فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب يفكر الرجل الشيء في الصلاة

باب تَفَكُّرِ الرَّجُلِ الشَّىْءَ فِي الصَّلاَةِ.

     وَقَالَ  عُمَرُ -رضي الله عنه-: إِنِّي لأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ
هذا ( باب) بالتنوين ( يفكر الرجل) وكذا كل مكلف ( الشيء) بضم المثناة التحتية وسكون الفاء وكسر الكاف مخففة، والشيء: نصب على المفعولية، ولابن عساكر، وأبي ذر: تفكر الرجل، بفتح المثناة الفوقية والفاء وضم الكاف المشددة، ولابن عساكر: شيئًا، وللأصيلي: في الشيء ( في الصلاة) .

( وقال عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنه) مما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن حفص بن عاصم، عن أبي عثمان النهدي عنه ( إني لأجهز جيشي) لأجل الجهاد ( وأنا في الصلاة) .

وروى ابن أبي شيبة أيضًا من طريق عروة بن الزبير، قال عمر رضي الله عنه: إني لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة.

وروى صالح بن أحمد بن حنبل، في كتاب المسائل، عن أبيه، عن طريق همام بن الحرث قال: إن عمر، رضي الله عنه، صلّى المغرب فلم يقرأ، فلما انصرف، قالوا: يا أمير المؤمنين إنك لم تقرأ.
فقال: إني حدثت نفسي وأنا في الصلاة بعير جهزتها من المدينة حتى دخلت الشام، ثم أعاد وأعاد القراءة.

وهذا يدل على أنه إنما أعاد لترك القراءة لا لكونه كان مستغرقًا في الفكرة.


[ قــ :1177 ... غــ : 1221 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا عُمَرُ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَصْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ فَقَالَ: ذَكَرْتُ -وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ- تِبْرًا عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ -أَوْ يَبِيتَ- عِنْدَنَا فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ".


وبه قال: ( حدّثنا إسحاق بن منصور) الكوسج، قال: ( حدّثنا روح) بفتح الراء بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي البصري، قال: ( حدّثنا عمر) بضم العين ( هو: ابن سعيد) بكسر العين المكي ( قال: أخبرني) بالإفراد ( ابن أبي مليكة) عبد الله، ومليكة: بضم الميم وفتح اللام مصغرًا ( عن عقبة بن الحارث) بضم العين وسكون القاف ( رضي الله عنه، قال) :
( صليت مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، العصر، فلما سلم قام سريعًا دخل على بعض نسائه) رضي الله عنهن ( ثم خرج، ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته، فقال) :
( ذكرت) أي: تفكّرت ( -وأنا في الصلاة- تبرًا عندنا) من تبر الصدقة، وهو ما كان من الذهب غير مضروب ( فكرهت أن يمسي أو) قال: ( يبيت عندنا) خوفًا من حبس صدقة المسلمين ( فأمرت بقسمته) .

فإن قلت: ما موضع الترجمة؟
أجيب: من قوله: ذكرت وأنا في الصلاة تبرًا، لأنه تفكّر في أمر التبر وهو في الصلاة، ولم يعدها.




[ قــ :1178 ... غــ : 1 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أُذِّنَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ أَدْبَرَ، فَإِذَا سَكَتَ أَقْبَلَ، فَلاَ يَزَالُ بِالْمَرْءِ يَقُولُ لَهُ اذْكُرْ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى».
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِذَا فَعَلَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَسَمِعَهُ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه.

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) أبوه عبد الله ونسبه إلى جده لشهرته به، المخزومي، مولاهم، المصري المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائتين، ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد المصري ( عن جعفر) هو ابن ربيعة المصري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( قال: قال) لي ( أبو هريرة) في رواية الإسماعيلي: عن أبي هريرة ( رضي الله عنه، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( إذا أذن بالصلاة) بضم الهمزة وكسر الذال ( أدبر الشيطان) حال كونه ( له ضراط) حقيقة أو مجازًا عن شغله نفسه بالتصويت ( حتى لا يسمع التأذين، فإذا سكت المؤذن) بعد الفراغ من التأذين ( أقبل) الشيطان ( فإذا ثوب) بضم المثلثة وكسر الواو، أي: أقيمت الصلاة ( أدبر) الشيطان ( فإذا سكت) بعد الفراغ من الإقامة ( أقبل) الشيطان ( فلا يزال بالمرء) المصلي ( يقول له: اذكر ما لم يكن يذكر حتى لا يدري) وهو في الصلاة ( كم صلى) أثلاثًا أم أربعًا.

( قال أبو سلمة بن عبد الرحمن) مما هو طرف من حديث يأتي في السهو، وليس هو من رواية جعفر بن ربيعة عن أبي سلمة ( وإذا فعل أحدكم ذلك) أي: ما ذكر من كونه لا يدري وهو في

صلاته كم صلّى ( فليسجد) ندبًا ( سجدتين) للتردد في زيادتها ( وهو قاعد) بعد أن يأخذ باليقين ويطرح المشكوك فيه، ويأتي بالباقي ولا يرجع في فعلها إلى ظنه، ولا إلى قول غيره وإن كان جميعًا كثيرًا.

( وسمعه أبو سلمة) بن عبد الرحمن ( من أبي هريرة رضي الله عنه) :



[ قــ :1179 ... غــ : 13 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "يَقُولُ النَّاسُ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ.
فَلَقِيتُ رَجُلاً فَقُلْتُ: بِمَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَارِحَةَ فِي الْعَتَمَةِ؟ فَقَالَ: لاَ أَدْرِي.
فَقُلْتُ: لَمْ تَشْهَدْهَا؟ قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: لَكِنْ أَنَا أَدْرِي، قَرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا".

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن المثنى) بن عبيد المعروف بالزمن العنزي، بفتح النون والزاي، البصري، قال: ( حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي ( قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر، والأصيلي: أخبرنا ( ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن ( عن سعيد المقبري قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه) :
( يقول الناس: أكثر أبو هريرة) في الرواية عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فلقيت رجلاً) لم يسم ( فقلت: بما) بإثبات ألف ما الاستفهامية مع دخول الجار عليها، وهو قليل.
ولأبي ذر: بم ( قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، البارحة) نصب على الظرفية، أقرب ليلة مضت ( في العتمة) في صلاة العشاء ( فقال: لا أدري) ما قرأ.
( فقلت: لم) بغير همزة ( تشهدها) شهودًا تامًا وكأنه اشتغل بغير أمر الصلاة حتى نسي السورة التي قرئت.
( قال) الرجل: ( بلى) شهدتها.
قال أبو هريرة: ( قلت: لكن أنا أدري، قرأ سورة كذا وكذا) .
كأن أبا هريرة شغل فكره بأفعال الصلاة حتى ضبطها وأتقنها.

ورواة الحديث الخمسة ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وهو من أفراده.
والله أعلم.