فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من استعد الكفن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه

باب مَنِ اسْتَعَدَّ الْكَفَنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ
( باب من استعد الكفن) أي: أعده، وليست السين للطلب ( في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم ينكر عليه) بفتح الكاف مبنيًّا للمفعول، كذا في الفرع وأصله، وفي نسخة: فلم ينكر بكسرها على أن فاعل الإنكار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.


[ قــ :1230 ... غــ : 1277 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا.
أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي، فَجِئْتُ لأَكْسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَحَسَّنَهَا فُلاَنٌ فَقَالَ: اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا.
قَالَ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لأَلْبَسَهَا، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي.
قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ".
[الحديث 1277 - أطرافه في: 2093، 5810، 6036] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ( قال: حدّثنا ابن أبي حازم) عبد العزيز ( عن أبيه) أبي حازم، سلمة بن دينار الأعرج القاص، من عباد أهل المدينة وزهادهم ( عن سهل) هو: ابن سعد الساعدي ( رضي الله عنه) :
( أن امرأة) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها ( جاءت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ببردة منسوجة فيها حاشيتها) رفع بقوله منسوجة، واسم المفعول يعمل عمل فعله، كاسم الفاعل أي: أنها لم تقطع من ثوب فتكون بلا حاشية، أو أنها جديدة لم يقطع هدبها ولم تلبس بعد.


قال سهل:- ( أتدرون) بهمزة الاستفهام، ولأبوي ذر، والوقت: تدرون بإسقاطها ( ما البردة؟ قالوا: الشملة.
قال)
سهل: ( نعم) هي، وفي تفسيره بها تجوّز لأن البردة كساء، والشملة ما يشتمل به، فهي أعم.
لكن لما كان أكثر اشتمالهم بها أطلقوا عليها اسمها.

( قالت) أي: المرأة للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( نسجتها) أي: البردة ( بيدي) حقيقة أو مجازًا ( فجئت لأكسوكها فأخذها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( محتاجًا إليها) وعرف ذلك بقرينة حال، أو تقدم قول صريح ( فخرج) عليه الصلاة والسلام ( إلينا وإنها إزاره) وفي رواية هشام بن عمار، عن عبد العزيز عند ابن ماجة: فخرج إلينا فيها.
وعند الطبراني من رواية هشام بن سعد عن أبي حازم: فاتزر بها ثم خرج ( فحسنها) أي نسبها إلى الحسن، وللمصنف في اللباس، من طريق يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، فجسها بالجيم من غير نون ( فلان) هو عبد الرحمن بن عوف كما في الطبراني، فيما ذكره المحب الطبري في الأحكام له، لكن قال صاحب الفتح إنه لم يره في المعجم الكبير، ولا في مسند سهل، ولا عبد الرحمن، أو: هو سعد بن أبي وقاص، أو: هو أعرابي كما في الطبراني من طريق زمعة بن صالح عن أبي حازم، لكن زمعة ضعيف.
( فقال: اكسنيها ما أحسنها) بالنصب على التعجب.

( وقال القوم: ما أحسنت) نفي للإحسان ( لبسها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه ( محتاجًا إليها) وفي نسخة عند أبي ذر: محتاج، بالرفع بتقدير: هو ( ثم سألته) إياها ( وعلمت أنه لا يرد) سائلاً بل يعطيه، ما يطلبه ( قال: إني والله ما سألته) عليه الصلاة والسلام ( لألبسها) أي: لأجل أن ألبسها، وفي نسخة لألبسه، وهو الذي في الفرع وأصله ( إنما سألته) إياها ( لتكون كفني، قال سهل: فكانت كفنه) .

وعند الطبراني من طريق هشام بن سعد، قال سهل: فقلت للرجل: لم سألته وقد رأيت حاجته إليها؟ فقال: رأيت ما رأيتم، ولكني أردت أن أخبأها حتى أكفن فيها، فأفاد أن المعاتب له من الصحابة سهل بن سعد، وفي رواية أبي غسان، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفيه التبرك بآثار الصالحين، وجواز إعداد الشيء قبل وقت الحاجة إليه.

لكن، قال أصحابنا: لا يندب أن يعدّ لنفسه كفنًا لئلا يحاسب على اتخاذه أي: لا على اكتسابه، لأن ذلك مختصًّا بالكفن، بل سائر أمواله كذلك، ولأن تكفينه من ماله واجب، وهو يحاسب عليه بكل حال، إلاّ أن يكون من جهة حل، وأثر ذي صلاح، فحسن إعداده كما هنا، لكن لا يجب تكفينه فيه، كما اقتضاه كلام القاضي أبي الطيب وغيره، بل للوارث إبداله لأنه ينتقل للوارث، فلا يجب عليه ذلك.
ولو أعدّ له قبرًا يدفن فيه فينبغي أنه لا يكره، لأنه للاعتبار بخلاف الكفن، قاله الزركشي.

ورواة الحديث الأربعة مدنيون إلا عبد الله بن مسلمة، سكن البصرة.
وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه ابن ماجة في: اللباس.