فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب فضل من تعار من الليل فصلى

باب فَضْلِ مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى
( باب فضل من تعار) بفتح المثناة الفوقية والعين المهملة وبعد الألف راء مشددة، أي: انتبه ( من الليل فصلّى) مع صوت، من استغفار أو تسبيح أو نحوه.

وإنما استعمله هنا: دون الانتباه والاستيقاظ لزيادة معنى، وهو الأخبار: بأن من هب من نومه ذاكرًا الله تعالى مع الهبوب، فسأل الله تعالى خيرًا أعطاه.
فقال: تعار، ليدل على المعنيين.


[ قــ :1116 ... غــ : 1154 ]
- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ قال أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ.
الْحَمْدُ لِلَّهِ

وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي -أَوْ دَعَا- اسْتُجِيبَ.
فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ».

وبالسند قال: ( حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي، وسقط لأبي ذر: ابن الفضل ( قال: أخبرنا الوليد) زاد أبو ذر: هو ابن مسلم ( عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو، وللأصيلي: أخبرنا، ولأبي ذر: حدّثنا اللأوزاعي ( قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر، والأصيلي: حدّثنا ( عمير بن هانئ) بضم العين مصغرًا، الدمشقي ( قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا ( جنادة بن أبي أمية) بضم الجيم، وتخفيف النون والدال المهملة وهاء التأنيث، مختلف فى صحبته ( قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا ( عبادة بن الصامت) رضي الله عنه ( عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) :
( من تعار من الليل فقال) لما كان التعار اليقظة مع صوت احتمل أن تكون الفاء تفسيرية لا يصوّت به المستيقظ، لأنه قد يصوت بغير ذكر، فخصه بمن صوّت بقوله: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد) زاد أبو نعيم، في الحلية من وجهين، عن علي بن المديني: يحيي ويميت ( وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان اله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله) زاد النسائي، وابن ماجة، وابن السني: العلي العظيم، وسقط قوله: لا إله إلا الله، عند الأصيلي، وأبوي ذر والوقت، ( ثم قال: اللهم اغفر لي -أو دعا- استجيب) زاد الأصيلي، له، وأو، للشك، وعند الإسماعيلي: ثم قال: رب اغفر لي، غفر له أو قال: فدعا، استجيب له.
شك الوليد، واقتصر النسائي على الشق الأول ( فإن توضأ، قبلت) ولأبوي ذر، والوقت: وصلّى، قبلت ( صلاته) إن صلّى.
والفاء في: فإن توضأ، للعطف على دعا، أو: على قوله: لا إله إلا الله.
والأول أظهر، قاله الطيبي.

وترك ذكر الثواب ليدل على ما لا يدخل تحت الوصف، كما في قوله تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} إلى قوله: { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 16 - 17] وهذا إنما يتفق لمن تعوّد الذكر واستأنس به، وغلب عليه، حتى صار الذكر له حديث نفسه، في نومه ويقظته، فأكرم من اتصف بذلك بإجابة دعوته، وقبول صلاته.

وقد صرح، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، باللفظ، وعرض بالمعنى بجوامع كلمه التي أوتيها حيث قال: "من تعارّ من الليل ... " إلى آخره.

ورواته: كلهم شاميون إلا شيخه فمروزي، وفيه: رواية صحابي عن صحابي على قول من يقول بصحبة جنادة، والتحديث والأخبار والعنعنة والقول، وأخرجه أبو داود في: الأدب، والنسائي في: اليوم والليلة، والترمذي في: الدعوات، وابن ماجة في الدعاء.




[ قــ :1117 ... غــ : 1155 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قال أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ

أَبِي سِنَانٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-وَهُوَ يَقْصُصُ فِي قَصَصِهِ- وَهُوَ يَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أَخًا لَكُمْ لاَ يَقُولُ الرَّفَثَ، يَعْنِي بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ
وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ ... إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ
تَابَعَهُ عُقَيْلٌ.
.

     وَقَالَ  الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدٍ، وَالأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه.
[الحديث 1155 - طرفه في: 6151] .

وبه قال ( حدّثنا يحيى بن بكير) هو: يحيى بن عبد الله بن بكير ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( الهيثم) بفتح الهاء وسكون المثناة التحتية بعدها مثلثة مفتوحة ( ابن أبي سنان) بكسر المهملة ونونين، الأولى خفيفة ( أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه -وهو يقصص) بسكون القاف جملة حالية ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي: وهو يقص ( في) جملة ( قصصه) بكسر القاف، جمع قصة.
والذي في اليونينية وفرعها، فتح قاف، قصصه أي: مواعظه ( وهو) أي، والحال أنه ( يذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

