فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: ظلم دون ظلم

باب ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ
هذا ( باب) بالتنوين ( ظلم دون ظلم) أي بعضه أخف من بعض، وهذه الترجمة لفظ رواية حديث رواه الإمام أحمد من كتاب الإيمان من حديث عطاء.



[ قــ :32 ... غــ : 32 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ.
ح.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نفسه؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .
[الحديث 32 - أطرافه في: 3360، 3428، 3429، 4629، 4776، 6918، 6937] .

وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي الباهلي البصري السابق ( قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( ح) مهملة ( قال: وحدّثني) بالإفراد ( بشر) كذا في فرع اليونينية كهي، وفي بعض الأصول وهو لكريمة ح.
وحدّثني بشر قال في الفتح: فإن كانت -يعني الحاء المفردة- من أصل التصنيف فهي مهملة مأخوذة من التحويل على المختار، وإن كانت مزيدة من بعض الرواة فيحتمل أن تكون مهملة كذلك أو معجمة مأخوذة من البخاري لأنها رمزه، أي قال البخاري: وحدْثني بشر، لكن في بعض الروايات المصححة وحدّثني بواو العطف من غير حاء قبلها، وبشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة، وفي رواية ابن عساكر بن خالد أبو محمد العسكري كما في فرع اليونينية كهي المتوفى أبو بشر المذكور سنة ثلاث وخمسين ومائتين ( قال: حدّثنا محمد) وفي رواية ابن عساكر محمد بن جعفر كما في الفرع أيضًا كاليونينية الهذلي البصري المعروف بغندر المتوفى فيما قاله أبو داود سنة ثلاث وتسعين ومائة ( عن شعبة) بن الحجاج ( عن سليمان) بن مهران الأعمش الأسدي الكاهلي الكوفي، ولد يوم قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وعند المؤلف سنة ستين المتوفى سنة ثمان ومائة ( عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمران الكوفي الفقيه الثقة، وكان يرسل كثيرًا، المتوفى وهو مُختَفٍ من الحجاج سنة ست وتسعين وهو من الخامسة ( عن علقمة) بن قيس بن عبد الله، المتوفى سنة اثنتين وستين، وقيل: وسبعين ( عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه.

( قال لما نزلت) زاد الأصيلي قال: لما نزلت هذه الآية: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم} { أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون} [الأنعام: 82] وقوله: بظلم أي عظيم أي لم يخلطوه بشرك إذ لا أعظم من الشرك، وقد ورد التصريح بذلك عند المؤلف من طريق حفص بن غياث عن الأعمش ولفظه: قلنا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون بل لم يلبسوا إيمانهم بظلم بشرك ألم تسمعوا إلى قول لقمان فذكر الآية الآتية، لكن منع التيمي تصوّر خلط الإيمان بالشرك وحمله على عدم حصول الصفتين لهم كفر متأخر عن إيمان متقدّم.
أي: لم يرتدوا أو المراد أنهم لم يجمعوا بينهما ظاهرًا وباطنًا أي لم ينافقوا وهذا أوجه.
( قال أصحاب رسول الله) وللأصيليّ النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أينا لم يظلم نفسه) مبتدأ وخبر والجملة مقول القول ( فأنزل الله) ولأبي ذر والأصيلي، فأنزل الله عز وجل عقب ذلك ( إن الشرك لظلم عظيم) إنما حملوه على العموم لأن قوله بظلم نكرة في سياق النفي، لكن عمومها هنا بحسب الظاهر.
قال المحققون: إن دخل على النكرة في سياق النفي ما يؤكد العموم
ويقوّيه نحو: من في قوله: ما جاءني من رجل أفاد تنصيص العموم، وإلا فالعموم مستفاد بحسب الظاهر كما فهمه الصحابة من هذه الآية، وبيّن لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ظاهره غير مراد، بل هو من العام الذي أريد به الخاص، والمراد بالظلم أعلى أنواعه وهو الشرك، وإنما فهموا حصر الأمن والاهتداء فيمن لم يلبس إيمانه حتى ينتفيا عمن لبس من تقديم لهم على الأمن في قوله لهم الأمن أي: لهم لا لغيرهم ومن تقديم وهم على مهتدون.
وفي الحديث أن المعاصي لا تسمى شركًا وأن من لم يشرك بالله شيئاًً فله الأمن وهو مهتدٍ.
لا يقال: إن العاصي قد يعذب فما هذا الأمن والاهتداء الذي حصل له؟ لأنه أجيب بأنه آمن من التخليد في النار مهتدِ إلى طريق الجنة انتهى.

وفيه أيضًا: أن درجات الظلم تتفاوت كما ترجم له، وأن العامّ يطلق ويراد به الخاصّ، فحمل الصحابة ذلك على جميع أنواع الظلم، فبين الله تعالى أن المراد نوع منه، وأن المفسر يقضي على المجمل، وأن النكرة في سياق النفي تعم، وأن اللفظ يحمل على خلاف ظاهره لمصلحة دفع التعارض.


وفي إسناده رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض وهم: الأعمش عن شيخه إبراهيم النخعي عن خاله علقمة بن قيس والثلاثة كوفيون فقهاء، وهذا أحد ما قيل فيه إنه أصح الأسانيد، وأمن تدليس الأعمش بما وقع عند المؤلف فيما مرّ في رواية حفص بن غياث عنه حدّثنا إبراهيم، وفيه التحديث بصورة الجمع والإفراد والعنعنة، وأخرج متنه المؤلف أيضًا في باب أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي التفسير، ومسلم في الإيمان والترمذي.

ولما فرغ المؤلف من بيان مراتب الكفر والظلم وأنها متفاوتة عقبه بأن النفاق كذلك فقال: