فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من رجع القهقرى في صلاته، أو تقدم بأمر ينزل به

باب مَنْ رَجَعَ الْقَهْقَرَى فِي صَلاَتِهِ أَوْ تَقَدَّمَ بِأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
( باب من رجع القهقري) بفتح القافين بينهما هاء ساكنة، وبفتح الراء أي: مشى إلى خلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه ( في صلاته) ولأبي ذر، مما صح عند اليونيني: في الصلاة ( أو تقدم بأمر) أي: لأجل أمر ( ينزل به) .

( رواه) أي: كل واحد من رجوع المصلي القهقرى، وتقدمه لأمر ينزل به، ( سهل بن سعد) المذكور آنفًا ( عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما رواه المؤلّف في: الصلاة على المنبر والسطوح، من أوائل كتاب الصلاة، بلفظ: "فاستقبل القبلة، وكبر وقام الناس خلفه، فقرأ وركع فركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى، فسجد على الأرض، ثم عاد إلى المنبر، ثم قرأ، ثم ركع، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض" الحديث.


[ قــ :1162 ... غــ : 1205 ]
- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ يُونُسُ قَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ "أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- يُصَلِّي بِهِمْ، فَفَجَأَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ صُفُوفٌ، فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ.
فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- عَلَى عَقِبَيْهِ وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ فَرَحًا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ رَأَوْهُ.
فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا.
ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ.
وَتُوُفِّيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ".

وبه قال: ( حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، المروزي، قال: ( أخبرنا

عبد الله)
بن المبارك، قال: ( قال يونس) بن يزيد ( قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب: ( أخبرني) بالإفراد ( أنس بن مالك) رضي الله عنه.

( إن المسلمين بينا هم في) صلاة ( الفجر يوم الاثنين، وأبو بكر رضي الله عنه يصلّي بهم، ففجأهم) بفتح الجيم، ولأبي ذر: مما صح عند اليونيني: ففجئهم، بكسرها وصوبه وقال ابن التين: كذا وقع في الأصل بالألف، وحقه أن يكتب بالياء، لأن عينه مكسورة: كوطئهم أي: فجأهم ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد كشف ستر حجرة عائشة رضي الله عنها) ، كذا في أصل الحافظ شرف الدين الدمياطي بخطه، وهو الذي في اليونينية، وقال القطب الحلبي الحافظ: في سماعنا إسقاط لفظة حجرة ( فنظر) عليه الصلاة والسلام ( إليهم وهم صفوف فتبسم يضحك فنكص) بالصاد المهملة، وللحموي والمستملي: فنكس، بالسين المهملة أي: رجع بحيث لم يستدبر القبلة، أي: رجع ( أبو بكر رضي الله عنه) إلى وراء ( على عقبيه) بالتثنية ( وظن أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يريد أن يخرج إلى الصلاة وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم) بأن يخرجوا منها حال كون ذلك ( فرحًا) أي: فرحين ( بالنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حين رأوه، فأشار بيده أن: أتموا) صلاتكم أي: أشار بالإتمام فأن مصدرية ( ثم دخل الحجرة، وأرخى الستر، وتوفي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ذلك اليوم) ولأبي الوقت في غير اليونينية في ذلك اليوم.


باب إِذَا دَعَتِ الأُمُّ وَلَدَهَا فِي الصَّلاَةِ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا دعت الأم ولدها) وهو ( في الصلاة) لا يجيبها، فإن أجابها بطلت صلاته على الأصح فيهما.
وقيل: تجب وتبطل صلاته، وقيل: تجب ولا تبطل.
كذا في البحر للروياني.

وقيل: إن كانت فرضًا وضاق وقتها لا يجيب، وإلاّ فيجيب.

وقد روي في الوجوب حديث مرسل، رواه ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن المنكدر، عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إذا دعتك أمك في الصلاة فأجبها، وإن دعاك أبوك فلا تجبه، وأول على إجابتها بالتسبيح.

وقال ابن حبيب: إن كان في نافلة فليخفف ويسلم ويجبها.


[ قــ :116 ... غــ : 106 ]
- وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «نَادَتِ امْرَأَةٌ ابْنَهَا وَهْوَ فِي صَوْمَعَةٍ قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاَتِي.
قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، قَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاَتِي.
قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاَتِي.
قَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ يَمُوتُ جُرَيْجٌ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وَجْهِ الْمَيَامِيسِ.
وَكَانَتْ تَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ رَاعِيَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ، فَوَلَدَتْ، فَقِيلَ لَهَا: مِمَّنْ هَذَا الْوَلَدُ؟ قَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ.
قَالَ

جُرَيْجٌ: أَيْنَ هَذِهِ الَّتِي تَزْعُمُ أَنَّ وَلَدَهَا لِي؟ قَالَ: يَا بَابُوسُ.
مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: رَاعِي الْغَنَمِ».
[الحديث 106 - أطرافه في: 48، 3436، 3466] .

