فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه، أو قدميه غطى رأسه

باب إِذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنًا إِلاَّ مَا يُوَارِي رَأْسَهُ أَوْ قَدَمَيْهِ غَطَّى رَأْسَهُ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا لم يجد) من يتولى أمر الميت ( كفنًا إلا ما يواري) يستر ( رأسه) مع بقية جسده ( أو) يستر ( قدميه) مع بقية جسده ( غطى) ولأبي ذر: غطي، بضم المعجمة ( به) أي: بذلك الكفن ( رأسه) .


[ قــ :1229 ... غــ : 1276 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ حَدَّثَنَا خَبَّابٌ -رضي الله عنه- قَالَ "هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ: فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا.
قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلاَّ بُرْدَةً إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ.
فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ".

[الحديث 1276 - أطرافه في: 3897، 3913، 3914، 4047، 4082، 6432، 6448] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عمر بن حفص) بضم عين عمر، قال: ( حدَّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق قال: ( حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران، قال: ( حدّثنا شقيق) أبو وائل بن سلمة، قال: ( حدّثنا خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى، بينهما ألف، ابن الأرت، بفتح الهمزة والراء وتشديد المثناة الفوقية ( رضي الله عنه قال) :
( هاجرنا مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ، حال كوننا ( نلتمس وجه الله) أي ذاته، لا الدنيا.
والمراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه عليه الصلاة والسلام إلا أبو بكر وعامر بن فهيرة ( فوقع أجرنا على الله) وفي رواية: وجب أجرنا على الله.
أي: وجوبًا شرعيًّا أي: بما وجب بوعده الصدق، لا عقليًّا إذ لا يجب على الله شيء ( فمنا من مات لم يكل من أجره) من الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح ( شيئًا) بل قصر نفسه عن شهواتها لينالها متوفرة في الآخرة ( منهم: مصعب بن عمير) بضم العين وفتح الميم: ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي قصي ( ومنا من أينعت) بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية وفتح النون أي: أدركت ونضجت ( له ثمرته) ولأبي ذر: ثمرة ( فهو يَهدِبها) بفتح المثناة التحتية وسكون الهاء وتثليث الدال، أي: يجنيها.
وعبر بالمضارع ليفيد استمرار الحال الماضية والآتية استحضارًا له في مشاهدة السامع.

( قتل) أي: مصعب ( يوم أُحد) قتله عبد الله بن قميئة، والجملة استئنافية ( فلم نجد له ما نكفنه) زاد أبو ذر: به ( إلاّ بردة، إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا) بها ( رجليه خرج رأسه) لقصرها، ( فأمر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن نغطي رأسه) بطرف البردة ( وأن نجعل على رجليه من الإذخر) بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة والراء، نبت حجازي طيب الرائحة.

وفي الحديث من الفوائد: أن الواجب من الكفن ما يستر العورة، قال في المجموع، واحتمال أنه لم يكن له غير النمرة مدفوع بأنه بعيد ممن خرج للقتال، وبأنه لو سلم ذلك لوجب تتميمه من بيت المال، ثم من المسلمين.
اهـ.

وقد يقال: أمرهم بتتميمه بالإذخر.
وهوَ ساتر، ويجاب: بأن التكفين به لا يكفي إلاّ عند

تعذر التكفين بالثوب، كما صرح به الجرجاني، لما فيه من الإزراء بالميت، على أنه ورد في أكثر طرق الحديث أنه قتل يوم أُحد، ولم يخلف إلاّ نمرة.

وبالجملة، فالأصح أن أقل الكفن ساتر العورة.
لكن استشكل الأسنوي الاقتصار على ساتر العورة، بما في النفقات، من أنه لا يحل الاقتصار في كسوة العبد على ساتر العورة، وإن لم يتأذ بحر أو برد، لأنه تحقير وإذلال، فامتناعه في الميت الحر أولى.

وأجيب عنه: بأنه لا أولوية، بل ولا تساوي.
إذ للغرماء منع الزيادة على الثوب الواحد، والحر المفلس يبقى له ما يجمله لاحتياجه إلى التجمل للصلاة، وبين الناس، ولأن الميت يستر بالتراب عاجلاً بخلاف العبد.

والأولى أن يجاب: بأنه لا فرق بين المسألتين إذ عدم الجواز في تلك ليس لكونه حقًا لله تعالى في الستر، بل لكونه حقًا للعبد.
حتى إذا أسقطه جاز.

وفي الحديث أيضًا بيان فضيلة مصعب بن عمير، وأنه ممن لم ينقص له من ثواب الآخرة شيء.