فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: الكفن من جميع المال

باب الْكَفَنِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَقَتَادَةُ.

     وَقَالَ  عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: الْحَنُوطُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.
.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيمُ: يُبْدَأُ بِالْكَفَنِ، ثُمَّ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ بِالْوَصِيَّةِ،.

     وَقَالَ  سُفْيَانُ: أَجْرُ الْقَبْرِ وَالْغَسْلِ هُوَ مِنَ الْكَفَنِ
هذا ( باب) بالتنوين ( الكفن من جميع المال) أي من رأسه، لا من الثلث.
وهو قول خلاس، وقال طاوس: من الثلث إن قل المال، وهو مقدم وجوبًا على الدّيون اللازمة للميت، لحديث مصعب بن عمير، لما قتل يوم أُحد، ولم يوجد ما يكفن فيه إلا برده، فأمر عليه الصلاة والسلام بتكفينه فيه، ولم يسأل.
ولا يبعد من حال من ليس له إلا بردة أن يكون عليه دين.

نعم، يقدم حق تعلق بعين المال: كالزكاة، والمرهون، والعبد الجاني المتعلق برقبته مال، أو قود، وعفى على مال، والمبيع إذا مات المشتري مفلسًا.

( وبه) أي: بأن الكفن من جميع المال ( قال عطاء) هو: ابن أبي رباح، مما وصله الدارمي من طريق ابن المبارك، عن ابن جريج عنه ( والزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( وعمرو بن دينار، وقتاد) بن دعامة.

( وقال: عمرو بن دينار) مما هو جميعه عند عبد الرزاق: ( الحنوط من جميع المال) أي: لا من الثلث.

( وقال إبراهيم) النخعي، مما وصله الدارمي: ( يبدأ بالكفن) أي: ومؤونة التجهيز ( ثم بالدين) اللازم له: لله، أو لآدمي لأنه أحوط للميت، ( ثم بالوصية) ثم ما بقي للورثة.

وأما تقديم الوصية عليه ذكرًا في قوله تعالى: { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] .
فلكونها قربة، والدين مذموم غالبًا، ولكونها مشابهة للإرث من جهة أخذها بلا عوض وشاقة على الورثة.
والذين نفوسهم مطمئنة إلى أدائه، فقدمت عليه بعثًا على وجوب إخراجها، والمسارعة إليه.
ولهذا عطف بأو للتسوية بينهما في الوجوب عليهم، وليفيد تأخر الإرث عن أحدهما، كما يفيد تأخره عنهما بمفهوم الأولى.

( وقال سفيان) الثوري مما وصله الدارمي: ( أجر) حفر ( القبر و) أجر ( الغسل هو من الكفن) أي: من حكم الكفن في كونة من رأس المال لا من الثلث.


[ قــ :1227 ... غــ : 1274 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أُتِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رضي الله عنه- يَوْمًا بِطَعَامِهِ، فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ -وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي- فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلاَّ بُرْدَةٌ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ -أَوْ رَجُلٌ آخَرُ- خَيْرٌ مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلاَّ

بُرْدَةٌ.
لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا.
ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي".
[الحديث 1274 - طرفاه في: 1275، 4045] .

وبالسند قال: ( حدّثنا أحمد بن محمد المكي) الأزرقي على الصحيح، ويقال: الزرقي صاحب تاريخ مكة، قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد عن) أبيه ( سعد) هو: ابن إبراهيم ( عن أبيه) إبراهيم بن عبد الرحمن ( قال: أتي) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول ( عبد الرحمن) بالرفع نائب عن الفاعل ( ابن عوف، رضي الله عنه، يومًا بطعامه) بالضمير الراجع إليه، وكان صائمًا ( فقال: قتل) بضم القاف مبنيًّا للمفعول ( مصعب بن عمير) بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين المهملتين، مرفوع نائب عن الفاعل، وعمير بضم العين مصغرًا القرشي العبدري، قال عبد الرحمن بن عوف ( -وكان-) مصعب ( خيرًا مني) قاله تواضعًا وهضمًا لنفسه ( فلم يوجد له ما يكفن فيه إلاّ برده) بالضمير العائد على مصعب.
قال الحافظ ابن حجر: وهو رواية الأكثر قال: ولأبي ذر عن الكشميهني: إلا بردة، بلفظ واحد البرود.
اهـ.

والذي في الفرع، عن الكشميهني بالضمير، والبرد نمرة كالمئزر.

وهذا موضع الترجمة، لأن ظاهره أنه لم يوجد ما يملكه إلا البردة المذكورة.

( وقتل حمزة) بن عبد المطلب في غزوة أُحد ( -أو رجل آخر-) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه ( خير مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة) .
وللكشميهني كما في الفرع وأصله: إلاّ برده، بالضمير الراجع إليه.

قال عبد الرحمن بن عوف: ( لقد خشيت أن تكون قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا) يعني: أصبنا ما كتب لنا من الطيبات في دنيانا، فلم يبق لنا بعد استيفاء حظنا شيء منها.
والمراد بالحظ الاستمتاع والتنعم الذي يشغل الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه، حتى يعكف همته على استيفاء اللذات.
أما من تمتع بنعم الله، ورزقه الذي خلقه تعالى لعباده، ليتقوى بذلك على دراية العلم والقيام بالعمل، وكان ناهضًا بالشكر فهو عن ذلك بمعزل.

( ثم جعل) عبد الرحمن ( يبكي) خوفًا من تخلفه عن اللحاق بالدرجات العلى.

وشيخ المؤلّف من أفراده، والثلاثة البقية مدنيون، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا المؤلّف في: الجنائز، والمغازي.