( وقال الليث) بن سعد المصري، مما وصله الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي، شيخ المؤلّف عنه مطولاً قال: ( حدّثني) بالإفراد ( جعفر) ولأبي ذر: مما صح في اليونيني: ابن ربيعة أي: ابن شرحبيل بن حسنة المصري ( عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج المدني ( قال: قال أبو هريرة، رضي الله عنه، قال رسول الله) وللأصيلي: قال النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( نادت امرأة ابنها) جريجًا ( وهو) أي: والحال أنه ( في صومعة) بفتح الصاد المهملة بوزن: فوعلة، من صمعت إذا دققت لأنها دقيقة الرأس.

ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر، وأبي الوقت: في صومعته، بزيادة مثناة فوقية قبل الهاء، وكان في صلاته، قيل: ولم يكن في الصلاة ممنوعًا في شريعته ( قالت: يا جريج) بضم الجيم وفتح الراء وسكون المثناة التحتية ثم الجيم ( قال) جريج، ولأبي ذر، والأصيلي: فقال: ( اللهم) قد اجتمع حق إجابة ( أمي و) حق إتمام ( صلاتي) فوفقني لأفضلهما، ثم ( قالت) ثانيًا: ( يا جريج! قال: اللهم) قد اجتمع حق إجابة ( أمي و) حق إتمام ( صلاتي) ثم ( قالت) في الثالثة: ( يا جريج! قال: اللهم) قد اجتمع حق إجابة ( أمي و) حق إتمام ( صلاتي) وعدم إجابتها لها مع ترديد ندائها له يفهم ظاهره أن الكلام عنده يقطع الصلاة.

ولما لم يجبها في الثالثة، وآثر استمراره في صلاته ومناجاته على إجابتها، واختار التزام مراعاة حق الله على حقها ( قالت) داعية عليه بلفظ النفي ( اللهم لا يموت جريج حتى ينظر في وجه) بالإفراد، ولأبي ذر: في وجوه ( المياميس) بميمين، الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة بعد كل منهما مثناة، الثانية ساكنة، جمع: مومسة، بكسر الميم، وهي: الزانية.
وغلط ابن الجوزي إثبات المثناة الأخيرة وصوّب حذفها.
وخرّج على إشباع الكسرة.

وقد كان من كرامة الله تعالى لجريج أن ألهم الله أمه الاقتصاد في الدعوة، فلم تقل: اللهم
امتحنه، إنما قالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المياميس.
فلم تقتض الدعوة إلاّ كدرًا يسيرًا، بل أعقبت سرورًا كثيرًا.

( وكانت تأوي إلى صومعته) امرأة ( راعية ترعى الغنم) الضأن، فوقع عليها رجل ( فولدت) منه غلامًا ( فقيل لها ممن هذا الولد؟ قالت من جريج) صاحب الصومعة ( نزل من صومعته) وأحبلني هذا الولد.

( قال جريج) لما بلغه ذلك: ( أين هذه) المرأة ( التي تزعم أن ولدها لي) ثم ( قال) ولابن عساكر: فقال: ( يا بابوس) بفتح الموحدة وبعد الألف موحدة أخرى مضمومة وبعد الواو الساكنة

سين مهملة بوزن: فاعول، هو الصغير، أو: اسم للرضيع، أو لذلك الولد بعينه.
( من أبوك) أي: خلقت من ماء من؟ فأنطق الله الغلام آية له، و ( قال: راعي الغنم) وسماه: أبًا مجازًا أو: يكون في شرعهم أنه يلحقه.

واعلم: أنه لا تعارض عند جريج حق الصلاة، وحق الصلاة لأمه، رجح حق الصلاة، وهو الحق، لكن حق الصلة المرجوح لم يذهب هدرًا.
ولذا أجيبت فيه الدعوة اعتبارًا لكونه ترك الصلة، وحسنت عاقبته وظهرت كرامته اعتبارًا بحق الصلاة.
ولم يكن ذلك تناقضًا، بل هو من جنس قوله عليه الصلاة والسلام "واحتجبي منه يا سودة" اعتبارًا للشبه الرجوح.

وقول ابن بطال: إن سبب دعائها عليه لإباحة الكلام إذ ذاك، معارض بقول جريج المشهود له بالكرامة: أمي وصلاتي، إذ ظاهره عدم إباحته كما مر، وهو مصيب في ذلك ولا يقال: إن كان جريج مصيبًا في نظره، وأوخذ بإجابة الدعوة فيه لزم التكليف بما لا يطاق، لأن الحق أن المؤاخذة هنا ليست عقوبة، وإنما هي تنبيه على عظم حق الأم، وإن كان مرجوحًا، قال ابن المنير، فيما نقله في المصابيح.

ورواة هذا الحديث ما بين: مصري ومدني، وفيه: التحديث بصيغة الإفراد والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في باب { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16] .
وفي: ذكر بني إسرائيل، ومسلم في باب: بر الوالدين.