فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الصلاة على القبر بعد ما يدفن

باب الصَّلاَةِ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ مَا يُدْفَنُ
( باب) جواز ( الصلاة على القبر بعد ما يدفن) أي بعد دفن الميت، وإليه ذهب الجمهور ومنعه النخعي ومالك وأبو حنيفة، وعنهم: إن دفن قبل أن يصلّى عليه شرع، وإلا فلا.


[ قــ :1284 ... غــ : 1336 ]
- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ

قَالَ: "أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَأَمَّهُمْ وَصَلَّوْا خَلْفَهُ.
قُلْتُ: مَنْ حَدَّثَكَ هَذَا يَا أَبَا عَمْرٍو؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-".

وبالسند قال: ( حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم، قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( قال: حدّثني) ولأبي الوقت: أخبرني بالإفراد، ولأبي ذر أخبرنا ( سليمان الشيباني، قال: سمعت الشعبي) عامر بن شراحيل ( قال) :
( أخبرني) بالإفراد ( من مر مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على قبر منبوذ) بتنوين قبر، ومنبوذ صفة له أي: في ناحية عن القبور، ولأبي ذر: قبر منبوذ بغير تنوين على الإضافة، أي: قبر لقيط، ( فأمّهم) عليه الصلاة والسلام ( وصلوا خلفه) قال الشيباني: ( قلت) للشعبي: ( من حدثك هذا) الحديث ( يا أبا عمرو؟ قال) : حدّثني به ( ابن عباس، رضي الله عنهما) .

وفي الأوسط للطبراني، عن الشيباني: أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى عليه بعد ما دفن بليلتين، وقال: إن إسماعيل بن زكريا تفرد بذلك، ورواه الدارقطني من طريق هريم عن الشيباني، فقال بعد موته بثلاث، ومن طريق بشر بن آدم عن أبي عاصم، عن سفيان الثوري، عن الشيباني، فقال: بعد شهر، قال في فتح الباري: وهذه روايات شاذة، وسياق الطرق الصحيحة يدل على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في صبيحة دفنه.




[ قــ :185 ... غــ : 1337 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ أَسْوَدَ -رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً- كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَمَاتَ، وَلَمْ يَعْلَمِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَوْتِهِ، فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: مَا فَعَلَ ذَلِكَ الإِنْسَانُ؟ قَالُوا: مَاتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: أَفَلاَ آذَنْتُمُونِي؟ فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ كَذَا -وَكَذَا قِصَّتَهُ- قَالَ فَحَقَرُوا شَأْنَهُ.
قَالَ: فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ.
فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ".

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن الفضل) السدوسي البصري، الملقب: بعارم، بالعين والراء المهملتين ( قال: حدّثنا حماد بن زيد) هو: ابن درهم ( عن ثابت) هو البناني ( عن أبي رافع، عن أبي هريرة، رضي الله عنه) :
( أن أسود - رجلاً) بالنصب بدل من أسود، ويجوز الرفع: خبر مبتدأ محذوف ( أو امرأة - كان يقمّ المسجد) أي: يكنسه، ولأبي ذر: كان يقم في المسجد، وللأصيلي، وأبي الوقت، وابن عساكر: يكون في المسجد يقم المسجد ( فمات ولم يعلم النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بموته، فذكره ذات يوم) من إضافة المسمى إلى اسمه، أو لفظة: ذات، مقحمة ( فقال) عليه الصلاة والسلام:
( ما فعل ذلك الإنسان؟ قالوا) ولأبي ذر، والأصيلي: فقالوا ( مات يا رسول الله.
قال أفلا آذنتموني)
بالمد: أعلمتموني ( فقالوا: إنه كان كذا وكذا) زاد أبو ذر: وكذا ( -قصته-) بالنصب بتقدير

نحو: ذكروا، ويجوز الرفع، خبر مبتدأ محذوف، وسقط: قصته، ولأبي ذر، وابن عساكر، والأصيلي ( قال: فحقروا شأنه) لا ينافي ما سبق من التعليل، بأنهم كرهوا أن يوقظوه عليه الصلاة والسلام في الظلمة خوف المشقّة، إذ لا ينافي بين التعليلين ( قال) عليه الصلاة والسلام:
( فدلوني) بضم الدال ( على قبره فأتى قبره فصلّى عليه) أي: على القبر.
وهذا موضع الترجمة.
وفيه جواز الصلاة على القبر بعد الدفن سواء دفن قبلها أم بعدها.

نعم، لا تجوز الصلاة على قبور الأنبياء، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لخبر الصحيحين: عن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
ولحديث البيهقي: الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة، لكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور، وبأنا لم نكن أهلاً للفرض وقت موتهم.

وفي دلالة الحديث الأول على المدعى نظر، وأما الثاني فروي بمعناه أحاديث أخر، وكلها ضعيفة.
وقد روى عبد الرزاق في مصنفه، عقب بعضها، حديثًا مرفوعًا: مررت بموسى ليلة أسري بي، وهو قائم يصلّي في قبره.
قال الحافظ ابن حجر: وأراد بذلك ردّ ما رواه أوّلاً: قال: ومما يقدح في هذه الأحاديث، حديث: "صلاتكم معروضة عليّ" وحديث "أنا أول من تنشق عنه الأرض".

وإنما تجوز الصلاة على قبر غيرهم، وعلى الغائب عن البلد، لمن كان من أهل فرض الصلاة عليه وقت موته، ولا يقال: إن الصلاة على القبر من خصائصه، عليه الصلاة والسلام، لما زاده حماد بن سلمة عن ثابت في روايته، عند ابن حبان، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينوّرها بصلاتي عليهم، لأن في ترك إنكاره، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على من صلّى معه على القبر بيان جواز ذلك لغيره، وأنه ليس من خصائصه.
لكن قد يقال: إن الذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلاً للأصالة.