فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: تفاضل أهل الإيمان في الأعمال

باب تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِي الأَعْمَالِ

[ قــ :22 ... غــ : 22 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَا -أَوِ الْحَيَاةِ، شَكَّ مَالِكٌ- فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً»؟
قَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو «الْحَيَاةِ».
.

     وَقَالَ  «خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ».
[الحديث 22 - أطرافه في: 4581، 4919، 6560، 6574، 7438، 7439] .

( باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال) أي التفاضل الحاصل بسبب الأعمال، ولفظ باب ساقط عند الأصيلي.


وبالسند أوّل هذا المجموع إلى المؤلف قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس بن عبد الله الأصبحي المدني ابن أُخت إمام دار الهجرة مالك، وتكلم فيه كأبيه لكن أثنى عليه ابن معين وأحمد، وقد وافقه على رواية هذا الحديث عبد الله بن وهب ومعن بن عيسى عن مالك، وليس هو في الموطأ.
قال الدارقطني: هو غريب صحيح، وأخرجه المؤلف أيضًا عن غيره فانجبر اللين الذي فيه، وتوفي إسماعيل هذا في رجب سنة سبع أو ست وعشرين ومائتين.
( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) هو ابن أنس الإمام ( عن عمرو بن يحيى) بن عمارة بفتح عين عمرو ( المازني) المدني المتوفى سنة أربعين ومائة، ( عن أبيه) يحيى ( عن أبي سعيد) سعد بن مالك ( الخدري) بالدال المهملة ( رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :
( يدخل أهل الجنة الجنة) أي فيها، وعبر بالمضارع العاري عن سين الاستقبال المتمحض للحال لتحقق وقوع الإدخال، ( و) يدخل ( أهل النار النار، ثم) بعد دخولهم فيها ( يقول الله تعالى) وفي رواية عز وجل للملائكة ( أخرجوا) بهمزة قطع مفتوحة أمر من الإخراج زاد في رواية الأصيلي من النار ( من) أي الذي ( كان في قلبه) زيادة على أصل التوحيد ( مثقال حبة) ويشهد لهذا قوله أخرجوا من النار من قال لا إله إلاّ الله وعمل من الخير ما يزن كذا أي مقدار حبة حاصلة ( من خردل) حاصل ( من إيمان) بالتنكير ليفيد التقليل، والقلة هنا باعتبار انتفاء الزيادة على ما يكفي، لا لأن

الإيمان ببعض ما يجب الإيمان به كافٍ لأنه علم من عرف الشرع أن المراد من الإيمان الحقيقة المعهودة، وفي رواية الأصيلي والحموي والمستملي من الإيمان بالتعريف.
ثم إن المراد بقوله حبة من خردل التمثيل، فيكون عيارًا في المعرفة لا في الوزن حقيقة، لأن الإيمان ليس بجسم، فيحصره الوزن والكيل، لكن ما يشكل من المعقول قد يردّ إلى عيار محسوس، ليفهم ويشبه به ليعلم، والتحقيق فيه أن يجعل عمل العبد وهو عرض في جسم على مقدار العمل عنده تعالى، ثم يوزن كما صرّح به في قوله: وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، أو تمثل الأعمال بجواهر فتجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة، وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة، أو الموزون الخواتيم.
وقد استنبط الغزالي من قوله أخرجوا من النار من كان في قلبه الخ.
نجاة من أيقن بالإيمان، وحال بينه وبين النطق به الموت، فقال: وأما من قدر على النطق ولم يفعل حتى مات مع إيقانه بالإيمان بقلبه، فيحتمل أن يكون امتناعه منه بمنزلة امتناعه عن الصلاة، فلا يخلد في النار.
ويحتمل خلافه، ورجح غيره الثاني، فيحتاج إلى تأويل قوله في قلبه، فيقدّر فيه محذوف تقديره منضمًّا إلى النطق به مع القدرة عليه، ومنشأ الاحتمالين الخلاف في أن النطق بالإيمان شطر فلا يتم الإيمان إلا به، وهو مذهب جماعة من العلماء، واختاره الإمام شمس الذين وفخر الإسلام، أو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية فقط، وهو مذهب جمهور المحققين، وهو اختيار الشيخ أبي منصور، والنصوص معاضدة لذلك قاله المحقق التفتازاني.

( فيخرجون منها) أي من النار حال كونهم ( قد اسودوا) أي صاروا سودًا كالحمم من تأثير النار، ( فيلقون) بضم المثناة التحتية مبنيًّا للمفعول ( في نهر الحيا) بالقصر لكريمة وغيرها أي المطر ( أو الحياة) بالمثناة الفوقية آخره، وهو النهر الذي من غمس فيه حيي، ( شك مالك) وفي رواية ابن عساكر يشك بالمثناة التحتية أوّله أي في أيهما الرواية، ورواية الأصيلي من غير الفرع الحياء بالمد ولا وجه له، والمعنى على الأولى لأن المراد كل ما تحصل به الحياة، وبالمطر تحصل حياة الزرع بخلاف الثالث، فإن معناه الخجل، ولا يخفى بعده عن المعنى المراد هنا، وجملة شك اعتراض بين قوله فيلقون في نهر الحياة السابق، وبين لاحقه وهو قوله ( فينبتون) ثانيًا ( كما تنبت الحبة) بكسر المهملة وتشديد الموحدة، أي كنبات برز العشب، فأل للجنس أو للعهد، والمراد البقرة الحمقاة لأنها تنبت سريعًا.
( في جانب السيل، ألم تر) لكل من يتأتى منه الرؤية ( أنها تخرج) حال كونها ( صفراء) تسرّ الناظر، وحال كونها ( ملتوية) ، أي منعطفة منثنية، وهذا مما يزيد الرياحين حسنًا باهتزازه وتمايله، فالتشبيه من حيث الإسراع والحسن، والمعنى من كان في قلبه مثقال حبة من الإيمان يخرج من ذلك الماء نضرًا متبخترًا كخروج هذه الريحانة من جانب السيل صفراء متمايلة، وحينئذ فيتعين كون أل في الحبة للجنس فافهم، وسيأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في صفة الجنة والنار، حيث أخرج المؤلف هذا الحديث.
وقد أخرجه مسلم أيضًا في الإيمان، وهو من عوالي المؤلف على مسلم بدرجة، وأخرجه النسائي أيضًا، وليس هو في الموطأ.
وهو هنا قطعة من الحديث الآتي إن شاء الله تعالى بعون الله مع مباحثه.


