فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: إطعام الطعام من الإسلام


[ قــ :12 ... غــ : 12 ]
- سورة يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلاَمُ
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .

     وَقَالَ  فُضَيْلٌ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا الأُتْرُجُّ، قَالَ فُضَيْلٌ: الأُتْرُجُّ بِالْحَبَشِيَّةِ: مُتْكًا،.

     وَقَالَ  ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا الأُتْرُجُّ، بِالْحَبَشِيَّةِ: مُتْكًا، كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ،.

     وَقَالَ  قَتَادَةُ: لَذُو عِلْمٍ عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ،.

     وَقَالَ  ابْنُ جُبَيْرٍ: صُوَاعٌ مَكُّوكُ الْفَارِسِيِّ الَّذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأَعَاجِمُ،.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: تُفَنِّدُونِ تُجَهِّلُونِ،.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: غَيَابَةٌ كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهْوَ غَيَابَةٌ، وَالْجُبُّ الرَّكِيَّةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ، بِمُؤْمِنٍ لَنَا: بِمُصَدِّقٍ، أَشُدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّقْصَانِ يُقَالُ: بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ: وَاحِدُهَا شَدٌّ.
وَالْمُتَّكَأُ مَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ وَأَبْطَلَ الَّذِي قَالَ الأُتْرُجُّ: وَلَيْسَ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ الأُتْرُجُّ فَلَمَّا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ الْمُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ فَرُّوا إِلَى شَرٍّ مِنْهُ فَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ الْمُتْكُ سَاكِنَةَ التَّاءِ وَإِنَّمَا الْمُتْكُ طَرَفُ الْبَظْرِ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهَا: مَتْكَاءُ وَابْنُ الْمَتْكَاءِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أُتْرُجٌّ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْمُتَّكَإِ، شَغَفَهَا يُقَالُ: بَلَغَ إِلَى شِغَافِهَا وَهْوَ غِلاَفُ قَلْبِهَا.
وَأَمَّا شَعَفَهَا: فَمِنَ الْمَشْعُوفِ، أَصْبُ: أَمِيلُ، أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ: مَا لاَ تَأْوِيلَ لَهُ، وَالضِّغْثُ: مِلْءُ الْيَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أَشْبَهَهُ وَمِنْهُ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا لاَ مِنْ قَوْلِهِ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَاحِدُهَا: ضِغْثٌ، نَمِيرُ: مِنَ الْمِيرَةِ.
وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ: مَا يَحْمِلُ بَعِيرٌ، آوَى إِلَيْهِ: ضَمَّ إِلَيْهِ، السِّقَايَةُ: مِكْيَالٌ.
اسْتَيْأَسُوا: يَئِسُوا.
وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ: مَعْنَاهُ الرَّجَاءُ، خَلَصُوا نَجِيًّا: اعْتَرَفُوا نَجِيًّا وَالجَمْعُ أَنْجِيَةٌ يَتَنَاجُونَ الوَاحِدُ نَجِيٌّ وَالاثْنَانِ وَالجَمْعُ نَجِيٌّ وَأَنْجِيَةٌ: تَفْتَأُ لاَ تَزَالُ { حَرَضًا} مُحْرَضًا يُذِيبُكَ الْهَمُّ { تَحَسَّسُوا} تَخَبَّرُوا { مُزْجَاةٍ} قَلِيلَةٍ { غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} عَامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ.

( [12] سورة يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلاَمُ)
مكية وهي مائة إحدى عشرة آية.

( بسم الله الرحمن الرحيم) كذا لأبي ذر وسقطت لغيره.

( وقال فضيل) : بضم الفاء وفتح المعجمة ابن عياض بن موسى الزاهد المتوفى بمكة سنة سبع وثمانين ومائة مما وصله ابن المنذر ومسدد في مسنده ( عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي ( عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر ( متكأ) بضم الميم وسكون الفوقية وتنوين الكاف من غير همز وهي قراءة ابن عباس وابن عمر ومجاهد وقتادة والجحدري ( الأترج) بضم
الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء وتشديد الجيم، ولأبي ذر الأترنج بزيادة نون بعد الراء وتخفيف الجيم لغتان وأنشدوا:
فأهدت متكة لبني أبيها ... تخب بها العثمثمة الوقاح
والعثمثمة من النوق الشديدة والذكر عثمثم الأسد والوقاح بالواو المفتوحة والقاف الناقة الصلبة ( قال فضيل) : هو ابن عياض فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق يحيى بن يمان عنه ( الأترج) أي بتشديد الجيم وسقط لأبي ذر قال فضيل: الأترج ( بـ) ـاللغة ( الحبشية متكًا) بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف من غير همز.

( وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله في مسنده ( عن رجل) لم يسم ( عن مجاهد متكًا) بسكون التاء من غير همز كالسابق ( كل شيء) ولأبي ذر قال كل شيء ( قطع بالسكين) كالأترج وغيره من الفواكه وأنشدوا:
نشرب الإثم بالصواع جهارًا ... ونرى المتك بيننا مستعارا
قيل: وهو من متك بمعنى بتك الشيء أي قطعه، فعلى هذا يحتمل أن تكون الميم بدلاً من الباء وهو بدل مطرد في لغة قوم، ويحتمل أن تكون مادة أخرى وافقت هذه.

( وقال قتادة) في قوله تعالى: { وإنه} ( { لذو علم} ) [يوسف: 68] وزاد أبو ذر: لما علمناه أي ( عامل بما علم) وصله ابن أبي حاتم والضمير في وأنه ليعقوب كما يرشد إليه قوله: { إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} .

( وقال ابن جبير) : فيما رواه ابن منده وابن مردويه ولأبي ذر سعيد بن جبير ( { صواع} ) ولأبي ذر: صواع الملك ( مكوك الفارسي) بفتح الميم وتشديد الكاف الأولى مضمومة مكيال معروف لأهل العراق وهو ( الذي يلتقي طرفاه كانت تشرب به الأعاجم) وكان من فضة وزاد ابن إسحاق مرصعًا بالجواهر كان يسقى به الملك ثم جعل صاعًا يكال به.

( وقال ابن عباس) : في قوله: { لولا أن} ( { تفندون} ) أي ( تجهلون) وقال الضحاك: تهرمون فتقولون شيخ كبير قد ذهب عقله.
وعند ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: { ولما فصلت العير} [يوسف: 94] لما خرجت العير هاجت ريح فأتت يعقوب بريح يوسف فقال: { إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون} قال لولا أن تسفهون قال: فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيام.

( وقال غيره) : أي غير ابن عباس في قوله تعالى: { وألقوه في غيابة الجب} [يوسف: 10] ( غيابة) بالرفع ( كل شيء) مبتدأ وفي نسخة غيابة بالجر والذي في اليونينية غيابة بالرفع وبالفتح ( غيب عنك شيئًا) في محل جر صفة لشيء وشيئًا مفعول غيب ( فهو غيابة) خبر المبتدأ أو المبتدأ إذا
تضمن معنى الشرط تدخل الفاء في خبره ( والجب) بالجيم ( الركية التي لم تطو) قاله أبو عبيدة وسمي به لكونه محفورًا في جبوب الأرض أي ما غلظ منها والغيابة قال الهروي شبه طاق في البئر فويق الماء يغيب ما فيه من العيون.
وقال الكلبي: تكون في قعر الجب لأن أسفله واسع ورأسه ضيق فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه، والألف واللام في الجب للعهد فقيل: هو جب بيت المقدس، وقيل بأرض الأردن، وقيل على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب.

وقوله: { وما أنت} ( { بمؤمن لنا} ) أي ( بمصدق) لسوء ظنك بنا.

