فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب حلاوة الإيمان

باب حَلاَوَةِ الإِيمَانِ

[ قــ :16 ... غــ : 16 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ

أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ».
[الحديث 16 - أطرافه في: 21، 6041، 6941] .

هذا ( باب حلاوة الإيمان) والمراد أن الحلاوة من ثمراته، فهي أصل زائد عليه، وقد سقط لفظ باب عند الأصيلي كما في فرع اليونينية كهي.

وبالسند السابق إلى المؤلف رحمه الله تعالى قال: ( حدّثنا محمد بن المثنى) بالمثلثة ابن عبيد العنزي بفتح النون بعدها زاي نسبة إلى عنزة بن أسد حيّ من ربيعة البصري المتوفى بها سنة اثنتين وخمسين ومائتين، ( قال: حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد بن الصلت ( الثقفي) بالمثلثة بعدها قاف ثم فاء نسبة إلى ثقيف البصري المتوفى سنة أربع وتسعين ومائة، ( قال: حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة واسمه كيسان السختياني بفتح المهملة على الصحيح نسبة إلى بيع السختيان وهو الجلد البصري المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة، ( عن أبي قلابة) بكسر القاف وبالموحدة عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر البصري المتوفى بالشام سنة أربع ومائة، ( عن أنس) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر زيادة ابن مالك ( رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه ( قال) :

( ثلاث) أي ثلاث خصال مبتدأ خبره جملة ( من كن فيه وجد) أي أصاب ( حلاوة الأيمان) وكذلك اكتفى بمفعول واحد، وحلاوة الإيمان استلذاذه بالطاعات عند قوّة النفس بالإيمان وانشراح الصدر له بحيث يخالط لحمه ودمه.
وهل هذا الذوق محسوس أو معنوي.
وعلى الثاني فهو على سبيل المجاز والاستعارة الموضحة للمؤلف على استدلاله بزيادة الإيمان ونقصه، لأن في ذلك تلميحًا إلى قضية المريض والصحيح، لأن المريض الصفراوي يجد طعم العسل مرًّا بخلاف الصحيح، فكلما نقصت الصحة نقص ذوقه بقدر ذلك، وتسمى هذه الاستعارة تخييلية، وذلك أنه شبه رغبة المؤمن في الإيمان بالعسل ونحوه ثم أثبت له لازم ذلك وهي الحلاوة، وأضافه إليه فالمرء لا يؤمن إلا ( أن يكون الله) عز وجل ( ورسوله) عليه الصلاة والسلام ( أحب إليه مما سواهما) بإفراد الضمير في أحب لأنه أفعل تفضيل، وهو إذا وصل بمن أفرد دائمًا وعبر بالتثنية في سواهما إشارة إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين لا كل واحدة منهما، فإنها وحدها لاغية إذا لم ترتبط بالأخرى.
فمن يدعي حب الله مثلاً ولا يحب رسوله لا ينفعه ذلك، ولا يعارض تثنية الضمير هنا بقصة الخطيب حيث قال: ومن يعصهما فقد غوى.
فقال له عليه الصلاة والسلام بئس الخطيب أنت فأمره بالإفراد إشعارًا بأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزامه الغواية، إذ العطف في تقدير التكرير والأصل استقلال كل واحد من المعطوفين في الحكم.
فهو في قوة قولنا: ومن عصى الله فقد غوى ومن عصى الرسول فقد غوى.
ويؤيد ذلك قوله تعالى: { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم} [النساء: 59] لم يعد أطيعوا في أُولي الأمر منكم كما أعاده في وأطيعوا الرسول ليؤذن بأنه لا استقلال لهم في الطاعة استقلال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وقيل: إنه من الخصائص فيمتنع من غيره عليه الصلاة والسلام لأن غيره إذا جمع أوهم التسوية بخلافه هو عليه الصلاة والسلام، فإن منصبه لا

يتطرق إليه إيهام ذلك.
وقال: مما ولم يقل ممن ليعم العاقل وغيره، والمراد بهذا الحب كما قال البيضاوي العقلي وهو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه ويستدعي اختياره، وإن كان على خلاف هواه.

ألا ترى أن المريض يعاف الدواء وينفر عنه طبعه، ولكنه يميل إليه باختياره ويهوى تناوله بمقتضى عقله لما يعلم أن صلاحه فيه.

( و) من محبة الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ( أن يحب) المتلبس بها ( المرء) حال كونه ( لا يحبه إلاّ الله) تعالى ( وأن يكره أن يعود) أي العود ( في الكفر كما يكره أن يقذف) بضم أوّله وفتح ثالثه أي مثل كرهه القذف ( في النار) وهذا نتيجة دخول نور الإيمان في القلب بحيث يختلط باللحم والدم واستكشافه عن محاسن الإسلام وقبح الكفر وشينه.

فإن قلت: لِمَ عدّى العود بفي ولم يعدّه بإلى كما هو المشهور؟ أجاب الحافظ ابن حجر كالكرماني بأنه ضمن معنى الاستقرار كأنه قال: أن يعود مستقرًّا فيه، وتعقبه العيني فقال فيه تعسف، وإنما في هنا بمعنى إلى كقوله تعالى: { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: 88] أي لتصيرن إلى ملتنا، وفي هذا الحديث الإشارة إلى التحلّي بالفضائل والتخلّي عن الرذائل، فالأوّل من الأوّل والأخير من الثاني.
وفي الثاني الحثّ على التحابب في الله، ورواته كلهم بصريون أئمة أجلاء، وأخرجه المؤلف أيضًا بعد ثلاثة أبواب وفي الأدب ومسلم والترمذي والنسائي وألفاظهم مختلفة.