فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: قيام ليلة القدر من الإيمان

باب قِيَامُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ الإِيمَانِ
هذا ( باب) بالتنوين وهو ساقط في رواية الأصيلي ( قيام ليلة القدر من الإيمان) أي من شعبه.


[ قــ :35 ... غــ : 35 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
[الحديث 35 - أطرافه في: 37، 38، 1901، 2008، 2009، 2014] .


" وبالسند المذكور أوّلاً إلى المصنف قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع البهراني بفتح الموحدة الحمصي الثقة الثبت من العاشرة.
يقال: إن أكثر حديثه عن شعيب مناولة، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومائتين ( قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( قال: حدّثنا أبو الزناد) بالنون عبد الله بن ذكوان القرشي ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه ( قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :

( من يقم ليلة القدر) للطاعة ( إيمانًا) أي تصديقًا بأنه حق وطاعة ( واحتسابًا) لوجهه تعالى لا للرياء ونحوه ونصبًا على المفعول له، وجوّز أبو البقاء فيما حكاه البرماوي أن يكونا على الحال مصدرًا بمعنى الوصف أي مؤمنًا محتسبًا ( غفر له ما تقدم من ذنبه) أي غير الحقوق الآدمية، لأن الإجماع قائم على أنها لا تسقط إلا برضاهم، وفيه الدلالة على جعل الأعمال إيمانًا لأنه جعل القيام إيمانًا وليلة نصب مفعول به لا فيه، وجملة غفر له جواب الشرط.
وقد وقع ماضيًا، وفعل الشرط مضارعًا، وفي ذلك نزاع بين النحاة والأكثرون على المنع، واستدل القائلون بالجواز بقوله تعالى: { إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ} [الشعراء: 4] لأن قوله فظلت بلفظ الماضي وهو تابع للجواب.
وتابع الجواب جواب، وإنما عبّر بالمضارع في الشرط في قيام ليلة القدر، وبالماضي في قيام رمضان وصيامه في البابين اللاحقين لأن قيام رمضان وصيامه محقّقًا الوقوع فجاءا بلفظ يدل عليه بخلاف قيام ليلة القدر فإنه غير متيقن، فلهذا ذكره بلفظ المستقبل وقاله الكرماني.
وقال غيره: استعمل لفظ الماضي في الجزاء مع أن المغفرة في زمن الاستقبال إشارة إلى تحقق وقوعه على حد قوله: { أَتَى أَمْرُ اللَّه} [النحل: 1] وقد روى النسائي الحديث عن محمد بن علي بن ميمون عن أبي اليمان شيخ المصنف بلفظ "من يقم ليلة القدر يغفر له" فلم يغاير بين الشرط والجزاء.
قال في الفتح: فظهر أنه من تصرف الرواة فلا يستدل به للقول بجواز التغاير في الشرط والجزاء.
وعند أبي نعيم في مستخرجه "لا يقوم أحدكم ليلة القدر فيوافقها إيمانًا واحتسابًاً إلا غفر له".
وقوله: فيوافقها زيادة بيان وإلاّ فالجزاء مرتب على قيام ليلة القدر ولا يصدق قيامها إلا على من يوافقها.
وقوله: يقم بفتح الياء من قام يقوم وقع هنا متعدّيًا، ويدل له حديث الشيخين مرفوعًاً "من قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".

ومن لطائف إسناد هذا الحديث ما قيل إن أصح أسانيد أبي هريرة أبو الزناد عن الأعرج عنه، وأخرجه المؤلف أيضًا في الصيام مطوّلاً، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي ومالك في موطئه.

ولما كان التماس ليلة القدر يستدعي محافظة زائدة ومجاهدة تامة ومع ذلك فقد يوافقها وقد لا يوافقها، وكان هذا المجاهد يلتمس الشهادة ويقصد إعلاء كلمة الله تعالى ناسب أن يعقب المؤلف هذا الباب بفضل الجهاد استطرادًا فقال: