فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب فضل قيام الليل

باب فَضْلِ قِيَامِ اللَّيْلِ
( باب فضل قيام الليل) في مسلم من حديث أبي هريرة، أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، وهو يدل على أنه أفضل من ركعتي الفجر، وقوّاه النووي في الروضة.

لكن الحديث اختلف في وصله وإرساله، وفي رفعه ووقفه، ومن ثم لم يخرجه المؤلّف.

والمعتمد تفضيل الوتر على الرواتب وغيرها: كالضحى إذ قيل بوجوبه، ثم: ركعتي الفجر، لحديث عائشة المروي في الصحيحين: "لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على شيء من النوافل أشدّ تعاهدًا منه على ركعتي الفجر".

وحديث مسلم: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، وهما أفضل من ركعتين في جوف الليل".


وحملوا حديث أبي هريرة السابق على أن النفل المطلق المفعول في الليل، أفضل من المطلق المفعول في النهار.

وقد مدح الله المتهجدين في آيات كثيرة، كقوله تعالى: { كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] .
{ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64] { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] ويكفي: { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} وهي الغاية.

فمن عرف فضيلة قيام الليل بسماع الآيات، والأخبار، والآثار الواردة فيه، واستحكم رجاؤه وشوقه إلى ثوابه، ولذة مناجاته به، هاجه الشوق وباعث التوق، وطردا عنه النوم.

قال بعض الكبراء من القدماء: أوحى الله تعالى إلى بعض الصدّيقين: إن لي عبادًا يحبوني وأحبهم، ويشتاقون إليّ وأشتاق إليهم، ويذكروني وأذكرهم.
فإن حذوت طريقهم أحببتك.
قال: يا رب! وما علاماتهم؟ قال: يحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها، فإذا جَنَّهم الليل نصبوا إليّ أقدامهم، وافترشوا إليّ وجوههم، وناجوني بكلامي، وتملقوا بإنعامي، فبين صارخ وباك، ومتأوهٍ وشاكٍ بعيني ما يتحملون من أجلي، وبسمعي ما يشتكون من حبي، أوّل ما أعطيهم أن أقذف من نوري في قلوبهم، فيخبرون عني كما أخبر عنهم.


[ قــ :1083 ... غــ : 1121 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ.
ح.

وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا فَأَقُصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَىِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ، وَإِذَا فِيهَا أُنَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ.
قَالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ".

وبالسند إلى المؤلّف قال: ( حدّثنا عبد الله بن محمد) المسنديّ ( قال: حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني ( قال: أخبرنا معمر) هو: ابن راشد.

( ح) لتحويل السند، وليست في اليونينية.

( وحدّثني) بالإفراد ( محمود) هو: ابن غيلان المروزي ( قال: حدثنا عبد الرزاق) بن همام ( قال أخبرنا معمر) المذكور ( عن) ابن شهاب ( الزهري، عن سالم، عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ( قال) :
( كان الرجل في حياة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا رأى رؤيا) كفعلى، بالضم من غير تنوين، أي: في النوم

( قصها على رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فتمنيت أن أرى) وللكشميهني: أني أرى ( رؤيا) زاد في التعبير، من وجه آخر: فقلت في نفسي: لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء ( فأقصها) بالنصب، وفاء قبل الهمزة، أي: أخبره بها، ولأبي الوقت في نسخة، والأصيلي، وابن عساكر: أقصها ( على رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكنت غلامًا شابًا، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله) ولأبي ذر: النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية) أي: مبنية الجوانب ( كطي البئر، وإذا لها قرنان) بفتح القاف، أي: جانبان ( وإذا فيها أناس) بضم الهمزة ( قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار.
قال فلقينا ملك آخر، فقال لي: لم ترع)
بضم المثناة الفوقية وفتح الراء وجزم المهملة، أي: لِم تخف، والمعنى: لا خوف عليك بعد هذا، وللكشميهني في التعبير: لن تراع، بإثبات الألف، وللقابسي: لن ترع، بحذف الألف.

واستشكل من جهة أن لن، حرف نصب، ولم تنصب هنا.

وأجيب: بأنه مجزوم بلن، على اللغة القليلة المحكية عن الكسائي، أو سكنت العين للوقف، ثم شبه بسكون المجزوم، فحذف الألف قبله، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، قاله ابن مالك.

وتعقبه في المصابيح، فقال: لا نسلم أن فيه إجراء الوصل مجرى الوقف، إذ لم يصله الملك بشيء بعده.

ثم قال: فإن قلت: إنما وجه ابن مالك بهذا في الرواية التي فيها: لم ترع، وهذا يتحقق فيه ما قاله من إجراء الوصل مجرى الوقف.

وأجاب عنه، فقال: لا نسلم، إذ يحتمل أن الملك نطق بكل جملة منها منفردة عن الأخرى، ووقف على آخرها فحكاه كما وقع.
اهـ.




[ قــ :1083 ... غــ : 11 ]
- "فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ.
فَكَانَ بَعْدُ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً".
[الحديث 11 - أطرافه في: 1157، 3739، 3741، 7016، 709، 7031] .

( فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال) :
( نعم الرجل عبد الله) وفي التعبير من رواية نافع عن ابن عمر: إن عبد الله رجل صالح ( لو كان يصلّي من الليل) لو للتمني لا للشرط، ولذا لم يذكر الجواب.

قال سالم: ( فكان) بالفاء، أي: عبد الله، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: وكان ( بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً) .

فإن قلت: من أين أخذ عليه الصلاة والسلام التفسير بقيام الليل من هذه الرؤيا؟.


أجاب المهلب: بأنه إنما فسر عليه الصلاة والسلام هذه الرؤيا بقيام الليل، لأنه لم ير شيئًا يغفل عنه من الفرائض، فيذكر بالنار.
وعلم مبيته بالمسجد، فعبر عن ذلك بأنه منبه على قيام الليل فيه.

وفي الحديث: ( إن قيام الليل ينجي من النار) .
وفيه، كراهة كثرة النوم بالليل.

وقد روى سنيد، عن يوسف بن محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن جابر مرفوعًا: قالت أم سليمان لسليمان: يا بني لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرًا يوم القيامة.

وكان بعض الكبراء يقف على المائدة كل ليلة ويقول: معاشر المريدين لا تأكلوا كثيرًا فتشربوا كثيرًا فترقدوا كثيرًا فتتحسروا عند الموت كثيرًا.
وهذا هو الأصل الكبير، وهو تخفيف المعدة عن ثقل الطعام.

وفي هذا الحديث: التحديث، والعنعنة، والقول، وأخرجه أيضًا في: باب نوم الرجل في المسجد، كما سبق وفي: باب فضل من تعارّ من الليل، ومناقب ابن عمر، ومسلم في: فضائل ابن عمر.