وبه قال ( قال وهيب) بضم أوّله وفتح ثانيه مصغرًا آخره موحدة، ابن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ( حدّثنا عمرو) بفتح العين ابن يحيى المازني السابق قريبًا ( الحياة) بالجر على الحكاية، وهو موافق لمالك في روايته لهذا الحديث عن عمرو بن يحيى بسنده، ولم يشك كما شك مالك أيضًا.

( وقال) وهيب أيضًا في روايته مثقال حبة من ( خردل من خير) بدل من إيمان، فخالف مالكًا في هذه اللفظة.
وهذا التعليق أخرجه المصنف مسندًا في الرقاق عن موسى بن إسماعيل عن وهيب عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد به، وسياقه أتم من سياق مالك لكنه قال من خردل من إيمان كرواية مالك، وفي هذا الحديث الرد على المرجئة لما تضمنه من بيان ضرر المعاصي مع الإيمان، وعلى المعتزلة القائلين بأن المعاصي موجبة للخلود في النار.




[ قــ :3 ... غــ : 3 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ».
قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الدِّينَ».
[الحديث 3 - أطرافه في: 3691، 7008، 7009] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن عبيد الله) بالتصغير ابن محمد بن زيد القرشي الأموي المدني مولى عثمان بن عفان، ( قال حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحرث بن زهرة التابعي الجليل المدني المتوفى ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة، ( عن صالح) أبي محمد بن كيسان الغفاري المدني التابعي المتوفى بعد أن بلغ من العمر مائة وستين سنة وابتدأ بالتعلم وهو ابن تسعين، ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن أبي أمامة) بضم الهمزة أسعد المختلف في صحبته، ولم يصح له سماع المذكور في الصحابة لشرف الرؤية، ( ابن سهل) ، وللأصيلي وأبي الوقت زيادة ابن حنيف بضم المهملة المتوفى سنة مائة، ( أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك ( الخدري) رضي الله عنه حال كونه ( يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( بينا) بغير ميم ( أنا نائم رأيت الناس) ، من الرؤيا الحلمية على الأظهر أو من الرؤية البصرية فتطلب مفعولاً واحدًا وهو الناس، وحينئذ فيكون قوله ( يعرضون عليّ) جملة حالية أو علمية من الرأي، وحينئذ فتطلب مفعولين وهما الناس يعرضون عليّ أي يظهرون ليس ( وعليهم قمص) بضم الأوّلين جمع قميص والواو للحال ( منها) أي من القمص، ( ما) أي الذي ( يبلغ الثدي) بضم المثلثة وكسر المهملة وتشديد المثناة التحتية جمع ثدي يذكر ويؤنث للمرأة والرجل، والحديث يردّ على من خصّه بها وهو هنا نصب مفعول يبلغ والجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو الموصول، وفي رواية أبي ذر الثدي بفتح المثلثة وإسكان الدال ( ومنها) أي من القمص، ( ما دون ذلك) .
أي لم يصل للثدي لقصره.
( وعرض علي) بضم العين وكسر الراء مبنيًّا للمفعول ( عمر بن الخطاب) بالرفع نائب عن
الفاعل رضي الله عنه ( وعليه قميص يجره) لطوله، ( قالوا) أي الصحابة ولابن عساكر في نسخة قال أي عمر بن الخطاب أو غيره أو السائل أبو بكر الصديق كما يأتي إن شاء الله تعالى في التعبير، ( فما أوّلت) فما عبرت ( ذلك يا رسول الله، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوّلت ( الدين) بالنصب معمول أوّلت، ولا يلزم منه أفضلية الفاروق على الصديق، إذ القسمة غير حاصرة، إذ يجوز رابع، وعلى تقدير الحصر فلم يخص الفاروق بالثالث ولم يقصره عليه، ولئن سلمنا التخصيص به فهو معارض بالأحاديث الكثيرة البالغة درجة التواتر المعنوي الدالة على أفضلية الصديق فلا تعارضها الآحاد، ولئن سلمنا التساوي بين الدليلين، لكن إجماع أهل السُّنة والجماعة على أفضليته، وهو قطعي فلا يعارضه ظني.
وفي هذا الحديث، التشبيه البليغ وهو تشبيه الدين بالقميص لأنه يستر عورة الإنسان، وكذلك الدين يستره من النار.
وفيه الدلالة على التفاضل في الإيمان كما هو مفهوم تأويل القميص، وبالدين مع ما ذكره من أن اللابسين يتفاضلون في لبسه، ورجاله كلهم مدنيون كالسابق، ورواية ثلاثة من التابعين أو تابعيين وصحابيين.
وأخرجه المصنف أيضًا في التعبير وفي فضل عمر، ورواه مسلم في الفضائل والترمذي والنسائي.

ولما فرغ المؤلف من بيان تفاضل أهل الإيمان في الأعمال شرع يذكر ما ينقص به الإيمان فقال: