فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إحداد المرأة على غير زوجها

باب حد الْمَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا
( باب حد المرأة) من مصدر الثلاثي، ولأبي ذر: إحداد المرأة.
( على) ميت ( غير زوجها) ثلاثة

أيام، لما يغلب عليها من لوعة الحزن، ويهجم من ألم الوجد من غير وجوب سواء كان الميت قريبًا أو أجنبيًّا، وهو لغة المنع، واصطلاحًا ترك التزين بالصبوغ من اللباس والخضاب والتطيب، والمشهور أنه بالحاء المهملة، ويروى الإجداد بالجيم من جددت الشيء قطعته لأنها انقطعت عن الزينة وما كانت عليه.


[ قــ :1232 ... غــ : 1279 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: "تُوُفِّيَ ابْنٌ لأُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها-، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ دَعَتْ بِصُفْرَةٍ فَتَمَسَّحَتْ بِهِ .

     وَقَالَتْ : نُهِينَا أَنْ نُحِدَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ إِلاَّ بِزَوْجٍ".

وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) قال ( حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة، ابن لاحق، قال: ( حدّثنا سلمة بن علقمة) التيمي ( عن محمد بن سيرين قال) :
( توفي ابن لأم عطية) نسيبة ( رضي الله عنها، فلما كان اليوم الثالث) ولأبي ذر، عن الحموي والكشميهني: يوم الثالث، بإضافة الصفة إلى الموصوف ( دعت بصفرة) بطيب فيه صفرة ( فتمسحت به، وقالت: نهينا) ورواه أيوب، مما أخرجه عبد الرزاق، والطبراني، عن ابن سيرين، عن أم عطية، بلفظ: قالت: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول، ... فذكر معناه ( أن نحد) على ميت ( أكثر من ثلاث) بلياليها، ونحد: بضم أوله وكسر ثانيه من الرباعي، وأن، مصدرية.
وحكي فتح أوله وكسر ثانيه وضمه من الثلاثي، ولم يعرف الأصمعي إلا الأول ( إلا بزوج) أي: بسببه وللكشميهني: إلا لزوج، باللام بدل الموحدة، وفي العدد من طريقه: إلا على زوج، وكلها بمعنى السببية.

ورواته بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والقول.




[ قــ :133 ... غــ : 180 ]
- حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قال حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ: "لَمَّا جَاءَ نَعْيُ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الشَّامِ دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ -رضي الله عنها- بِصُفْرَةٍ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا وَذِرَاعَيْهَا .

     وَقَالَتْ : إِنِّي كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا".
[الحديث 180 - أطرافه في: 181، 5334، 5339، 5345] .

وبه قال: ( حدّثنا الحميدي) بضم الحاء وفتح الميم، عبد الله بن الزبير القرشي، قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال: حدّثنا أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاصي الأموي ( قال: أخبرني) بالإفراد ( حميد بن نافع) بضم الحاء، أبو أفلح، بالفاء والحاء المهملة ( عن زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت ( أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومية، ربيبة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أمها أم المؤمنين: أم سلمة ( قالت) :

( لما جاء نعي) بسكون العين وتخفيف المثناة، ولأبي ذر: نعي: بكسر العين وتشديد المثناة، أي خبر موت ( أبي سفيان) صخر بن حرب ( من الشام) .

قال في الفتح: فيه نظر، لأن أبا سفيان مات بالمدينة بلا اختلاف بين العلماء، بالاخبار، والجمهور على أنه مات سنة اثنتين وثلاثين، وقيل سنة ثلاث، قال: ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييده بذلك إلا في رواية سفيان بن عيينة هذه، وأظنها وهمًا.
وعند ابن أبي شيبة، عن حميد بن نافع؛ جاء نعي لأخي أم حبيبة، أو حميم لها ... الحديث، فلا مانع من التعدد.

( دعت) بنت أبي سفيان ( أم حبيبة) رملة: أم المؤمنين ( رضي الله عنها بصفرة) نوع من الطيب فيه صفرة ( في اليوم الثالث، فمسحت عارضيها) هما جانبا الوجه فوق الذقن إلى ما تحت الأذن ( وذراعيها، وقالت: إني كنت عن هذا لغنية) فيه إدخال لام الابتداء على خبر كان الواقعة خبرًا لإن ( لولا أني سمعت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول) :
( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي على سبيل التأكيد ( أن تحد) بضم أوّله وكسر ثانيه ( على ميت فوق ثلاث) أي: ثلاث ليال، كما جاء مصرحًا به في رواية.
والوصف بالإيمان فيه إشعار بالتعليل، فإن من آمن بالله ولقائه لا يجترئ على مثله من العظائم ( إلا على زوج، فإنها تحد عليه) وجوبًا للإجماع على إرادته ( أربعة أشهر وعشرًا) من الأيام بلياليها، سواء في ذلك الصغيرة والكبيرة، والمدخول بها وذات الإقراء وغيرهما، وكذا الذمية.

وتقييد المرأة في الحديث بالإيمان بالله واليوم الآخر جرى على الغالب، فإن الذمية كذلك، ومثلها فيما يظهر: المعاهدة والمستأمنة.
وهذا مذهب الشافعية، والجمهور.