وقوله تعالى: { ولما بلغ} ( { أشدّه} ) [يوسف: 22] أي ( قبل أن يأخذ في النقصان) وهو ما بين الثلاثين والأربعين وقيل في سن الشباب ومبدؤه قبل بلوغ الحلم ( يقال: بلغ أشدّه وبلغوا أشدّهم) أي فيكون أشد في المفرد والجمع بلفظ واحد ( وقال بعضهم: واحدها) أي الأشد ( شد) بفتح الشين من غير همزة وهو قول سيبويه والكسائي.

( والمتكأ) بتشديد الفوقية وبعد الكاف همزة على قراءة الجمهور اسم مفعول ( ما اتكأت عليه لشراب أو لحديث أو لطعام) أي لأجل شراب الخ.
( وأبطل) قول ( الذي قال) : إن المتكأ هو ( الأترج) بتشديد الجيم للإدغام، ولأبي ذر الأترنج بالنون للفك.
( وليس في كلام العرب الأترج) أي ليس مفسرًا في كلامهم به وهذا أخذه من كلام أبي عبيدة ولفظه وزعم قوم أنه الترنج وهذا أبطل باطل في الأرض اهـ.

وتعقب بما في المحكم حيث قال: المتكأ الأترنج، ونقله الجوهري في صحاحه عن الأخفش، وقال أبو حنيفة الدينوري: بالضم الأترنج وبالفتح السوسن، وعن أبي علي القالي وابن فارس في مجمله نحوه، وعند عبد بن حميد أن ابن عباس كان يقرأ متكأ مخففة ويقول هو الأترج.

( فلما احتج عليهم) بضم التاء أي على القائلين بأنه الأترج، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيما احتج بالمثناة التحتية بدل اللام ( بأنه) ولأبي ذر: بأن ( المتكأ) بالتشديد والهمزة ( من نمارق) يعني وسائد ( فرّوا إلى شرّ منه فقالوا) بالفاء ولأبي ذر وقالوا ( إنما هو المتك ساكنة التاء) مخففة وساكنة نصب ( وإنما المتك) المخفف ( طرف البظر) بفتح الموحدة وسكون المعجمة وهو موضع الختان من المرأة ( ومن ذلك) اللفظ ( قيل لها) أي للمرأة ( متكاء وابن المتكاء) بفتح الميم والتخفيف والمد فيهما وهي التي لم تختن ويقال البظراء أيضًا ( فإن كان ثمّ) بفتح المثلثة أي هناك ( أترج) بتشديد الجيم ( فإنه) كان ( بعد المتكأ) وقيل المتكأ طعام يحز حزًّا، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد: متكأ طعامًا سماه متكأ لأن أهل الطعام إذا جلسوا يتكئون على الوسائد فسمي الطعام متكأ على الاستعارة، وقيل المتكأ طعام يحتاج إلى أن يقطع بالسكين لأنه متى كان كذلك احتاج الإنسان إلى أن يتكئ عليه عند القطع وقد علم مما مرّ أن المتك المخفف يكون بمعنى الأترج وطرف البظر وأن المشدد ما يتكأ عليه من وسادة وحينئذ فلا تعارض بين النقلين
كما لا يخفى وكان الأولى سياق قوله والمتكأ ما اتكأت عليه عقب قوله متكا كل شيء قطع بالسكين ويشبه أن يكون من ناسخ كغيره مما يقع غير مرتب.

وقوله: ( { قد} { شغفها} ) [يوسف: 35] ( يقال بلغ إلى شغافها) قال السفاقسي بكسر الشين المعجمة ضبطه المحدثون في كتب اللغة بفتحها، وسقط لفظ ( إلى) لأبي ذر وثبت له بلغ ( وهو غلاف قلبها) وهو جلدة رقيقة، وزاد القاضي كغيره حتى وصل إلى فؤادها حبًا وقال غيره: أحاط بقلبها مثل إحاطة الشغاف بالقلب يعني أن اشتغالها بحبه صار حجابًا بينها وبين كل ما سوى هذه المحبة فلا يخطر ببالها سواه.
( وأما شعفها) بالعين المهملة وهي قراءة الحسن وابن محيصن ( فمن المشعوف) وهو الذي أحرق قلبه الحب وهو من شعف البعير إذا هنأه أي طلاه بالقطران فأحرقه، وقد كشف أبو عبيد عن هذا المعنى فقال: الشعف بالمهملة إحراق الحب القلب مع لذة يجدها كما أن البعير إذا طلي بالقطران بلغ منه مثل ذلك ثم يسترجع إليه.

وقوله: ( { أصب} { إليهن} ) أي ( أميل) إلى إجابتهن زاد أبو ذر صبا مال.

وقوله: ( { أضغاث أحلام} ) هي ( ما لا تأويل له) وقال قتادة فيما رواه عبد الرزاق هي الأحلام الكاذبة وسقط لأبي ذر أحلام ( والضغث) بكسر الضاد وسكون الغين المعجمتين وسقط الواو من قوله والضعث لأبي ذر ( ملء اليد من حشيش وما أشبهه) جنسًا واحدًا أو أجناسًا مختلطة وخصه في الكشاف بما جمع من أخلاط النبات فقال وأصل الأضغاث ما جمع من أخلاط النبات، وحزم فاستعيرت لذلك أي استعيرت الأضغاث للتخاليط والأباطيل والجامع الاختلاط من غير تمييز بين جيد ورديء والإضافة في أضغاث أحلام بمعنى من التقدير أضغاث من أحلام ( ومنه) : { وخذ بيدك ضغثًا} [ص: 44] مما هو ملء الكف من الحشيش وهو من جنس واحد روي أنه أخذ عثكالاً من نخلة ( لا من قوله) { أضغاث أحلام} [يوسف: 44] الذي هو بمعنى لا تأويل له ( واحدها) أي الأضغاث ( ضغث) .

وقوله: ( { نمير} ) يريد قوله: { هذه بضاعتنا ردّت إلينا ونمير أهلنا} [يوسف: 65] ( من الميرة) بكسر الميم وهي الطعام أي نجلب إلى أهلينا الطعام ( { ونزداد كيل بعير} ) أي ( ما يحمل بعير) بسبب حضور أخينا لأنه كان يكيل لكل رجل حمل بعير وقال مجاهد فيما رواه الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه كيل بعير أي كيل حمار وأيّده ابن خالويه بأن إخوة يوسف كانوا بأرض كنعان ولم يكن بها إبل.
قال ابن عادل: وكونه البعير المعروف أصح.

وقوله: ( { آوى إليه} ) أي ( ضم إليه) أخاه بنيامين على الطعام أو إلى المنزل روي أنه أجلس كل اثنين على مائدة فبقي بنيامين وحده فقال لو كان أخي يوسف حيًّا لأجلست معه؟ فقال يوسف: بقي أخوكم وحيدًا فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكله فلما كان الليل أمر أن ينزل كل اثنين منهم بيتًا وقال هذا لا ثاني له آخذه معي فآواه إليه.

( السقاية) يريد قوله: { فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية} [يوسف: 70] ( مكيال) إناء كان يوسف عليه الصلاة والسلام يشرب به فجعله مكيالاً لئلا يكتالوا بغيره فيظلموا.

قوله: فلما ( { استيأسوا} ) [يوسف: 80] أي ( يئسوا) من يوسف وإجابته إياهم وزيادة السين والتاء للمبالغة.

قوله: { ولا تيأسوا من روح الله} [يوسف: 87] ( معناه الرجاء) وروح الله تعالى بفتح الراء رحمته وتنفيسه وعن قتادة من فضل الله وقيل من فرج الله.

وقوله: ( { خلصوا نجيًّا} ) أي ( اعترفوا) وللكشميهني اعتزلوا ( نجيا) وهو الصواب أي انفردوا وليس معهم أخوهم أو خلا بعضهم إلى بعض يتشاورون ولا يخالطهم غيرهم ونجيًا حال من فاعل خلصوا والنجي يستوي فيه المذكر والمؤنث ( والجمع أنجية) بالهمز ( يتناجون الواحد نَجيّ والاثنان والجمع نجيّ) إما لأن النجي فعيل بمعنى مفاعل كالعشير والخليط بمعنى المخال والمعاشر كقوله تعالى: { وقربناه نجيًا} [مريم: 52] أي مناجيًا وهذا في الاستعمال يفرد مطلقًا يقال هم خليطك وعشيرك أي مخالطوك ومعاشروك، وإما لأنه صفة على فعيل بمنزلة صديق وبابه يوحد لأنه بمنزلة المصادر كالصهيل والوخيد، وإما لأنه مصدر بمعنى التناجي كما قيل النجوى بمعناه قال تعالى: { وإذ هم نجوى} [الإسراء: 47] وحينئذٍ فيكون فيه التأويلات المذكورة في عدل وبابه ( و) قد يجمع فيقال: ( أنجية) بالهمزة كما مرّ قال:
إني إذا ما القوم كانوا أنجية
وقال لبيد:
وشهدت أنجية الافاقة عاليًا ... كعبي وأرداف الملوك شهود
وكان من حقه إذا جعل وصفًا أن يجمع على أفعلاء كغني وأغنياء وشقي وأشقياء.
وقال البغوي النجي يصلح للجماعة كما قال وقربناه نجيًا، وإنما جاز للواحد والجمع لأنه مصدر جعل نعتًا كالعدل ومثله النجوى يكون اسمًا ومصدرًا قال تعالى: { وإذ هم نجوى} أي متناجون وقال: ما يكون من نجوى ثلاثة.
وقال في المصدر إنما النجوى من الشيطان.
قال في المفاتيح: وأحسن الوجوه أن يقال: إنهم تمحضوا تناجيًا لأن من كمل حصول أمر من الأمور فيه وصف بأنه صار عين ذلك الشيء، فلما أخذوا في التناجي إلى غاية الجد صاروا كأنهم في أنفسهم نفس التناجي وحقيقته وسقط من قوله: استيأسوا يئسوا الخ في رواية أبي ذر عن الحموي وثبت له عن الكشميهني والمستملي.

وقوله تعالى: { تالله} ( { تفتأ} ) بالألف صورة الهمزة ولأبي ذر: تفتئوا بالواو وهو جواب القسم على حذف لا وهي ناقصة بمعنى ( تزال) ومنه قول الشاعر:
تالله يبقى على الأيام ذو حيد ... بمشمخر به الظيان والآس
أي لا يبقى.
وقوله:
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا
ويدل على حذفها أنه لو كان مثبتًا لاقترن بلام الابتداء ونون التوكيد عند البصريين أو بأحدهما عند الكوفيين وتقول: والله أحبك تريد لا أحبك وهو من التورية فإن كثيرًا من الناس يتبادر ذهنه إلى إثبات المحبة.

وقوله: { حتى تكون} ( { حرضًا} ) أي ( محرضًا) بضم الميم وفتح الراء ( يذيبك الهم) والمعنى لا تزال تذكر يوسف بالحزن والبكاء عليه حتى تموت من الهم والحرض في الأصل مصدر ولذلك لا يثنى ولا يجمع تقول هو حرض وهم حرض وهي حرض وهن حرض.

( { تحسسوا} ) يريد قوله تعالى: { يا بني اذهبوا فتحسسوا} [يوسف: 87] أي ( تخبروا) خبرًا من أخبار يوسف وأخيه والتحسس طلب الشيء بالحاسة.

( { مزجاة} ) بالرفع لأبي ذر ولغيره مزجاة بالجر حكاية قوله: { وجئنا ببضاعة مزجاة} [يوسف: 88] أي ( قليلة) بالرفع لأبي ذر ولغيره قليلة بالجر وقيل رديئة وقوله تعالى: { أفأمنوا أن تأتيهم} ( { غاشية} ) ( من عذاب الله) أي عقوبة ( عامة مجللة) بفتح الجيم وكسر اللام الأولى مشددة من جلل الشيء إذا عمه صفة لغاشية.


باب إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلاَمِ

[ قــ :1 ... غــ : 1 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».
[الحديث 1 - طرفاه في: 8، 636] .


هذا ( باب) بالتنوين، وهو عند الأصيلي ساقط في فرع اليونينية كهي، ( إطعام الطعام) من سغب ( من الإسلام) وللأصيلي في نسخة من الإيمان أي من خصاله.
وبالسند المذكور أوّل هذا الكتاب إلى البخاري قال: ( حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء الضمومة آخره معجمة الحرّاني البصري نزيل مصر المتوفى بها سنة تسع وعشرين ومائتين، ( قال حدّثنا الليث) بالمثلثة ابن سعد الفهمي وفهم من قيس عيلان المصري الإمام الجليل المشهور القلقشندي المولد الحنفي المذهب فيما قاله ابن خلكان، والمشهور أنه كان مجتهدًا المتوفى يوم الجمعة نصف شعبان سنة خمس وسبعين ومائة، ( عن يزيد) أبي رجاء بن أبي حبيب المصري التابعي الجليل مفتي مصر المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائة، ( عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة ابن عبد الله اليزني نسبة إلى ذي يزن المصري المتوفى سنة تسعين، ( عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص ( رضي الله عنهما أن رجلاً) قال صاحب الفتح لم أعرف اسمه وقد قيل إنه أبو ذر ( سأل النبي) وفي رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي) خصال ( الإسلام خير قال) وفي رواية أبوي ذر والوقت فقال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( تطعم) الخلق ( الطعام) تطعم في محل رفع خبر مبتدأ محذوف بتقدير أن أي هو أن تطعم الطعام فأن مصدرية والتقدير هو إطعام الطعام ولم يقل توكل الطعام ونحوه، لأن لفظ الإطعام يشمل الأكل والشرب والذواق والضيافة والإعطاء وغير ذلك ( وتقرأ) بفتح التاء وضم الهمزة مضارع قرأ ( السلام على من عرفت ومن لم تعرف) من المسلمين، فلا تخص به أحدًا تكبرًا وتجبرًا بل عمّ به كل أحد لأن المؤمنين كلهم إخوة وحذف العائد في الوضعين للعلم به والتقدير على من عرفته ولم يقل وتسلم حتى يتناول سلام الباعث بالكتاب المتضمن للسلام.
وفي هاتين الخصلتين الجمع بين نوعي المكارم المالية والبدنية: الطعام والسلام.

وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة وكل رواته مصريون وهذا من الغرائب، ورواته كلهم أئمة أجلاء.
وأخرجه المؤلف أيضًا في باب الإيمان بعد هذا الباب بأبواب، وفي الاستئذان ومسلم في الإيمان والنسائي فيه أيضًا وأبو داود في الأدب وابن ماجة في الأطعمة.



[ قــ :1 ... غــ : 1 ]
- سورة يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلاَمُ
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .

     وَقَالَ  فُضَيْلٌ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا الأُتْرُجُّ، قَالَ فُضَيْلٌ: الأُتْرُجُّ بِالْحَبَشِيَّةِ: مُتْكًا،.

     وَقَالَ  ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا الأُتْرُجُّ، بِالْحَبَشِيَّةِ: مُتْكًا، كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ،.

     وَقَالَ  قَتَادَةُ: لَذُو عِلْمٍ عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ،.

