فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الكفن في ثوبين

باب الْكَفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ
( باب) جواز ( الكفن في ثوبين) فالثلاثة ليست واجبة، بل الواجب لغير المحرم ثوب واحد ساتر لكل البدن، وعلى هذا جرى الإمام أحمد، والغزالي، وجمهور الخراسانيين.

وقال النووي في مناسكه إنه المذهب الصحيح.
وصحح في بقية كتبه ما عزاه للنص، والجمهور أن أقله سائر العورة فقط، كالحي.
ولحديث مصعب الآتي إن شاء الله تعالى، في باب: إذا لم يوجد إلا ثوب واحد.

وعلى القول بذلك يختلف قدر الواجب بذكورة الميت وأنوثيته، فيجب في المرأة ما يستر بدنها إلا وجهها وكفيها، حرة كانت أو أمة، لزوال الرق بالموت، كما ذكره في كتاب الإيمان.
ويأتي مزيد لذلك، إن شاء الله تعالى، عند شرح حديث مصعب.


[ قــ :1218 ... غــ : 1265 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ -أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا".
[الحديث 1265 - أطرافه في: 1266، 1267، 1268، 1839، 1849، 1850، 1851] .


وبالسند قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي، المعروف بعارم قال: ( حدَّثنا حماد) وللأصيلي: حماد بن زيد ( عن أيوب) السختياني ( عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال) :
( بينما) بالميم، وأصله: بين زيدت فيه الألف، والميم ظرف زمان مضاف إلى جملة ( رجل) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمه ( واقف بعرفة) للحج عند الصخرات، وليس المراد خصوص الوقوف المقابل للقعود، لأنه كان راكبًا ناقته، ففيه إطلاق لفظ الواقف على الراكب ( إذ وقع عن راحلته) ناقته التي صلحت للرحل، والجملة جواب: بينما ( فوقصته -أو قال فأوقصته) شك الراوي، والمعروف عند أهل اللغة بدون الهمزة، فالثاني شاذ، أي: كسرت عنقه.
والضمير المرفوع في وقصته للراحلة، والمنصوب للرجل ( قال) وللأصيلي، وابن عساكر: فقال ( النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين) غير الذي عليه، فيستدل به على إبدال ثياب المحرم.


قال في الفتح: وليس بشيء لأنه سيأتي، إن شاء الله تعالى في الحج، بلفظ: في ثوبيه.

وللنسائي، من طريق يونس بن نافع، عن عمرو بن دينار: في ثوبيه اللذين أحرم فيهما، وإنما لم يزده ثالثًا، تكرمة له كما في الشهيد، حيث قال: زملوهم بدمائهم.

وقال النووي في المجموع لأنه لم يكن له مال غيرهما.

( ولا تحنطوه) بتشديد النون المكسورة أي: لا تجعلوا في شيء من غسلاته، أو: في كفنه حنوطًا ( ولا تخمروا) بالخاء المعجمة، أي: لا تغطوا ( رأسه) بل أبقوا له أثر إحرامه من منع ستر رأسه، إن كان رجلاً، ووجهه وكفيه إن كان امرأة، ومن منع المخيط وأخذ ظفره وشعره ( فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا) أي: بصفة الملبين بنسكه الذي مات فيه من حج أو عمرة، أو هما قائلاً: لبيك اللهم لبيك.

قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على أن المحرم إذا مات يبقى في حقه حكم الإحرام، وهو مذهب الشافعي رحمه الله.

وخالف في ذلك مالك وأبو حنيفة، رحمهما الله تعالى، وهو مقتضى القياس لانقطاع العبادة
بزوال محل التكليف، وهو الحياة.

لكن اتبع الشافعي الحديث، وهو مقدم على القياس، وغاية ما اعتذر به عن الحديث، ما قيل: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علل هذا الحكم في هذا الإحرام بعلة لا يعلم وجودها في غيره، وهو أنه: يبعث يوم القيامة ملبيًا.
وهذا الأمر لا يعلم وجوده في غير هذا المحرم لغير النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والحكم إنما يعم في غير محل النص بعموم علته، أو غيرها: ولا يرى أن هذه العلة إنما ثبتت لأجل الإحرام، فتعم كل محرم.
اهـ.