فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الصفوف على الجنازة

باب الصُّفُوفِ عَلَى الْجِنَازَةِ
( باب الصفوف على الجنازة) قال في المصابيح: هذه الترجمة على أصل الصفوف، والترجمة المتقدمة على عددها، وقال الزين بن المنير: أعاد الترجمة لأن الأولى لم يجزم فيها بالزيادة على الصفين.


[ قــ :1268 ... غــ : 1318 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَعَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَصْحَابِهِ النَّجَاشِيَّ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفُّوا خَلْفَهُ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا".

وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) قال: ( حدّثنا يزيد بن زريع) تصغير زرع، ويزيد من الزيادة قال: ( حدّثنا معمر) هو ابن راشد ( عن) ابن شهاب ( الزهري، عن سعيد) هو: ابن المسيب ( عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال) :

( نعى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إلى أصحابه النجاشي ثم تقدم) زاد ابن ماجة، من طريق عبد الأعلى، عن معمر فخرج بأصحابه إلى البقيع، والمراد بالبقيع: بقيع بطحان ( فصفوا خلفه، فكبر أربعًا) .

فإن قلت: ليس في هذا الحديث لفظ الجنازة إنما فيه الصلاة على غائب، أو: من في قبر، فلا مطابقة.

وأجيب: بأن المراد من الجنازة: الميت سواء كان مدفونًا أو غير مدفون، وإذا شرع الاصطفاف والجنازة غائبة ففي الحاضرة أولى.




[ قــ :169 ... غــ : 1319 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ أَتَى عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَصَفَّهُمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا.
قُلْتُ: يا أبا عمروٍ مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما".

وبه قال: ( حدّثنا مسلم) هو: ابن إبراهيم الفراهيدي البصري قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة، سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي ( عن الشعبي) عامر بن شراحيل ( قال: أخبرني) بالإفراد ( من شهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الصحابة ممن لم يسم، وجهالة الصحابي لا تضر في السند، وسبق في باب: وضوء الصبيان من كتاب الصلاة قبل كتاب الجمعة بلفظ: من مر مع النبي، وللترمذي: حدّثنا الشعبي قال: أخبرني من رأى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( أتى) ولأبي الوقت أنه أتى ( على قبر منبوذ) بتنوين قبر، موصوف بمنبوذ، بفتح الميم وسكون النون وضم الموحدة ثم ذال معجمة أي: منفرد عن القبور، ولأبي ذر: قبر منبوذ بغير تنوين على إضافة قبر إلى منبوذ أي: به لقيط منبوذ ( فصفهم) على القبر ( وكبر أربعًا) .

قال الشيباني: ( قلت) للشعبي ( يا أبا عمرو) بفتح العين ( من حدثك) بهذا؟ ( قال) حدثني ( ابن عباس رضي الله عنهما) .
ووجه مطابقته للترجمة: أن صفهم يدل على صفوف لكثرة الصحابة الملازمين له، عليه الصلاة والسلام، فلا يكون ذلك لا صفًا ولا صفين.




[ قــ :170 ... غــ : 130 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الْحَبَشِ، فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ.
قَالَ: فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِ وَنَحْنُ صُفُوفٌ".
قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ "كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي".

وبه قال: ( حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الرازي الصغير قال: ( أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني ( أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( أخبرهم، قال: أخبرني) بالإفراد ( عطاء) هو ابن أبي رباح ( أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري ( رضي الله عنهما، يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :

( قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش) بفتح الحاء المهملة والموحدة، قال في القاموس: الحبش والحبشة محركتين، والأحبش بضم الباء، جنس من السودان، ولأبي ذر، والأصيلي: من الحبش بضم المهملة وسكون الموحدة ( فهلم) بفتح الميم، أي: تعالوا ( فصلوا عليه) .

( قال: فصففنا) بفاءين ( فصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن صفوف) كذا ثبت في رواية المستملي: ونحن صفوف، وفي الفرع وأصله علامة السقوط على قوله: عليه، وعلى قوله: صفوف للأصيلي، وأبي ذر، وابن عساكر، وزاد أبو الوقت، عن الكشميهني معه، بعد قوله: ونحن.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فصففنا، وقال ابن حجر: إن زيادة المستملي: ونحن صفوف تصحح مقصود الترجمة.
اهـ.
وحينئذ فعلى رواية غيره لا مطابقة، فالأحسن قول الكرماني: فصففنا كما مر، والواو في قوله: ونحن صفوف، للحال.