وقال أبو حنيفة، وغيره من الكوفيين، وأبو ثور، وبعض المالكية: لا يجب على الزوجة الكتابية، بل يختص بالمسلمة، لقوله: تؤمن ... الخ، وقد خالف أبو حنيفة قاعدته هنا في إنكاره المفاهيم، وكذا التقييد بأربعة أشهر وعشر، خرج على غالب المعتدات وإلاّ فالحامل بالوضع وعليها الإحداد سواء قصرت المدة أو طالت.

ورواته الثلاثة الأول مكيون، والرابع مدني، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول.




[ قــ :135 ... غــ : 181 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: "دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا".

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس، قال: ( حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح الحاء وسكون الزاي وعمرو، بفتح العين ( عن

حميد بن نافع)
هو: أبو أفلح ( عن زينب بنت أبي سلمة) أنها ( أخبرته، قالت) :
( دخلت على أم حبيبة، زوج النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: لما بلغها موت أبيها أبي سفيان، كما مر.
( فقالت: سمعت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) :
( لا يحل لامرأة) كبيرة أو صغيرة ( تؤمن بالله واليوم الآخر) هو من خطاب التهييج، لأن المؤمن هو الذي ينتفع بخطاب الشارع وينقاد له، فهذا الوصف لتأكيد التحريم لما يقتضيه سياقه، ومفهومه أن خلافه مناف للإيمان، كما قال تعالى: { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 3] فإنه يقتضي تأكيد أمر التوكل بربطه بالإيمان، وقوله ( تحد) بحذف أن الناصبة ورفع الفعل، مثل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.
( على ميت فوق ثلاث) من الليالي ( إلا على زوج) أي: فإنها تحد عليه ( بأربعة أشهر وعشرًا) .

فالظرف متعلق بمحذوف في المستثنى دل عليه الفعل المذكور في المستثنى منه، والاستثناء متصل، إن جعل بيانًا لقوله: فوق ثلاث، فيكون المعنى: لا يحل لامرأة أن تحد أربعة أشهر وعشرًا على ميت إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرًا.

وإن جعل معمولاً لتحد مضمرًا، فيكون منقطعًا أي: لكن تحد على ميت زوج أربعة أشهر وعشرًا.




[ قــ :135 ... غــ : 18 ]
- ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ، ثُمَّ قَالَتْ: مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا".
[الحديث 18 - طرفه في: 5335] .

قالت زينب بنت أبي سلمة: ( ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها) يحتمل، على بعد: أن يكون هو عبيد الله، بالتصغير، الذي مات كافرًا بالحبشة بعد أن أسلم، ولا مانع، أن يحزن المرء على قريبه الكافر، ولا سيما إذا تذكر سوء مصيره.
أو هو: أخ لها من أمها، أو: من الرضاع، وليس هو أخوها عبد الله بفتح العين، لأنه استشهد بأُحد، وكانت زينب إذ ذاك صغيرة جدًّا، ولا أخوها: أبو أحمد عبد، بغير إضافة، لأنه مات بعد أخته زينب بسنة، كما جزم به ابن إسحاق وغيره.

وقد استشكل التعبير: بثم، المقتضية للعطف على التراخي والتشريك في الحكم والترتيب، في قولها: ثم دخلت على زينب.
إذ مقتضاه أن تكون قصة زينب هذه بعد قصة أم حبيبة، وهو غير صحيح، لأن زينب ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح.

وأجيب: بأن في دلالة: ثم، على الترتيب خلافًا، ولئن سلمنا ضعف الخلاف، فإن ثم هنا

لترتيب الأخبار لا لترتيب الحكم، وذلك كما تقول: بلغني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعت أمس أعجب، أي: ثم أخبرك بأن الذي صنعته أمس أعجب.

( فدعت) أي: زينب بنت جحش ( بطيب فمست) زاد أبو ذر: به، أي: شيئًا من جسدها ( ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على المنبر) زاد أبو ذر: يقول:
( لا يحل لامرأة، تؤمن بالله واليوم الآخر، تحد) بحذف أن والرفع ( على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا) وهذا الحديث هو العمدة في وجوب الإحداد على الزوج الميت، ولا خلاف فيه في الجملة، وإن اختلف في بعض فروعه.

واستشكل بأن مفهومه: إلا على زوج فإنه يحل لها الإحداد، فأين الوجوب؟
وأجيب: بأن الإجماع على الوجوب، فاكتفي به، وأيضًا فإن في حديث أم عطية النهي الصريح عن الكحل، وعن لبس ثوب مصبوغ، وعن الطيب.
فلعله سند الإجماع.

وفي حديث أم سلمة عند النسائي، وأبي داود، قالت: قال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تلبس المتوفى عنها زوجها المعصفر من الثياب ... الحديث.
وظاهره أنه مجزوم على النهي.

وفي رواية لأبي داود: لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد أربعة أشهر وعشرًا فهذا أمر بلفظ الخبر إذ ليس المراد معنى الخبر، فهو على حد قوله تعالى: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 8] والمراد به الأمر اتفاقًا والله أعلم.