فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الأمر باتباع الجنائز

باب الأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ
( باب الأمر باتباع الجنائز) .


[ قــ :1195 ... غــ : 1239 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قال حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَمَرَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ.
وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّيِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ".
[الحديث 1239 - أطرافه في: 2445، 5175، 5635، 5650، 5838، 5849، 5863، 6222، 6235، 6654] .

وبالسند قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي ( قال: حدّثنا شعبة) ابن الحجاج ( عن الأشعث) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح المهملة ثم مثلثة، ابن أبي الشعثاء المحاربي ( قال: سمعت معاوية بن سويد بن مقرن) بميم مضمومة فقاف مفتوحة فراء مشددة مكسورة ( عن البراء) بتخفيف الراء، وللأصيلي، وابن عساكر، وأبي الوقت: عن البراء بن عازب ( رضي الله عنه قال) :
( أمرنا النبي) ولأبي ذر: رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبع، ونهانا عن سبع، أمرنا باتباع الجنائز) وهو فرض كفاية، وظاهر قوله: اتباع الجنائز أنه بالمشي خلفها، وهو أفضل عند الحنفية.

والأفضل عند الشافعية المشي أمامها لحديث أبي داود وغيره بإسناد صحيح.
عن ابن عمر، قال: رأيت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبا بكر وعمر يمشون أمان الجنازة، ولأنه شفيع، وحق الشفيع أن يتقدم.

وأما حديث: امشوا خلف الجنازة، فضعيف.

وأجابوا عن حديث الباب: بأن الاتباع محمول على الأخذ في طريقها، والسعي لأجلها، كما يقال: الجيش يتبع السلطان، أي: يتوخى موافقته، وإن تقدم كثير منهم في المشي والركوب.

وعند المالكية ثلاثة أقوال: التقدم، والتأخر، وتقدم الماشي وتأخر الراكب.
وأما النساء فيتأخرن بلا خلاف.

( وعيادة المريض) أي: زيارته، مسلم أو ذمي، قريب للعائد أو جار له، وفاء بصلة الرحم وحق الجوار، وهي فضيلة لها ثواب، إلا أن لا يكون للمريض متعهد فتعهده لازم.


وفي مسلم، عن ثوبان: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في مخرفة الجنة حتى يرجع.
وأراد بالمخرفة: البستان، يعني يستوجب الجنة ومخارفها.

وفي البخاري، عن أنس قال: كان غلام يهودي يخدم النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فمرض، فأتاه النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم.
فنظر إلى أبيه، وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار.

قال في المجموع: وسواء الرمد وغيره، وسواء الصديق والعدوّ ومن يعرفه ومن لا يعرفه، لعموم الأخبار.

قال: والظاهر أن المعاهد والمستأمن كالذمي.

قال: وفي استحباب عيادة أهل البدع المنكرة، وأهل الفجور، والمكوس، إذا لم تكن قرابة، ولا جوار، ولا رجاء توبة، نظر.
فإنا مأمورون بمهاجرتهم.
ولتكن العبادة غبًا فلا يواصل كل يوم إلا أن يكون مغلوبًا، ومحل ذلك في غير القريب والصديق ونحوهما ممن يستأنس به المريض، أو يتبرك به، أو يشق عليه عدم رؤيته كل يوم.
أما هؤلاء فيواصلونها ما لم ينهوا أو يعلموا كراهته لذلك.

وقول الغزالي: إنما يعاد بعد ثلاث، لخبر ورد فيه، ردّ بأنه موضوع، ويدعو له وينصرف، ويستحب أن يقول في دعائه: أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يشفيك.
سبع مرات رواه الترمذي، وحسنه.
ويخفف المكث عنده، بل تكره إطالته لما فيه من إضجاره، ومنعه من بعض تصرفاته.

( وإجابة الداعي) إلى وليمة النكاح، وهي لازمة إذا لم يكن ثمة ما يتضرر به في الدين، من الملاهي، ومفارش الحرير، ونحوهما.

