فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه

باب الرَّجُلِ يَنْعَى إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ
( باب الرجل ينعى) الميت، حذف مفعول ينعى: وهو الميت، لدلالة الكلام عليه.
وذكر المفعول الآخر الذي عدي له بحرف الجر.
أي: يظهر خبر موته ( إلى أهل الميت بنفسه) ولا يستنيب فيه أحدًا، ولو كان رفيعًا.
والتأكيد، أي في قوله: بنفسه، للضمير المستكن في ينعى، فهو عائد إلى الناعي لا المنعي، أو يرجع الضمير إلى المنعي وهو الميت، أي ينعى إلى أهل الميت نفس الميت، أو بسبب ذهاب نفسه.


وفائدة الترجمة بذلك دفع توهم أن هذا من إيذاء أهل الميت، وإدخال المساءة عليهم، والإشارة إلى أنه مباح.
بل صرح النووي، في: المجموع، باستحبابه، لحديث الباب.
ولنعيه جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، ولما يترتب عليه من المبادرة لشهود جنازته، وتهيئة أمره للصلاة عليه، والدعاء والاستغفار له، وتنفيذ وصاياه، وغير ذلك.

نعم، يكره نعي الجاهلية للنهي عنه، رواه الترمذي، وحسنه وصححه، وهو: النداء بموت الشخص، وذكر مآثره ومفاخره.
قال المتولي وغيره: ويكره مرثية الميت، وهي: عدّ محاسنه، للنهي عن المراثي.
انتهى.

والوجه حمل تفسيرها بذلك على غير صيغة الندب الآتي بيانها إن شاء الله تعالى، وإلا فيلزم اتحادها معه.

وقد أطلقها الجوهري على عدّ محاسنه مع البكاء وعلى نظم الشعر فيه، فيكره كل منهما لعموم النهي عن ذلك، والأوجه حمل النهي عن ذلك، على ما يظهر فيه تبرم، أو: على فعله مع الاجتماع له، أو: على الإكثار منه، أو: على ما يجدد الحزن دون ما عدا ذلك، فما زال كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونه.

وقد قالت فاطمة بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه:
ماذا على من شم تربة أحمد ... أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت عليّ مصائب لو أنها ... صبت على الأيام عدن لياليا
وللكشميهني: نفسه، بحذف حرف الجر أي: ينعي نفس الميت، إلى أهله.
وللأصيلي، حذف لفظ أهله وليس له وجه.


[ قــ :1200 ... غــ : 1245 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا".
[الحديث 1245 - أطرافه في: 1318، 1327، 1328، 1333، 3880، 3881] .

وبالسند قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس، عبد الله المدني ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، رضي الله عنه) :
( أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نعى) أي: أخبر أصحابه بموت ( النجاشي) أصحمة، وقد كانوا أهله، أو: بمثابة أهله ويستحقون أخذ عزائه، ومن ثم أدخله في الترجمة ( في اليوم الذي مات فيه) في رجب في السنة التاسعة ( خرج) بهم ( إلى المصلّى) وذكر السهيلي، من حديث سلمة بن الأكوع أنه
صلّى عليه بالبقيع.
( فصف بهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
صف هنا لازم، والباء في بهم بمعنى: مع أي: صف معهم.
ويحتمل أن يكون متعديًا و: الباء، زائدة للتوكيد، أي: صفهم، لأن الظاهر أن الإمام متقدم، فلا يوصف بأنه صاف معهم إلا على المعنى الآخر، وليس في هذا الحديث ذكر، كم صفهم صفًا، لكنه يفهم من الرواية الأخرى: فكنت في الصف الثاني أو الثالث ....

( وكبر أربعًا) منها تكبيرة الإحرام، وفيه: جواز الصلاة على الغائب عن البلد، ولو كان دون مسافة القصر، وفي غير جهة القبلة.
والمصلي مستقبلها.

قال ابن القطان: لكنها لا تسقط الفرض، قال الزركشي: ووجهه أن فيه إزراء، وتهاونًا بالميت، لكن الأقرب السقوط لحصول الفرض.

قال الأذرعي: وينبغي أنها لا تجوز على الغائب حتى يعلم، أو يظن أنه قد غسل، إلا أن يقال: تقديم الغسل شرط عند الإمكان فقط، ولا تجوز على الغائب في البلد وإن كبرت لتيسر الحضور، وقول من يمنع الصلاة على الغائب محتجًا بأنه كشف له عنه، فليس غائبًا لو سلم صحته، فهو غائب عن الصحابة.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في: الجنائز، وكذا أبو داود والنسائي والترمذي مختصرًا.




[ قــ :101 ... غــ : 146 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ -وَإِنَّ عَيْنَىْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَتَذْرِفَانِ- ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ".
[الحديث 146 - أطرافه في: 798، 3063، 3630، 3757، 64] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن عمرو المقعد، قال: ( حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: ( حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا ( أيوب) السختياني ( عن حميد بن هلال) العدوي البصري ( عن أنس بن مالك، رضي الله عنه قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( أخذ الراية زيد) هو: ابن حارثة، وقصته هذه في غزوة مؤتة، وهو موضع في أرض البلقاء من أطراف الشام.
وذلك أنه، عليه السلام، أرسل إليها سرية في جمادى الأولى سنة ثمان واستعمل عليهم زيدًا، وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر، فعبد الله بن رواحة.
فخرجوا وهم ثلاثة آلاف، فتلاقوا مع الكفار فاقتتلوا ( فأصيب) زيد أي: قتل ( ثم أخذها) أي الراية ( جعفر، فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة) بفتح الراء وتخفيف الواو وبالحاء المهملة، الأنصاري، أحد النقباء ليلة العقبة ( فأصيب) .

وإخباره عليه الصلاة والسلام بموتهم نعي، فهو موضع الترجمة، ووقع في علامات النبوة التصريح به حيث قال: إن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نعى زيدًا أو جعفرًا ... الحديث.


( وإن عيني رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لتذرفان) بذال معجمة وراء مكسورة، أي: لتسيلان بالدموع.

واللام للتأكيد.

( ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة) بكسر الهمزة وسكون الميم وفتح الراء، أي: تأمير من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكنه رأى المصلحة في ذلك لكثرة العدو، وشدة بأسهم، وخوف هلاك المسلمين، ورضي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما فعل، فصار ذلك أصلاً في الضرورات إذا عظم الأمر واشتد الخوف سقطت الشروط.
( ففتح له) بضم الفاء الثانية.

وقد أخرجه المؤلّف أيضًا في: الجهاد، وعلامات النبوة، وفضل خالد، والمغازي.
والنسائي في: الجنائز.