( وقال أبو الزبير) بضم الزاي وفتح الموحدة، محمد بن مسلم بن تدرس، بفتح المثناة الفوقية وسكون الدال وضم الراء آخره سين مهملة مما وصله النسائي ( عن جابر) قال: ( كنت في الصف الثاني) يوم صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على النجاشي.
واستدلّ به على مشروعية الصلاة على الغائب، وبه قال الشافعي رحمه الله، وأحمد، وجمهور السلف.
حتى قال ابن حزم: لم يأت عن أحد من الصحابة منعه.

قال الشافعي، مما قرأته في سنن البيهقي: إنما الصلاة دعاء للميت، وهو إذا كان ملففًا ميتًا يصلّى عليه، فكيف لا ندعو له غائبًا أو في القبر بذلك الوجه الذي يدعى له به وهو ملفف؟ وأجاب القائلون بالمنع، وهم الحنفية والمالكية، عن قصة النجاشي: بأنه كان بأرض لم يصل عليه بها أحد، فتعينت عليه الصلاة لذلك، أو أنه خاص بالنجاشي لإرادة إشاعة أنه مات مسلمًا، أو استئلاف قلوب الملوك الذين أسلموا في حياته، فليس ذلك لغيره.
أو أنه كشف له، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عنه حتى رآه ولم بره المأمومون، ولا خلاف في جوازها وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه يحتاج إلى نقل، ولا يثبت بالاحتمال.
اهـ.

وقال ابن العربي: قال المالكية: ليس ذلك إلا لمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلنا: وما عمل به-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تعمل به أمته، يعني: لأن الأصل عدم الخصوصية.
قالوا: طويت له الأرض، وأحضرت الجنازة بين يديه، قلنا: إن ربنا لقادر، وإن نبينا لأهل لذلك.
ولكن لا تقولوا إلا ما رأيتم، ولا تخترعوا من عند أنفسكم، ولا تحدثوا إلا بالثابتات.
ودعوا الضعاف فإنها سبيل تلاف إلى ما ليس له تلاف.
اهـ.

وفي أسباب النزول للواحدي بغير إسناد عن ابن عباس، قال: كشف للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن سرير النجاشي حتى رآه وصلّى عليه.
ولابن حبان من حديث عمران بن حصين، فقام وصفوا خلفه وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه.
وقول المهلب: إنه لم يثبت أنه صلّى على ميت غائب غير النجاشي معارض بقصة معاوية بن معاوية المزني المروية من حديث أنس وأبي أمامة، ومن طريق سعيد بن

المسيب، والحسن البصري، مرسلة.
فأخرج الطبراني، ومحمد بن الضريس في فضائل القرآن، وسمويه في فوائده، وابن منده والبيهقي في الدلائل، كلهم من طريق محبوب بن هلال، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس بن مالك، قال: نزل جبريل على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا محمد! مات معاوية بن معاوية المزني أتحب أن تصلي عليه؟ قال: نعم، قال: فضرب بجناحيه، فلم تبق أكمة ولا شجرة إلاّ تضعضعت، فرفع سريره حتى نظر إليه، فصلّى عليه وخلفه صفان من الملائكة، كل صف سبعون ألف ملك فقال: يا جبريل بم نال هذه المنزلة؟ قال: بحب { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] .
وقراءته إياها: جائيًا وذاهبًا وقائمًا وقاعدًا وعلى كل حال.
ومحبوب قال أبو حاتم: ليس بالمشهور، وذكره ابن حبان في الثقات، وأول حديث ابن الضريس: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالشام ... ، وأخرجه ابن سنجر في مسنده، وابن الأعرابي، وابن عبد البر، وهو في فوائد حاجب الطوسي كلهم من طريق يزيد بن هارون، أخبرنا العلاء أبو محمد الثقفي، سمعت أنس بن مالك يقول: غزونا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزوة تبوك، فطلعت الشمس يومًا بنور وشعاع وضياء لم نره قبل ذلك، فعجب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من شأنها، إذ أتاه جبريل فقال: مات معاوية بن معاوية.
وذكر نحوه.

والعلاء أبو محمد هو: ابن زيد الثقفي واه، وأخرج نحوه ابن منده من حديث أبي أمامة، وأخرجه أبو أحمد والحاكم في فوائده، والطبراني في مسند الشاميين، والخلال في فضائل { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وأما طريق سعيد بن المسيب ففي فضائل القرآن لابن الضريس، وأما طريق الحسن البصري فأخرجها البغوي، وابن منده، فهذا الخبر قوي بالنظر إلى مجموع طرقه، وقد يحتج به من يجيز الصلاة على الغائب، لكن يدفعه ما ورد أنه رفعت الحجب حتى شاهد جنازته.

وحديث الباب فيه التحديث والإخبار والسماع والقول، وشيخ المؤلّف: رازي، وابن جريج وعطاء: مكيان، وأخرجه أيضًا في: هجرة الحبشة، ومسلم في: الجنائز، والنسائي في: الصلاة.