     وَقَالَ  ابْنُ جُبَيْرٍ: صُوَاعٌ مَكُّوكُ الْفَارِسِيِّ الَّذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأَعَاجِمُ،.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: تُفَنِّدُونِ تُجَهِّلُونِ،.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: غَيَابَةٌ كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهْوَ غَيَابَةٌ، وَالْجُبُّ الرَّكِيَّةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ، بِمُؤْمِنٍ لَنَا: بِمُصَدِّقٍ، أَشُدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّقْصَانِ يُقَالُ: بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ: وَاحِدُهَا شَدٌّ.
وَالْمُتَّكَأُ مَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ وَأَبْطَلَ الَّذِي قَالَ الأُتْرُجُّ: وَلَيْسَ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ الأُتْرُجُّ فَلَمَّا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ الْمُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ فَرُّوا إِلَى شَرٍّ مِنْهُ فَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ الْمُتْكُ سَاكِنَةَ التَّاءِ وَإِنَّمَا الْمُتْكُ طَرَفُ الْبَظْرِ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهَا: مَتْكَاءُ وَابْنُ الْمَتْكَاءِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أُتْرُجٌّ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْمُتَّكَإِ، شَغَفَهَا يُقَالُ: بَلَغَ إِلَى شِغَافِهَا وَهْوَ غِلاَفُ قَلْبِهَا.
وَأَمَّا شَعَفَهَا: فَمِنَ الْمَشْعُوفِ، أَصْبُ: أَمِيلُ، أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ: مَا لاَ تَأْوِيلَ لَهُ، وَالضِّغْثُ: مِلْءُ الْيَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أَشْبَهَهُ وَمِنْهُ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا لاَ مِنْ قَوْلِهِ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَاحِدُهَا: ضِغْثٌ، نَمِيرُ: مِنَ الْمِيرَةِ.
وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ: مَا يَحْمِلُ بَعِيرٌ، آوَى إِلَيْهِ: ضَمَّ إِلَيْهِ، السِّقَايَةُ: مِكْيَالٌ.
اسْتَيْأَسُوا: يَئِسُوا.
وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ: مَعْنَاهُ الرَّجَاءُ، خَلَصُوا نَجِيًّا: اعْتَرَفُوا نَجِيًّا وَالجَمْعُ أَنْجِيَةٌ يَتَنَاجُونَ الوَاحِدُ نَجِيٌّ وَالاثْنَانِ وَالجَمْعُ نَجِيٌّ وَأَنْجِيَةٌ: تَفْتَأُ لاَ تَزَالُ { حَرَضًا} مُحْرَضًا يُذِيبُكَ الْهَمُّ { تَحَسَّسُوا} تَخَبَّرُوا { مُزْجَاةٍ} قَلِيلَةٍ { غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} عَامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ.

( [1] سورة يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلاَمُ)
مكية وهي مائة إحدى عشرة آية.

( بسم الله الرحمن الرحيم) كذا لأبي ذر وسقطت لغيره.

( وقال فضيل) : بضم الفاء وفتح المعجمة ابن عياض بن موسى الزاهد المتوفى بمكة سنة سبع وثمانين ومائة مما وصله ابن المنذر ومسدد في مسنده ( عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي ( عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر ( متكأ) بضم الميم وسكون الفوقية وتنوين الكاف من غير همز وهي قراءة ابن عباس وابن عمر ومجاهد وقتادة والجحدري ( الأترج) بضم
الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء وتشديد الجيم، ولأبي ذر الأترنج بزيادة نون بعد الراء وتخفيف الجيم لغتان وأنشدوا:
فأهدت متكة لبني أبيها ... تخب بها العثمثمة الوقاح
والعثمثمة من النوق الشديدة والذكر عثمثم الأسد والوقاح بالواو المفتوحة والقاف الناقة الصلبة ( قال فضيل) : هو ابن عياض فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق يحيى بن يمان عنه ( الأترج) أي بتشديد الجيم وسقط لأبي ذر قال فضيل: الأترج ( بـ) ـاللغة ( الحبشية متكًا) بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف من غير همز.

( وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله في مسنده ( عن رجل) لم يسم ( عن مجاهد متكًا) بسكون التاء من غير همز كالسابق ( كل شيء) ولأبي ذر قال كل شيء ( قطع بالسكين) كالأترج وغيره من الفواكه وأنشدوا:
نشرب الإثم بالصواع جهارًا ... ونرى المتك بيننا مستعارا
قيل: وهو من متك بمعنى بتك الشيء أي قطعه، فعلى هذا يحتمل أن تكون الميم بدلاً من الباء وهو بدل مطرد في لغة قوم، ويحتمل أن تكون مادة أخرى وافقت هذه.

( وقال قتادة) في قوله تعالى: { وإنه} ( { لذو علم} ) [يوسف: 68] وزاد أبو ذر: لما علمناه أي ( عامل بما علم) وصله ابن أبي حاتم والضمير في وأنه ليعقوب كما يرشد إليه قوله: { إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} .

( وقال ابن جبير) : فيما رواه ابن منده وابن مردويه ولأبي ذر سعيد بن جبير ( { صواع} ) ولأبي ذر: صواع الملك ( مكوك الفارسي) بفتح الميم وتشديد الكاف الأولى مضمومة مكيال معروف لأهل العراق وهو ( الذي يلتقي طرفاه كانت تشرب به الأعاجم) وكان من فضة وزاد ابن إسحاق مرصعًا بالجواهر كان يسقى به الملك ثم جعل صاعًا يكال به.

( وقال ابن عباس) : في قوله: { لولا أن} ( { تفندون} ) أي ( تجهلون) وقال الضحاك: تهرمون فتقولون شيخ كبير قد ذهب عقله.
وعند ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: { ولما فصلت العير} [يوسف: 94] لما خرجت العير هاجت ريح فأتت يعقوب بريح يوسف فقال: { إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون} قال لولا أن تسفهون قال: فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيام.

( وقال غيره) : أي غير ابن عباس في قوله تعالى: { وألقوه في غيابة الجب} [يوسف: 10] ( غيابة) بالرفع ( كل شيء) مبتدأ وفي نسخة غيابة بالجر والذي في اليونينية غيابة بالرفع وبالفتح ( غيب عنك شيئًا) في محل جر صفة لشيء وشيئًا مفعول غيب ( فهو غيابة) خبر المبتدأ أو المبتدأ إذا
تضمن معنى الشرط تدخل الفاء في خبره ( والجب) بالجيم ( الركية التي لم تطو) قاله أبو عبيدة وسمي به لكونه محفورًا في جبوب الأرض أي ما غلظ منها والغيابة قال الهروي شبه طاق في البئر فويق الماء يغيب ما فيه من العيون.
وقال الكلبي: تكون في قعر الجب لأن أسفله واسع ورأسه ضيق فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه، والألف واللام في الجب للعهد فقيل: هو جب بيت المقدس، وقيل بأرض الأردن، وقيل على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب.

وقوله: { وما أنت} ( { بمؤمن لنا} ) أي ( بمصدق) لسوء ظنك بنا.

وقوله تعالى: { ولما بلغ} ( { أشدّه} ) [يوسف: ] أي ( قبل أن يأخذ في النقصان) وهو ما بين الثلاثين والأربعين وقيل في سن الشباب ومبدؤه قبل بلوغ الحلم ( يقال: بلغ أشدّه وبلغوا أشدّهم) أي فيكون أشد في المفرد والجمع بلفظ واحد ( وقال بعضهم: واحدها) أي الأشد ( شد) بفتح الشين من غير همزة وهو قول سيبويه والكسائي.

