فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما جاء في الجنائز، ومن كان آخر كلامه: لا إله إلا الله

باب فِي الْجَنَائِزِ، وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَلَيْسَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلاَّ لَهُ أَسْنَانٌ فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وَإِلاَّ لَمْ يُفْتَحْ لَكَ.

( باب) بالتنوين، وهو ساقط لأبي ذر ( في الجنائز) بفتح الجيم، جمع جنازة بالفتح والكسر: اسم للميت في النعش، أو بالفتح: اسم لذلك، وبالكسر اسم للنعش وعليه اليت، وقيل عكسه، وقيل: هما لغتان فيهما، فإن لم يكن عليه الميت فهو سرير ونعش.

وهي: من جنزه يجنزه إذا ستره.
ذكره ابن فارس وغيره، وقال الأزهري: لا يسمى جنازة حتى يشد الميت عليه مكفنًا.

وذكر هذا الباب هنا دون الفرائض لاشتماله على الصلاة، ولأبي الوقت، والأصيلي: كتاب الجنائز، بسم الله الرحمن الرحيم، باب ما جاء في الجنائز.

ولابن عساكر: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الجنائز.

( ومن كان آخر كلامه) عند خروجه من الدنيا: ( لا إله إلا الله) أي: دخل الجنة.
كما رواه أبو داود بإسناد حسن، والحاكم بإسناد صحيح، فحذف جواب من، وآخر: بالنصب لأبي ذر، خبر كان تقدم على اسمها، وهو: لا إله إلا الله.
وساغ كونها مسندًا إليها مع أنها جملة لأن المراد بها لفظها، فهي في حكم الفرد.


ولغير أبي ذر: آخر، بالرفع اسم كان، وكأنه لم يثبت عند المؤلّف في التلقين حديث على شرطه، فاكتفى بما يدل عليه.

ولمسلم من حديث أبي هريرة، من وجه آخر: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله".
قال في المجموع: أي من قرب موته.

وهذا من باب تسمية الشيء باسم ما يصير إليه، كقوله: { إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] فيذكر عند المحتضر: لا إله إلا الله ليتذكر، بلا زيادة عليها، فلا تسن زيادة: محمد رسول الله، لظاهر الأخبار.

وقيل: تسن زيادته لأن المقصود بذلك التوحيد.
ورد: بأن هذا موحد.

ويؤخذ من هذه العلة ما بحثه الأسنوي، أنه: لو كان كافرًا لقن الشهادتين وأمر بهما.

( وقيل لوهب بن منبه) بكسر الموحدة، مما وصله المؤلّف في التاريخ، وأبو نعيم في الحلية: ( أليس لا إله إلا الله) أي: كلمتا الشهادة ( مفتاح الجنة؟) بنصب مفتاح في رواية أبي ذر ورفعه لغيره على أنه خبر ليس، أو اسمها.
( قال) وهب: ( بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان) جياد ( فتح لك) .
فهو من باب حذف النعت إذا دل السياق عليه، لأن مسمى المفتاح لا يعقل إلا بالأسنان.

ومراده بالأسنان الأعمال المنجية المنضمة إلى كلمة التوحيد وشبهها، بأسنان المفتاح من حيث الاستعانة بها في فتح المغلقات وتيسير المستصعبات.

وقول الزركشي، أراد بها القواعد التي بني الإسلام عليها، تعقبه في المصابيح: بأن من جملة القواعد كلمة الشهادة التي عبر عنها بالمفتاح، فكيف تجعل بعد ذلك من الأسنان؟.

( وإلاّ) بأن جئت بمفتاح لا أسنان له ( لم يفتح لك) فتحًا تامًا: أو في أول الأمر.

وهذا بالنسبة إلى الغالب، وإلاّ فالحق أن أهل الكبائر في مشيئة الله تعالى، ومن قال: لا إله إلا الله مخلصًا أتي بمفتاح له أسنان، لكن من خلط ذلك بالكبائر مات مصرًا عليها، لم تكن أسنانه قوية، فربما طال علاجه.

وهذا رواه ابن إسحاق في السير، مرفوعًا بلفظ: إن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لما أرسل العلاء بن الحضرمي قال له: إذا سئلت عن مفتاح الجنة؟ فقل: مفتاحها لا إله إلا الله.

وروي عن معاذ بن جبل، مما أخرجه البيهقي في الشعب، مرفوعًا نحوه، وزاد: ولكن مفتاح بلا أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلاّ لم يفتح لك.

وهذه الزيادة نظير ما أجاب به وهب، فيحتمل أن تكون مدرجة في حديث معاذ.



[ قــ :1193 ... غــ : 1237 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي -أَوْ قَالَ: بَشَّرَنِي- أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ.
قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ".
[الحديث 1237 - أطرافه في: 1408، 2388، 3222، 5827، 6268، 6443، 6444، 7487] .

