب رفع الإمام يده في الاستسقاء) كذا للحموي والمستملي.
ولا تكرار في هاتين الترجمين، هذه وسابقتها، لأن الأولى لبيان اتباع المأمومين الإمام في رفع اليدين، وهذه لإثبات رفعهما له في الاستسقاء، قاله ابن المنير.


[ قــ :997 ... غــ : 1031]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَىْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ".
[الحديث 1031 - طرفاه في: 3565، 6341] .

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا ( محمد بن بشار) بموحدة مفتوحة ومعجمة مشددة، ابن عثمان العبدي البصري يقال له: بندار.
( قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( وابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم ( عن سعيد) هو: ابن أبي عروبة ( عن قتادة) بن دعامة ( عن أنس بن مالك) وفي رواية يزيد بن زريع عند المؤلّف، في صفته عليه الصلاة والسلام: عن سعيد عن قتادة أن أنسًا حدثهم.

وسقط عند ابن عساكر: ابن مالك ( قال) :
( كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع) يديه ( حتى يرى بياض إبطيه) بسكون الموحدة.

وظاهره نفي الرفع في دعاء غير الاستسقاء، وهو معارض بما ذكرته من الأحاديث السابقة في الباب السابق، فليحمل النفي في هذا الحديث على صفة مخصوصة:
إما الرفع البليغ كما يدل عليه قوله: حتى يرى بياض إبطيه كما مر.


وإما على: صفة اليدين في ذلك، كما في مسلم: استسقى عليه الصلاة والسلام، فأشار بظهر كفيه إلى السماء.
كما مر.

أو على: نفي رؤية أنس لذلك.
وهو لا يستلزم نفي رؤية غيره، ورواية المثبت مقدمة على النافي.

والحاصل: استحباب الرفع في كل دعاء إلا ما جاء من الأدعية مقيدًا بما يقتضي عدمه، كدعاء الركوع والسجود ونحوهما.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في: صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومسلم والنسائي وابن ماجة في: الاستسقاء.