( والمتكأ) بتشديد الفوقية وبعد الكاف همزة على قراءة الجمهور اسم مفعول ( ما اتكأت عليه لشراب أو لحديث أو لطعام) أي لأجل شراب الخ.
( وأبطل) قول ( الذي قال) : إن المتكأ هو ( الأترج) بتشديد الجيم للإدغام، ولأبي ذر الأترنج بالنون للفك.
( وليس في كلام العرب الأترج) أي ليس مفسرًا في كلامهم به وهذا أخذه من كلام أبي عبيدة ولفظه وزعم قوم أنه الترنج وهذا أبطل باطل في الأرض اهـ.

وتعقب بما في المحكم حيث قال: المتكأ الأترنج، ونقله الجوهري في صحاحه عن الأخفش، وقال أبو حنيفة الدينوري: بالضم الأترنج وبالفتح السوسن، وعن أبي علي القالي وابن فارس في مجمله نحوه، وعند عبد بن حميد أن ابن عباس كان يقرأ متكأ مخففة ويقول هو الأترج.

( فلما احتج عليهم) بضم التاء أي على القائلين بأنه الأترج، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيما احتج بالمثناة التحتية بدل اللام ( بأنه) ولأبي ذر: بأن ( المتكأ) بالتشديد والهمزة ( من نمارق) يعني وسائد ( فرّوا إلى شرّ منه فقالوا) بالفاء ولأبي ذر وقالوا ( إنما هو المتك ساكنة التاء) مخففة وساكنة نصب ( وإنما المتك) المخفف ( طرف البظر) بفتح الموحدة وسكون المعجمة وهو موضع الختان من المرأة ( ومن ذلك) اللفظ ( قيل لها) أي للمرأة ( متكاء وابن المتكاء) بفتح الميم والتخفيف والمد فيهما وهي التي لم تختن ويقال البظراء أيضًا ( فإن كان ثمّ) بفتح المثلثة أي هناك ( أترج) بتشديد الجيم ( فإنه) كان ( بعد المتكأ) وقيل المتكأ طعام يحز حزًّا، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد: متكأ طعامًا سماه متكأ لأن أهل الطعام إذا جلسوا يتكئون على الوسائد فسمي الطعام متكأ على الاستعارة، وقيل المتكأ طعام يحتاج إلى أن يقطع بالسكين لأنه متى كان كذلك احتاج الإنسان إلى أن يتكئ عليه عند القطع وقد علم مما مرّ أن المتك المخفف يكون بمعنى الأترج وطرف البظر وأن المشدد ما يتكأ عليه من وسادة وحينئذ فلا تعارض بين النقلين
كما لا يخفى وكان الأولى سياق قوله والمتكأ ما اتكأت عليه عقب قوله متكا كل شيء قطع بالسكين ويشبه أن يكون من ناسخ كغيره مما يقع غير مرتب.

وقوله: ( { قد} { شغفها} ) [يوسف: 35] ( يقال بلغ إلى شغافها) قال السفاقسي بكسر الشين المعجمة ضبطه المحدثون في كتب اللغة بفتحها، وسقط لفظ ( إلى) لأبي ذر وثبت له بلغ ( وهو غلاف قلبها) وهو جلدة رقيقة، وزاد القاضي كغيره حتى وصل إلى فؤادها حبًا وقال غيره: أحاط بقلبها مثل إحاطة الشغاف بالقلب يعني أن اشتغالها بحبه صار حجابًا بينها وبين كل ما سوى هذه المحبة فلا يخطر ببالها سواه.
( وأما شعفها) بالعين المهملة وهي قراءة الحسن وابن محيصن ( فمن المشعوف) وهو الذي أحرق قلبه الحب وهو من شعف البعير إذا هنأه أي طلاه بالقطران فأحرقه، وقد كشف أبو عبيد عن هذا المعنى فقال: الشعف بالمهملة إحراق الحب القلب مع لذة يجدها كما أن البعير إذا طلي بالقطران بلغ منه مثل ذلك ثم يسترجع إليه.

وقوله: ( { أصب} { إليهن} ) أي ( أميل) إلى إجابتهن زاد أبو ذر صبا مال.

وقوله: ( { أضغاث أحلام} ) هي ( ما لا تأويل له) وقال قتادة فيما رواه عبد الرزاق هي الأحلام الكاذبة وسقط لأبي ذر أحلام ( والضغث) بكسر الضاد وسكون الغين المعجمتين وسقط الواو من قوله والضعث لأبي ذر ( ملء اليد من حشيش وما أشبهه) جنسًا واحدًا أو أجناسًا مختلطة وخصه في الكشاف بما جمع من أخلاط النبات فقال وأصل الأضغاث ما جمع من أخلاط النبات، وحزم فاستعيرت لذلك أي استعيرت الأضغاث للتخاليط والأباطيل والجامع الاختلاط من غير تمييز بين جيد ورديء والإضافة في أضغاث أحلام بمعنى من التقدير أضغاث من أحلام ( ومنه) : { وخذ بيدك ضغثًا} [ص: 44] مما هو ملء الكف من الحشيش وهو من جنس واحد روي أنه أخذ عثكالاً من نخلة ( لا من قوله) { أضغاث أحلام} [يوسف: 44] الذي هو بمعنى لا تأويل له ( واحدها) أي الأضغاث ( ضغث) .

وقوله: ( { نمير} ) يريد قوله: { هذه بضاعتنا ردّت إلينا ونمير أهلنا} [يوسف: 65] ( من الميرة) بكسر الميم وهي الطعام أي نجلب إلى أهلينا الطعام ( { ونزداد كيل بعير} ) أي ( ما يحمل بعير) بسبب حضور أخينا لأنه كان يكيل لكل رجل حمل بعير وقال مجاهد فيما رواه الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه كيل بعير أي كيل حمار وأيّده ابن خالويه بأن إخوة يوسف كانوا بأرض كنعان ولم يكن بها إبل.
قال ابن عادل: وكونه البعير المعروف أصح.

وقوله: ( { آوى إليه} ) أي ( ضم إليه) أخاه بنيامين على الطعام أو إلى المنزل روي أنه أجلس كل اثنين على مائدة فبقي بنيامين وحده فقال لو كان أخي يوسف حيًّا لأجلست معه؟ فقال يوسف: بقي أخوكم وحيدًا فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكله فلما كان الليل أمر أن ينزل كل اثنين منهم بيتًا وقال هذا لا ثاني له آخذه معي فآواه إليه.

( السقاية) يريد قوله: { فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية} [يوسف: 70] ( مكيال) إناء كان يوسف عليه الصلاة والسلام يشرب به فجعله مكيالاً لئلا يكتالوا بغيره فيظلموا.

قوله: فلما ( { استيأسوا} ) [يوسف: 80] أي ( يئسوا) من يوسف وإجابته إياهم وزيادة السين والتاء للمبالغة.

قوله: { ولا تيأسوا من روح الله} [يوسف: 87] ( معناه الرجاء) وروح الله تعالى بفتح الراء رحمته وتنفيسه وعن قتادة من فضل الله وقيل من فرج الله.

