فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب مسجد بيت المقدس

باب مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
( باب) فضل ( مسجد بيت المقدس) بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال، وبفتح القاف بعد

ضم الميم مع تشديد الدال.
والقدس: بغير ميم مع ضم القاف وسكون الدال وبضمها، وله عدة أسماء تقرب من العشرين منها إيلياء بالمد والقصر وبحذف الياء الأولى.


[ قــ :1154 ... غــ : 1197 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ قَزَعَةَ مَوْلَى زِيَادٍ قَالَ: "سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- يُحَدِّثُ بِأَرْبَعٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي قَالَ: لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إِلاَّ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ.
وَلاَ صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالأَضْحَى.
وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَتَيْنِ: بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ.
وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي".

وبه قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي، قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( عن عبد الملك) بن عمير ( قال: سمعت قزعة) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحة ( مولى زياد) بالزاي وتخفيف المثناة التحتية ( قال) :
( سمعت أبا سعيد الخدري، رضي الله عنه، يحدث بأربع عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كلها حكم ( فأعجبنني) الأربع، وهي بسكون الموحدة بصيغة الجمع للمؤنث ( وآنقنني) بهمزة ممدودة ثم نون مفتوحة ثم قاف ساكنة بعدها نونان، أي: أفرحنني وأسررنني.

إحداها ( قال لا تسافر المرأة يومين إلا معها زوجها) .
ولأبوي ذر والوقت: إلا ومعها بالواو ( أو: ذو محرم) وهو من النساء من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها، فاحترز بقوله: على التأبيد، من: أخت المرأة.
وبقوله: بسبب مباح، من: أم الموطوءة بشبهة، لأن وطء الشبهة لا يوصف بالإباحة وبحرمتها من الملاعنة، فإن تحريمها ليس لحرمتها بل عقوبة وتغليظًا.

( و) الثانية ( لا صوم في يومين) يوم عيد ( الفطر) ليحصل الفصل بين الصوم والفطر ( والأضحى) لأن فيه دعوة الله التي دعا عباده إليها من تضييفه وإكرامه لأهل مِنًى وغيرهم لما شرع لهم من ذبح النسك والأكل منها، والإجماع على تحريم صومهما، لكن مذهب أبي حنيفة: لو نذر صوم يوم النحر أفطر وقضى يومًا مكانه.

( و) الثالثة ( لا صلاة بعد صلاتين بعد) صلاة ( الصبح حتى تطلع الشمس وبعد) صلاة ( العصر حتى تغرب) الشمس.

( و) الرابعة ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) الاستثناء مفرّغ والتقدير: لا تشد الرحال إلى موضع، ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها، كزيارة صالح أو قريب أو صاحب، أو طلب علم أو تجارة، أو نزعة.
لأن المستثنى منه في المفرغ يقدر بأعم العام.
لكن المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص، وهو المسجد كما تقدم تقديره: ( مسجد الحرام) بمكة ( ومسجد) المكان ( الأقصى) الأبعد عن المسجد الحرام في المسافة، أو عن الأقذار والخبث، وهو: مسجد بيت المقدس.


وقد روى ابن ماجة حديث أنس مرفوعًا: "وصلاة في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة".

وعند الطبراني عن أبي الدرداء، رفعه أيضًا: "والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة".

وعند النسائي وابن ماجة، عن ابن عمر: أن سليمان بن داود، لما فرغ من بناء بيت المقدس، سأل الله تعالى: أن لا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
الحديث.

( ومسجدي) بطيبة.
واختصاص هذه الثلاثة بالأفضلية لأن الأول فيه: حج الناس وقبلتهم أحياء وأمواتًا، والثاني: قبلة الأمم السالفة، والثالث: أسس على التقوى وبناه خير البرية، زاده الله شرفًا.

والأفضلية بينهم بالترتيب المذكور في الحديث الأول، من الباب الأول، واختلف في: شد الرحال إلى غيرها، كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتًا، وإلى المواضع الفاضلة للصلاة فيها، والتبرك بها.

فقال أبو محمد الجويني: يحرم عملاً بظاهر هذا الحديث؛ واختاره القاضي حسين، وقال به القاضي عياض وطائفة.

والصحيح عند إمام الحرمين، وغيره من الشافعية، الجواز، وخصوا النهي بمن نذر الصلاة في غير الثلاثة، وأما قصد غيرها لغير ذلك، كالزيارة فلا يدخل في النهي.

وخص بعضهم النهي فيما حكاه الخطابي بالاعتكاف في غير الثلاثة، لكن قال في الفتح: ولم أر عليه دليلاً.

ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه: التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه المؤلّف في: الصوم.