( ونصر المظلوم) مسلمًا كان أو ذميًا بالقول أو بالفعل.

( وإبرار القسم) بقتحات وكسر همزة إبرار: إفعال من البرّ، خلاف الحنث.
ويروى: المقسم، بضم الميم وسكون القاف وكسر السين، أي: تصديق من أقسم عليك، وهو أن يفعل ما سأله الملتمس، وأقسم عليه أن يفعله.

يقال: برّ وأبرّ القسم إذا صدقه، وقيل: المراد من المقسم الحالف، ويكون المعنى: أنه لو حلف أحد على أمر مستقبل وأنت تقدر على تصديق يمينه، كما لو أقسم يفارقك حتى تفعل كذا وكذا، وأنت تستطيع فعله، كيلا تحنث يمينه، وهو خاص فيما يجعل من مكارم الأخلاق، فإن ترتب على تركه مصلحة فلا، ولذا قال، عليه الصلاة والسلام، لأبي بكر في قصة تعبير الرؤيا: "لا تقسم".
حين قال: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني بالذي أصبت.


( ورد السلام) وهو فرض كفاية عند مالك والشافعي، فإن انفرد المسلم عليه تعين عليه.

( وتشميت العاطس) إذا حمد الله، بالشين المعجمة والمهملة في: تشميت، والمعجمة أعلاهما مشتق من الشوامت وهي القوائم، كأنه دعا بالثبات على طاعة الله، فيقول: يرحمك الله، وهو سنة على الكفاية.

( ونهانا عن آنية الفضة) وفي رواية: عن سبع: آنية الفضة، بالجر بدل من سبع وبالرفع خبر مبتدأ محذوف، -أي: آنية الفضة، وهي حرام على العموم للسرف والخيلاء.

( و) عن ( خاتم الذهب) وهو حرام أيضًا ( و) عن ( الحرير) وهو حرام على الرجال دون النساء كسابقه، فإطلاق النهي مع كونهن يباح لهن بعضها، دخله التخصيص بدليل آخر، كحديث: "هذان، أي: الذهب والحرير- حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها".

( و) عن ( الديباج) الثياب المتخذة من الإبريسم ( و) عن ( القسي) بقاف مفتوحة فسين مهملة مشددة مكسورة، وفسرت في كتاب اللباس: بأنها ثياب يؤتى بها من الشام أو مصر، مضلعة، فيها حرير أمثال الأترج، أو كتان مخلوط بحرير وقيل من القز، وهو رديء الحرير ( و) عن ( الإستبرق) بكسر الهمزة غليظ الديباج.

وسقط من هذا الحديث الخصلة السابعة، وهي: ركوب المياثر، بالمثلثة.
وقد ذكرها في: الأشربة واللباس، وهي الوطاء يكون على السرج من حرير أو صوف أو غيره، لكن الحرمة متعلقة بالحرير، كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.

وذكر الثلاثة بعد الحرير من باب ذكر الخاص بعد العام اهتمامًا بحكمها، أو دفعًا لتوهم أن اختصاصها باسم يخرجها عن حكم العام، أو أن العرف فرق أسماءها لاختلاف مسمياتها، فربما توهم متوهم أنها غير الحرير.

فإن قلت: قد تعمل من غير الحرير مما يحل، فما وجه النهي؟.

أجيب: بأن النهي قد يكون للكراهة، كما أن المأمورات بعضها للوجوب وبعضها للندب.
وإطلاق النهي فيها استعمال للفظ في حقيقته ومجازه، وهو جائز عند الشافعي، ومن يمنع ذلك يجعله لقدر مشترك بينهما مجازًا.
ويسمى بعموم المجاز.

فإن قيل: كيف يقول الشافعي ذلك مع أن شرط المجاز أن يكون معه قرينة تصرفه عن الحقيقة؟.

قيل: المراد قرينة تقتضي إرادة المجاز أو أن يصرف عن الحقيقة أوّلاً، وقد جوّزوا في الكناية نحو: الرماد، إرادة المعنى الأصلي مع إرادة لازمه، فكذا المجاز.


ورواة الحديث ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه: التحديث والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في: المظالم واللباس والطب والنذور والنكاح والاستئذان والأشربة.

ومسلم في: الأطعمة، والترمذي في الاستئذان واللباس، والنسائي في الجنائز والإيمان والنذور والزينة، وابن ماجة في: الكفارات واللباس.




[ قــ :1196 ... غــ : 140 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ".

تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ.
وَرَوَاهُ سَلاَمَةُ عَنْ عُقَيْلٍ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد) هو الذهلي، كما قال الكلاباذي قال: ( حدّثنا عمرو بن أبي سلمة) بفتح اللام التنيسي ( عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو، ( قال: أخبرني) بالإفراد ( ابن شهاب) الزهري ( قال أخبرني) بالإفراد أيضًا ( سعيد بن المسيب) بفتح المثناة التحتية المشدّدة ( أن أبا هريرة، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول) :
( حق المسلم على المسلم خمس) يعم وجوب العين، والكفاية، والندب: ( رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة) بفتح الدال ( وتشميت العاطس) ، إذا حمد، ويستوي في هذه الخمس جميع المسلمين: برّهم وفاجرهم، وعطف المندوب على الواجب سائغ إن دل عليه القرينة، كما يقال: صم رمضان وستًا من شوّال، وزاد مسلم، في رواية سادسة: وإذا استنصحك فانصح له.

( تابعه) أي: تابع عمرو بن أبي سلمة ( عبد الرزاق) بن همام ( قال: أخبرنا معمر) هو: ابن راشد، وهذه المتابعة ذكرها مسلم.

( ورواه سلامة) بتخفيف اللام، ولأبي ذر: سلامة بن روح، بفتح الراء ابن خالد ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف: ابن خالد، وهو عم سلامة السابق.
باب الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِذَا أُدْرِجَ فِي كَفَنِهِ
( باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج) أي: لف ( في أكفانه) بالجمع، ولغير الأربعة: كفنه.

141، 14 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: "أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ

-رضي الله عنه- عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ- فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لاَ يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ: أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا".
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- خَرَجَ وَعُمَرُ -رضي الله عنه- يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى.
فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى.
فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ -إِلَى- الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الآيَةَ حَتَّى تَلاَهَا أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ، فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلاَّ يَتْلُوهَا".
[الحديث 141 - أطرافه في: 3667، 3669، 445،
4455، 5710]
، [الحديث 14 - أطرافه في: 3668، 3670، 4453، 4454، 4457، 5711] .

وبالسند قال: ( حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، السختياني المروزي ( قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك ( قال: أخبرني) بالإفراد ( معمر) هو ابن ( راشد ويونس) بن يزيد، كلاهما ( عن) ابن شهاب ( الزهري، قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ( أن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ، وسقط في رواية أبي ذر: زوج النبي.
الخ ... ( أخبرته، قالت: أقبل أبو بكر) الصديق ( رضي الله عنه، على فرسه من مسكنه بالسنح) بضم المهملة والنون، وتسكن.
وبالحاء المهمة، منازل بني الحرث بن الخزرج بالعوالي ( حتى نزل) عن فرسه ( فدخل المسجد) النبوي، ( فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، رضي الله عنها، فتيمم) أي: قصد ( النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وهو مسجى) بضم الميم وفتح السين والجيم المشددة، أي: مغطى ( ببرد حبرة-) كعنبة، بإضافة برد، أو بوصفه: ثوب يماني مخطط أو أخضر ( فكشف عن وجهه) الشريف، ( ثم أكبّ عليه) لازم وثلاثيه: كب، متعد عكس ما هو مشهور من قواعد التصريف، فهو من النوادر ( فقبله) بين عينيه ( ثم بكى) اقتداء به، عليه الصلاة والسلام، حيث دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت، فأكب عليه وقبله، ثم بكى حتى سالت دموعه على وجنتيه، رواه الترمذي.
( فقال: بأبي أنت وأمي) الباء في بأبي تتعلق بمحذوف اسم أي: أنت مفدى بأبي، فيكون مرفوعًا مبتدأ وخبرًا، أو فعل فيكون ما بعده نصبًا، أي فديتك بأبي ( يا نبي الله، لا يجمع الله) برفع يجمع ( عليك موتتين) في الدنيا.