وقوله: ( { خلصوا نجيًّا} ) أي ( اعترفوا) وللكشميهني اعتزلوا ( نجيا) وهو الصواب أي انفردوا وليس معهم أخوهم أو خلا بعضهم إلى بعض يتشاورون ولا يخالطهم غيرهم ونجيًا حال من فاعل خلصوا والنجي يستوي فيه المذكر والمؤنث ( والجمع أنجية) بالهمز ( يتناجون الواحد نَجيّ والاثنان والجمع نجيّ) إما لأن النجي فعيل بمعنى مفاعل كالعشير والخليط بمعنى المخال والمعاشر كقوله تعالى: { وقربناه نجيًا} [مريم: 5] أي مناجيًا وهذا في الاستعمال يفرد مطلقًا يقال هم خليطك وعشيرك أي مخالطوك ومعاشروك، وإما لأنه صفة على فعيل بمنزلة صديق وبابه يوحد لأنه بمنزلة المصادر كالصهيل والوخيد، وإما لأنه مصدر بمعنى التناجي كما قيل النجوى بمعناه قال تعالى: { وإذ هم نجوى} [الإسراء: 47] وحينئذٍ فيكون فيه التأويلات المذكورة في عدل وبابه ( و) قد يجمع فيقال: ( أنجية) بالهمزة كما مرّ قال:
إني إذا ما القوم كانوا أنجية
وقال لبيد:
وشهدت أنجية الافاقة عاليًا ... كعبي وأرداف الملوك شهود
وكان من حقه إذا جعل وصفًا أن يجمع على أفعلاء كغني وأغنياء وشقي وأشقياء.
وقال البغوي النجي يصلح للجماعة كما قال وقربناه نجيًا، وإنما جاز للواحد والجمع لأنه مصدر جعل نعتًا كالعدل ومثله النجوى يكون اسمًا ومصدرًا قال تعالى: { وإذ هم نجوى} أي متناجون وقال: ما يكون من نجوى ثلاثة.
وقال في المصدر إنما النجوى من الشيطان.
قال في المفاتيح: وأحسن الوجوه أن يقال: إنهم تمحضوا تناجيًا لأن من كمل حصول أمر من الأمور فيه وصف بأنه صار عين ذلك الشيء، فلما أخذوا في التناجي إلى غاية الجد صاروا كأنهم في أنفسهم نفس التناجي وحقيقته وسقط من قوله: استيأسوا يئسوا الخ في رواية أبي ذر عن الحموي وثبت له عن الكشميهني والمستملي.

وقوله تعالى: { تالله} ( { تفتأ} ) بالألف صورة الهمزة ولأبي ذر: تفتئوا بالواو وهو جواب القسم على حذف لا وهي ناقصة بمعنى ( تزال) ومنه قول الشاعر:
تالله يبقى على الأيام ذو حيد ... بمشمخر به الظيان والآس
أي لا يبقى.
وقوله:
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا
ويدل على حذفها أنه لو كان مثبتًا لاقترن بلام الابتداء ونون التوكيد عند البصريين أو بأحدهما عند الكوفيين وتقول: والله أحبك تريد لا أحبك وهو من التورية فإن كثيرًا من الناس يتبادر ذهنه إلى إثبات المحبة.

وقوله: { حتى تكون} ( { حرضًا} ) أي ( محرضًا) بضم الميم وفتح الراء ( يذيبك الهم) والمعنى لا تزال تذكر يوسف بالحزن والبكاء عليه حتى تموت من الهم والحرض في الأصل مصدر ولذلك لا يثنى ولا يجمع تقول هو حرض وهم حرض وهي حرض وهن حرض.

( { تحسسوا} ) يريد قوله تعالى: { يا بني اذهبوا فتحسسوا} [يوسف: 87] أي ( تخبروا) خبرًا من أخبار يوسف وأخيه والتحسس طلب الشيء بالحاسة.

( { مزجاة} ) بالرفع لأبي ذر ولغيره مزجاة بالجر حكاية قوله: { وجئنا ببضاعة مزجاة} [يوسف: 88] أي ( قليلة) بالرفع لأبي ذر ولغيره قليلة بالجر وقيل رديئة وقوله تعالى: { أفأمنوا أن تأتيهم} ( { غاشية} ) ( من عذاب الله) أي عقوبة ( عامة مجللة) بفتح الجيم وكسر اللام الأولى مشددة من جلل الشيء إذا عمه صفة لغاشية.



[ قــ :1 ... غــ : 1 ]
- سورة يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلاَمُ
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .

     وَقَالَ  فُضَيْلٌ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا الأُتْرُجُّ، قَالَ فُضَيْلٌ: الأُتْرُجُّ بِالْحَبَشِيَّةِ: مُتْكًا،.

     وَقَالَ  ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا الأُتْرُجُّ، بِالْحَبَشِيَّةِ: مُتْكًا، كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ،.

     وَقَالَ  قَتَادَةُ: لَذُو عِلْمٍ عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ،.

     وَقَالَ  ابْنُ جُبَيْرٍ: صُوَاعٌ مَكُّوكُ الْفَارِسِيِّ الَّذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأَعَاجِمُ،.

     وَقَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ: تُفَنِّدُونِ تُجَهِّلُونِ،.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ: غَيَابَةٌ كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهْوَ غَيَابَةٌ، وَالْجُبُّ الرَّكِيَّةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ، بِمُؤْمِنٍ لَنَا: بِمُصَدِّقٍ، أَشُدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّقْصَانِ يُقَالُ: بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ: وَاحِدُهَا شَدٌّ.
وَالْمُتَّكَأُ مَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ وَأَبْطَلَ الَّذِي قَالَ الأُتْرُجُّ: وَلَيْسَ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ الأُتْرُجُّ فَلَمَّا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ الْمُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ فَرُّوا إِلَى شَرٍّ مِنْهُ فَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ الْمُتْكُ سَاكِنَةَ التَّاءِ وَإِنَّمَا الْمُتْكُ طَرَفُ الْبَظْرِ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهَا: مَتْكَاءُ وَابْنُ الْمَتْكَاءِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أُتْرُجٌّ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْمُتَّكَإِ، شَغَفَهَا يُقَالُ: بَلَغَ إِلَى شِغَافِهَا وَهْوَ غِلاَفُ قَلْبِهَا.
وَأَمَّا شَعَفَهَا: فَمِنَ الْمَشْعُوفِ، أَصْبُ: أَمِيلُ، أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ: مَا لاَ تَأْوِيلَ لَهُ، وَالضِّغْثُ: مِلْءُ الْيَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أَشْبَهَهُ وَمِنْهُ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا لاَ مِنْ قَوْلِهِ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَاحِدُهَا: ضِغْثٌ، نَمِيرُ: مِنَ الْمِيرَةِ.
وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ: مَا يَحْمِلُ بَعِيرٌ، آوَى إِلَيْهِ: ضَمَّ إِلَيْهِ، السِّقَايَةُ: مِكْيَالٌ.
اسْتَيْأَسُوا: يَئِسُوا.
وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ: مَعْنَاهُ الرَّجَاءُ، خَلَصُوا نَجِيًّا: اعْتَرَفُوا نَجِيًّا وَالجَمْعُ أَنْجِيَةٌ يَتَنَاجُونَ الوَاحِدُ نَجِيٌّ وَالاثْنَانِ وَالجَمْعُ نَجِيٌّ وَأَنْجِيَةٌ: تَفْتَأُ لاَ تَزَالُ { حَرَضًا} مُحْرَضًا يُذِيبُكَ الْهَمُّ { تَحَسَّسُوا} تَخَبَّرُوا { مُزْجَاةٍ} قَلِيلَةٍ { غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} عَامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ.

( [1] سورة يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلاَمُ)
مكية وهي مائة إحدى عشرة آية.

( بسم الله الرحمن الرحيم) كذا لأبي ذر وسقطت لغيره.

( وقال فضيل) : بضم الفاء وفتح المعجمة ابن عياض بن موسى الزاهد المتوفى بمكة سنة سبع وثمانين ومائة مما وصله ابن المنذر ومسدد في مسنده ( عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي ( عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر ( متكأ) بضم الميم وسكون الفوقية وتنوين الكاف من غير همز وهي قراءة ابن عباس وابن عمر ومجاهد وقتادة والجحدري ( الأترج) بضم
الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء وتشديد الجيم، ولأبي ذر الأترنج بزيادة نون بعد الراء وتخفيف الجيم لغتان وأنشدوا:
فأهدت متكة لبني أبيها ... تخب بها العثمثمة الوقاح
والعثمثمة من النوق الشديدة والذكر عثمثم الأسد والوقاح بالواو المفتوحة والقاف الناقة الصلبة ( قال فضيل) : هو ابن عياض فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق يحيى بن يمان عنه ( الأترج) أي بتشديد الجيم وسقط لأبي ذر قال فضيل: الأترج ( بـ) ـاللغة ( الحبشية متكًا) بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف من غير همز.

( وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله في مسنده ( عن رجل) لم يسم ( عن مجاهد متكًا) بسكون التاء من غير همز كالسابق ( كل شيء) ولأبي ذر قال كل شيء ( قطع بالسكين) كالأترج وغيره من الفواكه وأنشدوا:
نشرب الإثم بالصواع جهارًا ... ونرى المتك بيننا مستعارا
قيل: وهو من متك بمعنى بتك الشيء أي قطعه، فعلى هذا يحتمل أن تكون الميم بدلاً من الباء وهو بدل مطرد في لغة قوم، ويحتمل أن تكون مادة أخرى وافقت هذه.

( وقال قتادة) في قوله تعالى: { وإنه} ( { لذو علم} ) [يوسف: 68] وزاد أبو ذر: لما علمناه أي ( عامل بما علم) وصله ابن أبي حاتم والضمير في وأنه ليعقوب كما يرشد إليه قوله: { إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها} .

( وقال ابن جبير) : فيما رواه ابن منده وابن مردويه ولأبي ذر سعيد بن جبير ( { صواع} ) ولأبي ذر: صواع الملك ( مكوك الفارسي) بفتح الميم وتشديد الكاف الأولى مضمومة مكيال معروف لأهل العراق وهو ( الذي يلتقي طرفاه كانت تشرب به الأعاجم) وكان من فضة وزاد ابن إسحاق مرصعًا بالجواهر كان يسقى به الملك ثم جعل صاعًا يكال به.

( وقال ابن عباس) : في قوله: { لولا أن} ( { تفندون} ) أي ( تجهلون) وقال الضحاك: تهرمون فتقولون شيخ كبير قد ذهب عقله.
وعند ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: { ولما فصلت العير} [يوسف: 94] لما خرجت العير هاجت ريح فأتت يعقوب بريح يوسف فقال: { إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون} قال لولا أن تسفهون قال: فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيام.

( وقال غيره) : أي غير ابن عباس في قوله تعالى: { وألقوه في غيابة الجب} [يوسف: 10] ( غيابة) بالرفع ( كل شيء) مبتدأ وفي نسخة غيابة بالجر والذي في اليونينية غيابة بالرفع وبالفتح ( غيب عنك شيئًا) في محل جر صفة لشيء وشيئًا مفعول غيب ( فهو غيابة) خبر المبتدأ أو المبتدأ إذا
تضمن معنى الشرط تدخل الفاء في خبره ( والجب) بالجيم ( الركية التي لم تطو) قاله أبو عبيدة وسمي به لكونه محفورًا في جبوب الأرض أي ما غلظ منها والغيابة قال الهروي شبه طاق في البئر فويق الماء يغيب ما فيه من العيون.
وقال الكلبي: تكون في قعر الجب لأن أسفله واسع ورأسه ضيق فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه، والألف واللام في الجب للعهد فقيل: هو جب بيت المقدس، وقيل بأرض الأردن، وقيل على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب.

وقوله: { وما أنت} ( { بمؤمن لنا} ) أي ( بمصدق) لسوء ظنك بنا.

وقوله تعالى: { ولما بلغ} ( { أشدّه} ) [يوسف: ] أي ( قبل أن يأخذ في النقصان) وهو ما بين الثلاثين والأربعين وقيل في سن الشباب ومبدؤه قبل بلوغ الحلم ( يقال: بلغ أشدّه وبلغوا أشدّهم) أي فيكون أشد في المفرد والجمع بلفظ واحد ( وقال بعضهم: واحدها) أي الأشد ( شد) بفتح الشين من غير همزة وهو قول سيبويه والكسائي.

( والمتكأ) بتشديد الفوقية وبعد الكاف همزة على قراءة الجمهور اسم مفعول ( ما اتكأت عليه لشراب أو لحديث أو لطعام) أي لأجل شراب الخ.
( وأبطل) قول ( الذي قال) : إن المتكأ هو ( الأترج) بتشديد الجيم للإدغام، ولأبي ذر الأترنج بالنون للفك.
( وليس في كلام العرب الأترج) أي ليس مفسرًا في كلامهم به وهذا أخذه من كلام أبي عبيدة ولفظه وزعم قوم أنه الترنج وهذا أبطل باطل في الأرض اهـ.

وتعقب بما في المحكم حيث قال: المتكأ الأترنج، ونقله الجوهري في صحاحه عن الأخفش، وقال أبو حنيفة الدينوري: بالضم الأترنج وبالفتح السوسن، وعن أبي علي القالي وابن فارس في مجمله نحوه، وعند عبد بن حميد أن ابن عباس كان يقرأ متكأ مخففة ويقول هو الأترج.

( فلما احتج عليهم) بضم التاء أي على القائلين بأنه الأترج، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيما احتج بالمثناة التحتية بدل اللام ( بأنه) ولأبي ذر: بأن ( المتكأ) بالتشديد والهمزة ( من نمارق) يعني وسائد ( فرّوا إلى شرّ منه فقالوا) بالفاء ولأبي ذر وقالوا ( إنما هو المتك ساكنة التاء) مخففة وساكنة نصب ( وإنما المتك) المخفف ( طرف البظر) بفتح الموحدة وسكون المعجمة وهو موضع الختان من المرأة ( ومن ذلك) اللفظ ( قيل لها) أي للمرأة ( متكاء وابن المتكاء) بفتح الميم والتخفيف والمد فيهما وهي التي لم تختن ويقال البظراء أيضًا ( فإن كان ثمّ) بفتح المثلثة أي هناك ( أترج) بتشديد الجيم ( فإنه) كان ( بعد المتكأ) وقيل المتكأ طعام يحز حزًّا، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد: متكأ طعامًا سماه متكأ لأن أهل الطعام إذا جلسوا يتكئون على الوسائد فسمي الطعام متكأ على الاستعارة، وقيل المتكأ طعام يحتاج إلى أن يقطع بالسكين لأنه متى كان كذلك احتاج الإنسان إلى أن يتكئ عليه عند القطع وقد علم مما مرّ أن المتك المخفف يكون بمعنى الأترج وطرف البظر وأن المشدد ما يتكأ عليه من وسادة وحينئذ فلا تعارض بين النقلين
كما لا يخفى وكان الأولى سياق قوله والمتكأ ما اتكأت عليه عقب قوله متكا كل شيء قطع بالسكين ويشبه أن يكون من ناسخ كغيره مما يقع غير مرتب.

وقوله: ( { قد} { شغفها} ) [يوسف: 35] ( يقال بلغ إلى شغافها) قال السفاقسي بكسر الشين المعجمة ضبطه المحدثون في كتب اللغة بفتحها، وسقط لفظ ( إلى) لأبي ذر وثبت له بلغ ( وهو غلاف قلبها) وهو جلدة رقيقة، وزاد القاضي كغيره حتى وصل إلى فؤادها حبًا وقال غيره: أحاط بقلبها مثل إحاطة الشغاف بالقلب يعني أن اشتغالها بحبه صار حجابًا بينها وبين كل ما سوى هذه المحبة فلا يخطر ببالها سواه.
( وأما شعفها) بالعين المهملة وهي قراءة الحسن وابن محيصن ( فمن المشعوف) وهو الذي أحرق قلبه الحب وهو من شعف البعير إذا هنأه أي طلاه بالقطران فأحرقه، وقد كشف أبو عبيد عن هذا المعنى فقال: الشعف بالمهملة إحراق الحب القلب مع لذة يجدها كما أن البعير إذا طلي بالقطران بلغ منه مثل ذلك ثم يسترجع إليه.