( إن أخًا لكم) هو قول أبي هريرة، أو: من قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمعنى: إن الهيثم سمع أبا هريرة يقول وهو يعظ، وانجر كلامه إلى ذكره عليه الصلاة والسلام، وذكر ما قال من قوله عليه السلام: إن أخًا لكم ( لا يقول الرفث) يعني الباطل من القول، والفحش، قال الهيثم، أو قال الزهري: ( يعني بذلك عبد الله بن رواحة) بفتح الراء وتخفيف الواو وفتح الحاء، الأنصاري الخزرجي، حيث قال يمدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( وفينا رسول الله يتلو كتابه) .
القرآن، والجملة حالية ( إذا) ولأبي الوقت في نسخة كما ( انشق معروف) فاعل: انشق ( من الفجر) بيان لمعروف ( ساطع) مرتفع صفة لمعروف أي أنه يتلو كتاب الله وقت انشقاق الوقت الساطع من الفجر ( أرانا) ولأبي الوقت: أنار ( الهدى) مفعول ثان لأرانا ( بعد العمى) بعد الضلالة ( فقلوبنا به) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( موقنات: أنّ ما قال) من المغيبات ( واقع يبيت) حال كونه ( يجافي) يرفع ( جنبه عن فراشه) كناية عن صلاته بالليل ( إذا استثقلت بالمشركين المضاجع) .

وهذه الأبيات من الطويل وأجزاؤه ثمانية: فعولن مفاعيلن ... إلى آخره؛ والبيت الأخير منها بمعنى الترجمة، لأن التعار هو: السهر والتقلب على الفراش، وكان ذلك إما للصلاة، أو للذكر، أو للقراءة.

وفي البيت الأول الإشارة إلى علمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي الثالث إلى عمله، وفي الثاني إلى تكميله الغير، فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كامل مكمل.


( تابعه) أي تابع يونس بن يزيد ( عقيل) بضم العين وفتح القاف، ابن خالد عن ابن شهاب فيما أخرجه الطبراني في الكبير.

( وقال الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة، محمد بن الوليد الحمصي، مما وصله البخاري في التاريخ الصغير، والطبراني في الكبير قال: ( أخبرني) بالإفراد، محمد بن مسلم ( الزهري عن سعيد) هو: ابن المسيب ( والأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة رضي الله عنه) .

وأشار به إلى أنه اختلف على الزهري في هذا الإسناد، فاتفق يونس وعقيل على أن شيخه فيه: الهيثم، وخالفهما الزبيدي، فأبدله: بسعيد بن المسيب والأعرج.

قال الحافظ ابن حجر: ولا يبعد أن يكون الطريقان صحيحين، فإنهم حفاظ ثقات، والزهري صاحب حديث مكثر، ولكن ظاهر صنيع البخاري ترجيح رواية يونس لمتابعة عقيل له بخلاف الزبيدي.




[ قــ :1118 ... غــ : 1156 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ "رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ فَكَأَنِّي لاَ أُرِيدُ مَكَانًا مِنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ طَارَتْ إِلَيْهِ.
وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ: لَمْ تُرَعْ، خَلِّيَا عَنْهُ".

وبه قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي ( قال: حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني ( عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنهما.
قال)
:
( رأيت على عهد النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كأن بيدي قطعة إستبرق) بهمزة قطع: ديباج غليظ، فارسي معرب ( فكأني لا أريد مكانًا من الجنة إلا طارت إليه) في التعبير: إلا طارت بي إليه ( ورأيت كأن اثنين) بسكون المثلثة وفتح النون، ولأبي الوقت: آتيين على صيغة اسم الفاعل، من الإتيان ( أتياني، أرادا أن يذهبا بي إلى النار، فتلقاهما ملك فقال:) لي ( لم ترع) بضم الفوقية وفتح الراء، أي: لا يكون بك خوف ( خليا عنه) ، فقصصتها على حفصة.




[ قــ :1118 ... غــ : 1157 ]
- فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِحْدَى رُؤْيَاىَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ.
فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ -رضي الله عنه- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ».

( فقصت حفصة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحدى رؤياي) اسم جنس مضاف إلى ياء المتكلم ( فقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( نعم الرجل عبد الله لو كان يصلّي من الليل) .

قال نافع: ( فكان عبد الله) بن عمر ( رضي الله عنه يصلّي من الليل) .





[ قــ :1118 ... غــ : 1158 ]
- "وَكَانُوا لاَ يَزَالُونَ يَقُصُّونَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرُّؤْيَا أَنَّهَا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَتْ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيْهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ".
[الحديث 1158 - طرفاه في: 015، 6991] .

( وكانوا) أي: الصحابة ( لا يزالون يقصون على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الرؤيا أنها) أي ليلة القدر ( في الليلة السابعة من العشر الأواخر) من رمضان ( فقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( أرى رؤيكم قد تواطت) بغير همز، ولأبي ذر: تواطأت بالهمز بوزن تفاعلت، وكذا هو في أصل الدمياطي، أي: توافقت ( في العشر الأواخر) من رمضان ( فمن كان متحريها) بسكون التحتية في اليونينية ( فليتحرها) أي: طالبًا ومجتهدًا لها، فليطلبها ( من العشر الأواخر) وللكشميهني: في العشر الأواخر.