أشار به إلى الرد على من زعم أنه: يحيا فيقطع أيدي رجال.
لأنه لو صح ذلك لزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين، كما جمعهما على غيره، كالذي مرّ على قرية، أو لأنه يحيا في قبره ثم لا يموت.


( أما الموتة التي كتبت عليك) بصيغة المجهول، وللحموي والمستملي: كتب الله عليك ( فقد متها) .

( قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن: ( فأخبرني ابن عباس، رضي الله عنهما) :
( أن أبا بكر، رضي الله عنه، خرج وعمر، رضي الله عنه، يكلم الناس، فقال) له ( اجلس فأبى) أن يجلس لما حصل له من الدهشة والحزن ( فقال: أجلس.
فأبى.
فتشهد أبو بكر، رضي الله عنه، فمال إليه الناس، وتركوا عمر)
رضي الله عنه، ( فقال) أبو بكر: ( أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدًا فإن محمدًا، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قد مات.
ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت.
قال الله تعالى: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} إلى { الشَّاكِرِينَ} )
[آل عمران: 144] قرأها تعزيًا وتصبرًا، ولأبي ذر، والأصيلي { إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} .

( والله) ، ولأبي ذر: فوالله ( لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل الأية) ولأبي الوقت، والأصيلي: أنزلها، يعني هذه الآية، ( حتى تلاها أبو بكر، رضي الله عنه، فتلقاها منه الناس، فما يُسمع بشر إلا يتلوها) .

ورواة هذا الحديث ما بين: مروزي وبصري وأيلي ومدني، وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن تابعي عن صحابية، والتحديث والإخبار والقول، وأخرجه أيضًا في: المغازي، وفي: فضل أبي بكر، النسائي في: الجنائز، وكذا ابن ماجة.


[ قــ :1196 ... غــ : 143 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ -امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ بَايَعَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً، فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ.
وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي -وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ- مَا يُفْعَلُ بِي.
قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا".

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة، قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ( عن عقيل) بضم العين ( عن ابن شهاب) الزهري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( خارجة بن زيد بن ثابت) أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ( أن أم العلاء) بنت الحرث بن ثابت ( امرأة من الأنصار) عطف بيان أو رفع بتقدير: هي امرأة ( بايعت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته) في موضع رفع خبر أن:
( أنّه اقتسم المهاجرون قرعة) الهاء ضمير الشأن، واقتسم: بضم التاء مبنيًا للمفعول، وتاليه نائب الفاعل.
وقرعة نصب بنزع الخافض، أي: بقرعة.
أي: اقتسم الأنصار المهاجرين بالقرعة في
نزولهم عليهم، وسكناهم في منازلهم، لما دخلوا عليهم المدينة ( فطار لنا عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة والعين المهملة، الجمحي القرشي، أي: وقع في سهمنا ( فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفّيَ فيه، فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه، دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عليه ( فقلت: رحمة الله عليك يا أبا السائب) بالسين المهملة، وهي كنية عثمان ( فشهادتي عليك) أي: لك، ( لقد أكرمك الله) جملة من المبتدأ والخبر.

ومثل هذا التركيب يستعمل عرفًا، ويراد به معنى القسم، كأنها قالت: أقسم بالله لقد أكرمك الله.

( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( وما يدريك) بكسر الكاف، أي: من أين علمت ( أن الله كرمه) أي: عثمان، ولأبي ذر: أن الله قد أكرمه؟ ( فقلت: بأبي أنت) مفدى أو: أفديك به ( يا رسول الله، فمن يكرمه الله) إذا لم يكن هو من المكرمين، مع إيمانه وطاعته الخالصة؟ ( فقال) عليه السلام وللأصيلي: قال:
( أما هو) أي: عثمان ( فقد جاءه اليقين) أي: الموت ( والله إني لأرجو له الخير) وأما غيره فخاتمة أمره غير معلومة، أهو ممن يرجى له الخير عند اليقين أم لا ( والله ما أدري -وأنا رسول الله ما يفعل بي) ولا بكم، هو موافق لما في سورة الأحقاف.

وكان ذلك قبل نزول آية الفتح { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: ] لأن الأحقاف مكية، والفتح مدنية بلا خلاف فيهما، وكان أولاً لا يدري لأن الله لم يعلمه، ثم درى بأن أعلمه الله بعد ذلك.

أو المراد: ما أدري ما يفعل بي، أي في الدنيا من نفع وضر، وإلاّ فاليقين القطعي بأنه خير البرية يوم القيامة، وأكرم الخلق.
قاله القرطبي، والبرماوي.

وقال البيضاوي، أي في الدارين على التفصيل، إذ لا علم بالغيب، ولا لتأكيد النفي المشتمل على ما يفعل بي و: ما، إما موصولة منصوبة، أو: استفهامية مرفوعة.
انتهى.

فأصل الإكرام معلوم، قال البرماوي: وكثير من التفاصيل: أي: معلوم أيضًا.
فالخفي بعض التفاصيل.

وأما قول البرماوي، كالكرماني والزركشي، وسيأتي في سورة الأحقاف: إنها منسوخة بأوّل سورة الفتح، تعقبه في المصابيح بأنه خبر، وهو لا يدخله النسخ، فلا يقال: فيه: منسوخ وناسخ.

انتهى.

ولأبي ذر، عن الكشميهني: ما يفعل به أي: بعثمان.


قال في الفتح وهو غلط منه، فإن المحفوظ في رواية الليث هذا، ولذا عقبه المصنف برواية نافع بن يزيد عن عقيل التي لفظها: ما يفعل به.

( قالت: فوالله لا أزكي أحدًا بعده أبدًا) .

وفي الحديث أنه لا يجزم في أحد بأنه من أهل الجنة إلا إن نص عليه الشارع كالعشرة، لا سيما والإخلاص أمر قلبي لا يطلع عليه.

ورواته ما بين: مصري بالميم، وأيلي، ومدني.
وفيه: التحديث والإخبار، والعنعنة، وتابعي عن تابعي عن صحابية.
وأخرجه أيضًا في: الجنائز، والشهادات، والتفسير، والهجرة، والتعبير، والنسائي في الرؤيا.

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ... مِثْلَهُ.
.

     وَقَالَ  نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ "مَا يُفْعَلُ بِهِ".

وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَعْمَرٌ.
[الحديث 143 - أطرافه في: 687، 399، 7003، 7004، 7018] .

وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء وسكون التحتية ثم راء، نسبة لجدّه، واسم أبيه: كثير المصري ( قال: حدّثنا الليث) ابن سعد ( مثله) أي: مثل الحديث المذكور.

( وقال نافع بن يزيد) مولى شرحبيل بن حسنة القرشي المصري، مما وصله الإسماعيلي ( عن عقيل) بضم العين وفتح القاف: ( ما يفعل به) بالهاء بدل الياء، أي: بعثمان، لأنه لا يعلم من ذلك إلا ما يوحى إليه، واكتفى المؤلّف بهذا القدر، إشارة إلى أن باقي الحديث متفق عليه.

( وتابعه شعيب) هو: ابن أبي حمزة، مما وصله المؤلّف في الشهادات ( وعمرو بن دينار) بفتح العين، مما وصله ابن أبي عمر في مسنده، عن ابن عيينة عنه، ( ومعمر) مما وصله المؤلّف في باب العين الجارية من: كتاب التعبير، من طريق ابن المبارك عنه.