وقوله: ( { أصب} { إليهن} ) أي ( أميل) إلى إجابتهن زاد أبو ذر صبا مال.

وقوله: ( { أضغاث أحلام} ) هي ( ما لا تأويل له) وقال قتادة فيما رواه عبد الرزاق هي الأحلام الكاذبة وسقط لأبي ذر أحلام ( والضغث) بكسر الضاد وسكون الغين المعجمتين وسقط الواو من قوله والضعث لأبي ذر ( ملء اليد من حشيش وما أشبهه) جنسًا واحدًا أو أجناسًا مختلطة وخصه في الكشاف بما جمع من أخلاط النبات فقال وأصل الأضغاث ما جمع من أخلاط النبات، وحزم فاستعيرت لذلك أي استعيرت الأضغاث للتخاليط والأباطيل والجامع الاختلاط من غير تمييز بين جيد ورديء والإضافة في أضغاث أحلام بمعنى من التقدير أضغاث من أحلام ( ومنه) : { وخذ بيدك ضغثًا} [ص: 44] مما هو ملء الكف من الحشيش وهو من جنس واحد روي أنه أخذ عثكالاً من نخلة ( لا من قوله) { أضغاث أحلام} [يوسف: 44] الذي هو بمعنى لا تأويل له ( واحدها) أي الأضغاث ( ضغث) .

وقوله: ( { نمير} ) يريد قوله: { هذه بضاعتنا ردّت إلينا ونمير أهلنا} [يوسف: 65] ( من الميرة) بكسر الميم وهي الطعام أي نجلب إلى أهلينا الطعام ( { ونزداد كيل بعير} ) أي ( ما يحمل بعير) بسبب حضور أخينا لأنه كان يكيل لكل رجل حمل بعير وقال مجاهد فيما رواه الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه كيل بعير أي كيل حمار وأيّده ابن خالويه بأن إخوة يوسف كانوا بأرض كنعان ولم يكن بها إبل.
قال ابن عادل: وكونه البعير المعروف أصح.

وقوله: ( { آوى إليه} ) أي ( ضم إليه) أخاه بنيامين على الطعام أو إلى المنزل روي أنه أجلس كل اثنين على مائدة فبقي بنيامين وحده فقال لو كان أخي يوسف حيًّا لأجلست معه؟ فقال يوسف: بقي أخوكم وحيدًا فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكله فلما كان الليل أمر أن ينزل كل اثنين منهم بيتًا وقال هذا لا ثاني له آخذه معي فآواه إليه.

( السقاية) يريد قوله: { فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية} [يوسف: 70] ( مكيال) إناء كان يوسف عليه الصلاة والسلام يشرب به فجعله مكيالاً لئلا يكتالوا بغيره فيظلموا.

قوله: فلما ( { استيأسوا} ) [يوسف: 80] أي ( يئسوا) من يوسف وإجابته إياهم وزيادة السين والتاء للمبالغة.

قوله: { ولا تيأسوا من روح الله} [يوسف: 87] ( معناه الرجاء) وروح الله تعالى بفتح الراء رحمته وتنفيسه وعن قتادة من فضل الله وقيل من فرج الله.

وقوله: ( { خلصوا نجيًّا} ) أي ( اعترفوا) وللكشميهني اعتزلوا ( نجيا) وهو الصواب أي انفردوا وليس معهم أخوهم أو خلا بعضهم إلى بعض يتشاورون ولا يخالطهم غيرهم ونجيًا حال من فاعل خلصوا والنجي يستوي فيه المذكر والمؤنث ( والجمع أنجية) بالهمز ( يتناجون الواحد نَجيّ والاثنان والجمع نجيّ) إما لأن النجي فعيل بمعنى مفاعل كالعشير والخليط بمعنى المخال والمعاشر كقوله تعالى: { وقربناه نجيًا} [مريم: 5] أي مناجيًا وهذا في الاستعمال يفرد مطلقًا يقال هم خليطك وعشيرك أي مخالطوك ومعاشروك، وإما لأنه صفة على فعيل بمنزلة صديق وبابه يوحد لأنه بمنزلة المصادر كالصهيل والوخيد، وإما لأنه مصدر بمعنى التناجي كما قيل النجوى بمعناه قال تعالى: { وإذ هم نجوى} [الإسراء: 47] وحينئذٍ فيكون فيه التأويلات المذكورة في عدل وبابه ( و) قد يجمع فيقال: ( أنجية) بالهمزة كما مرّ قال:
إني إذا ما القوم كانوا أنجية
وقال لبيد:
وشهدت أنجية الافاقة عاليًا ... كعبي وأرداف الملوك شهود
وكان من حقه إذا جعل وصفًا أن يجمع على أفعلاء كغني وأغنياء وشقي وأشقياء.
وقال البغوي النجي يصلح للجماعة كما قال وقربناه نجيًا، وإنما جاز للواحد والجمع لأنه مصدر جعل نعتًا كالعدل ومثله النجوى يكون اسمًا ومصدرًا قال تعالى: { وإذ هم نجوى} أي متناجون وقال: ما يكون من نجوى ثلاثة.
وقال في المصدر إنما النجوى من الشيطان.
قال في المفاتيح: وأحسن الوجوه أن يقال: إنهم تمحضوا تناجيًا لأن من كمل حصول أمر من الأمور فيه وصف بأنه صار عين ذلك الشيء، فلما أخذوا في التناجي إلى غاية الجد صاروا كأنهم في أنفسهم نفس التناجي وحقيقته وسقط من قوله: استيأسوا يئسوا الخ في رواية أبي ذر عن الحموي وثبت له عن الكشميهني والمستملي.

وقوله تعالى: { تالله} ( { تفتأ} ) بالألف صورة الهمزة ولأبي ذر: تفتئوا بالواو وهو جواب القسم على حذف لا وهي ناقصة بمعنى ( تزال) ومنه قول الشاعر:
تالله يبقى على الأيام ذو حيد ... بمشمخر به الظيان والآس
أي لا يبقى.
وقوله:
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا
ويدل على حذفها أنه لو كان مثبتًا لاقترن بلام الابتداء ونون التوكيد عند البصريين أو بأحدهما عند الكوفيين وتقول: والله أحبك تريد لا أحبك وهو من التورية فإن كثيرًا من الناس يتبادر ذهنه إلى إثبات المحبة.

وقوله: { حتى تكون} ( { حرضًا} ) أي ( محرضًا) بضم الميم وفتح الراء ( يذيبك الهم) والمعنى لا تزال تذكر يوسف بالحزن والبكاء عليه حتى تموت من الهم والحرض في الأصل مصدر ولذلك لا يثنى ولا يجمع تقول هو حرض وهم حرض وهي حرض وهن حرض.

( { تحسسوا} ) يريد قوله تعالى: { يا بني اذهبوا فتحسسوا} [يوسف: 87] أي ( تخبروا) خبرًا من أخبار يوسف وأخيه والتحسس طلب الشيء بالحاسة.

( { مزجاة} ) بالرفع لأبي ذر ولغيره مزجاة بالجر حكاية قوله: { وجئنا ببضاعة مزجاة} [يوسف: 88] أي ( قليلة) بالرفع لأبي ذر ولغيره قليلة بالجر وقيل رديئة وقوله تعالى: { أفأمنوا أن تأتيهم} ( { غاشية} ) ( من عذاب الله) أي عقوبة ( عامة مجللة) بفتح الجيم وكسر اللام الأولى مشددة من جلل الشيء إذا عمه صفة لغاشية.