وبالسند قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي.
قال: ( حدّثنا مهدي بن ميمون) بفتح الميم فيهما، الأزدي، قال: ( حدّثنا واصل) هو: ابن حيان بفتح المهملة وتشديد المثناة التحتية ( الأحدب، عن المعرور) بفتح الميم وإسكان العين المهملة وبالراء المكررة ( ابن سويد، عن أبي ذر) جندب بن جنادة ( رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أتاني) في المنام ( آت) هو جبريل ( من ربي فأخبرني -أو قال: بشرني-) جزم في التوحيد بقوله: فبشرني ( أنه من مات من أمتي) أمة الإجابة أو أمة الدعوة ( لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة) نفي الشرك يستلزم إثبات التوحيد.

قال أبو ذر: ( قلت) لأبي الوقت في نسخة، ولأبي ذر: فقلت: أيدخل الجنة ( وإن زنى وإن سرق) وللترمذي، قال أبو ذر: يا رسول الله! وجملة الشرط في محل نصب على الحال.

( قال: وإن زنى وإن سرق) يدخل الجنة.

لا يقال: مفهوم الشرط أنه إذا لم يزن ولم يسرق لا يدخل إذ انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، لأنه على حد: "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه"، فمن لم يزن ولم يسرق أولى بالدخول ممن زنى وسرق.

واقتصر من الكبائر على نوعين، لأن الحق إما لله، أو: للعباد، فأشار بالزنا إلى حق الله، وبالسرقة إلى حق العباد.
لكن الذي استقرت عليه قواعد الشرع أن حقوق الآدميين لا تسقط بمجرد الموت على الإيمان نعم، لا يلزم من عدم سقوطها أن لا يتكفل الله بها عمن يريد أن يدخله الجنة.

ومن ثم، ردّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على أبي ذر استبعاده، أو المراد بقوله: دخل الجنة أي: صار إليها إما ابتداءً من أول الحال، وإما بعد أن يقع ما يقع من العذاب، نسأل الله العفو والعافية.

وفي الحديث دليل على أن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان، فإن من ليس بمؤمن لا يدخل الجنة وفاقًا، وأنها لا تحيط الطاعات.




[ قــ :1194 ... غــ : 138 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ.
وَقُلْتُ أَنَا: مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ".
[الحديث 138 - طرفاه في: 4497، 6683] .


وبه قال: ( حدّثنا عمر بن حفص) النخعي، قال: ( حدّثنا أبي) حفص بن غياث ( قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: ( حدّثنا شقيق) أبو وائل بن سلمة ( عن عبد الله) بن مسعود ( رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كلمة:
( من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار) وسقط لأبي ذر، وابن عساكر: شيئًا.

قال ابن مسعود: ( وقلت أنا:) كلمة أخرى ( من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة) لأن انتفاء السبب يوجب انتفاء المسبب.
فإذا انتفى الشرك انتفى دخول النار، وإذا انتفى دخول النار لزم دخول الجنة، إذ لا دار بين الجنة والنار.

وأصحاب الأعراف قد عرف استثناؤهم من العموم، ولم تختلف الروايات في الصحيحين في أن المرفوع: الوعيد، والموقوف: الوعد.

نعم، قال النووي: وجد في بعض الأصول المعتمدة من صحيح مسلم عكس هذا، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة"، قلت أنا: ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار.

وهكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين، عن صحيح مسلم، وكذا رواه أبو عوانة في كتابه المخرج على مسلم، والظاهر أن ابن مسعود نسي مرة، وهي الرواية الأولى، وحفظ مرة وهى الأخرى فرواهما مرفوعين، كما رواهما جابر عند مسلم بلفظ: قيل يا رسول الله، ما الموجبتان؟
قال: "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار" لكن: قال في الفتح: إنه وهم، وإن الإسماعيلي بيَّن أن المحفوظ عن وكيع كما في البخاري، وبذلك جزم ابن خزيمة في صحيحه.

والصواب رواية الجماعة.

وتعقبه العيني فقال: كيف يكون وهمًا وقد وقع عند مسلم؟ كذا قال: فليتأمل.

قال في المصابيح: وكأن المؤلّف أراد أن يفسر معنى قوله: من كان آخر كلامه بالموت على الإيمان حكمًا أو لفظًا، ولا يشترط أن يتلفظ بذلك عند الموت، إذا كان حكم الإيمان بالاستصحاب.

وذكر قول وهب أيضًا تفسيرًا لكون مجرد النطق لا يكفي، ولو كان عند الخاتمة، حتى يكون هناك عمل، خلافًا للمرجئة، وكأنه يقول: لا تعتقد الاكتفاء بالشهادة، وإن قارنت الخاتمة، ولا تعتقد الاحتياج إليها قطعًا إذا تقدمت حكمًا، والله أعلم.

ورواة حديث الباب كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وفيه: التحديث

والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في: التفسير، والإيمان، والنذور، ومسلم في: الإيمان، والنسائي في: التفسير: