فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان

باب تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنَ الإِيمَانِ
هذا ( باب) بالتنوين ( تطوّع قيام رمضان) بالطاعة في لياليه ( من الإيمان) أي من شعبه والتطوع تفعل ومعناه التكلف بالطاعة، والمراد هنا التنفل وهو رفع بالابتداء مضاف لتاليه، ورمضان ممنوع من الصرف للعلمية والألف والنون، وفي نسخة بفرع اليونينية باب تطوع قيام رمضان بغير تنوين مضافًا للاحقه، وفي رواية أبي ذر قيام شهر رمضان ولفظ باب ساقط في رواية الأصيلي.


[ قــ :37 ... غــ : 37 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

وبالسند إلى البخاري قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس المدني الأصبحي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) يعني ابن أنس إمام الأئمة وهو خاله ( عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة أبو إبراهيم القرشي المدني الزهري الثقة وهو من الثانية وأمه أم كلثوم بنت عقبة أخت عثمان بن عفان لأمه المتوفى بالمدينة سنة خمس وتسعين.
قال العيني وقيل سنة خمس ومائة.
قال الحافظ ابن حجر في التقريب: بل هو الصحيح ( عن أبي هريرة) رضي الله عنه ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :

( من قام) بالطاعة صلاة التراويح أو غيرها من الطاعات في ليالي ( رمضان) حال كون قيامه ( إيمانًا) أي مؤمنًا بالله مصدقًا به ( و) حال كونه ( احتسابًا) أي محتسبًا والمعنى مصدقًا ومريدًا به وجه الله تعالى بخلوص نيّته ( غفر له ما تقدم من ذنبه) من الصغائر، وفي فضل الله وسعة كرمه ما يؤذن بغفران الكبائر أيضًا وهو ظاهر السياق، لكنهم أجمعوا على التخصيص بالصغائر كنظائره من إطلاق الغفران في أحاديث لما وقع من التقييد في بعضها بما اجتنبت الكبائر وهي لا تسقط إلا بالتوبة أو الحد.
وأجيب عن استشكال مجيء الغفران في قيام رمضان وفي صومه وليلة القدر وكفّارة صوم يوم عرفة سنتين وعاشوراء سنة وما بين الرمضانين إلى غير ذلك مما ورد به الحديث فإنها إذا كفرت بواحد فما الذي يكفره الآخر بأن كلاًّ يكفر الصغائر، فإذا لم توجد بأن كفرها واحد مما ذكر أو غفرت بالتوبة أو لم تفعل للتوفيق المنعم به رفع له بعمله ذلك درجات وكتب له به حسنات أو خفَّف عنه بعض الكبائر كما ذهب إليه بعضهم وفضل الله واسع.
ورواة هذا الحديث كلهم أئمة أجلاء

مدنيون، وفيه التحديث بصيغة الإفراد والجمع والعنعنة، وأخرجه المؤلف في الصيام أيضًا، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والموطأ وغيرهم.



[ قــ :37 ... غــ : 37 ]
- باب سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الإِيمَانِ، وَالإِسْلاَمِ، وَالإِحْسَانِ، وَعِلْمِ السَّاعَةِ.
وَبَيَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثُمَّ قَالَ «جَاءَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا.
وَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنَ الإِيمَانِ.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} .

هذا (باب) بغير تنوين لإضافته إلى قوله (سؤال جبريل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الإيمان والإسلام إحسان) بإضافة سؤال لجبريل من إضافة المصدر للفاعل والنبي نصب معمول المصدر (و) عن (علم) وقت لساعة) قدر بالوقت لأن السؤال لم يقع عن نفس الساعة، وإنما هو عن وقتها بقرينة ذكر متى الساعة، (وبيان) لجر عطفًا على سؤال جبريل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أكثر المسؤول عنه لأنه لم يبين وقت الساعة إذ كم عظم الشيء حكم كله أو أن قوله عن الساعة لا يعلمها إلاّ الله بيان له (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعطف لجملة الفعلية على الاسمية لأن الأسلوب يتغير بتغير المقصود لأن مقصوده من الكلام الأوّل الترجمة، ومن الثاني كيفية الاستدلال فلتغايرهما تغاير الأسلوبان (جاء جبريل عليه السلام يعلمكم دينكم فجعل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك كله دينًا) يدخل فيه اعتقاد وجود الساعة وعدم العلم بوقتها لغير الله تعالى لأنهما من الدين، (وما بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لوفد عبد القيس من الإيمان) أي مع ما بين للوفد أن الإيمان هو الإسلام حيث فسّره في قصتهم بما فسر به الإسلام (وقوله تعالى) وفي رواية أبي ذر وقول الله تعالى، وفي رواية الأصيلي عز وجل: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] أي مع ما دلّت عليه هذه الآية أن الإسلام هو الدين إذ لو كان غيره لم يقبل، فاقتضى ذلك أن الإيمان والإسلام شيء واحد، ويؤيده ما نقل أبو عوانة في صحيحه عن المزني من الجزم بأنهما عبارة عن معنى واحد، وأنه سمع ذلك من الشافعيّ، وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى قريبًا.