فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام

باب إِذَا أَسْلَمَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِيِّ الإِسْلاَمُ؟
وَقَالَ الْحَسَنُ وَشُرَيْحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ: إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَالْوَلَدُ مَعَ الْمُسْلِمِ.

وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- مَعَ أُمِّهِ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِيهِ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ.

     وَقَالَ : الإِسْلاَمُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى.

( باب) بالتنوين ( إذا أسلم الصبي فمات) قبل البلوغ ( هل يصلّى عليه) أم لا؟ ( وهل يعرض على الصبي الإسلام) .

( وقال الحسن) البصري، ( وشريح) بضم الشين المعجمة مصغرًا، مما أخرجه البيهقي عنهما ( و) قال: ( إبراهيم) النخعي ( وقتادة) ، مما وصله عبد الرزاق عنهما، ( إذا أسلم أحدهما) أي: أحد الوالدين ( فالولد مع المسلم) منهما.

( وكان ابن عباس، رضي الله عنهما: مع أمه) لبابة بنت الحرث الهلالية ( من المستضعفين) ، وهذا وصله المؤلّف في الباب، بلفظ: كنت أنا وأمي من المستضعفين، وهم الذين أسلموا بمكة، وصدهم المشركون عن الهجرة، فبقوا بين أظهرهم مستضعفين، يلقون منهم الأذى الشديد.
( ولم يكن) أي ابن عباس ( مع أبيه على دين قومه) المشركين.
وهذا قاله المصنف تفقهًا، وهو مبني على أن إسلام العباس كان بعد وقعة بدر، والصحيح أنه أسلم عام الفتح، وقدم مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فشهد الفتح.

( وقال: الإسلام يعلو ولا يعلى) مما وصله الدارقطني مرفوعًا، من حديث ابن عباس، فليس هو معطوفًا على ابن عباس.
نعم، ذكره ابن حزم في المحلى، من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إذا أسلمت اليهودية أو النصرانية يفرق بينهما، الإسلام يعلو ولا يعلى.


[ قــ :1301 ... غــ : 1354 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ -وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ الْحُلُمَ- فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ صَيَّادٍ: تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ.
فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرَفَضَهُ.

     وَقَالَ : آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ.
فَقَالَ لَهُ: مَاذَا تَرَى؟ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا.
فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ.
فَقَالَ: اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ.


فَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ".
[الحديث 1354 - أطرافه في: 3055، 6173، 6618] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عبدان) بفتح العين وسكون الموحدة، لقب عبد الله بن عثمان، قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( قال: أخبرني) بالإفراد ( سالم بن عبد الله) .

( أن ابن عمر) أباه ( رضي الله عنهما، أخبره) :
( أن) أباه ( عمر) بن الخطاب ( انطلق مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في رهط) قال في الصحاح: رهط الرجل: قومه وقبيلته.
والرهط: ما دون العشرة من الرجال، ولا يكون فيهم امرأة، ( قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة، أي: جهة ( ابن صياد) بفتح الصاد المهملة وبعد المثناة التحتية المشددة ألف ثم دال مهملة، واسمه: صافي، كقاضي، وقيل: عبد الله، وكان من اليهود، وكانوا حلفاء بني النجار، وكان سبب انطلاق النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إليه ما رواه أحمد من طريق جابر، قال: ولدت امرأة من اليهود غلامًا ممسوحة عينه، والأخرى طالعة ناتئة، فأشفق النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن يكون هو الدجال.
( حتى وجدوه) أي الرسول ومن معه من الرهط، والضمير المنصوب لابن صياد، ولأبي الوقت من غير اليونينية.
وجده بالإفراد أي: وجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن صياد، حال كونه ( يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة) بضم الهمزة والطاء، بناء من حجر كالقصر، وقيل، هو الحصن، ويجمع على آطام وبني مغالة، بفتح الميم والغين المعجمة الخفيفة، قبيلة من الأنصار ( وقد قارب ابن صياد الحلم) بضم الحاء واللام، أي: البلوغ ( فلم يشعر) أي: ابن صياد ( حتى ضرب النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بيده ثم قال لابن صياد) :
( تشهد أني رسول الله؟) بحذف همزة الاستفهام، فيه عرض الإسلام على الصبي الذي لم يبلغ، ومفهومه، أنه لم يصح إسلامه لما عرض -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإسلام على ابن صياد، وهو غير بالغ، ففيه مطابقة الحديث لجزأي الترجمة، كليهما.
ولأبي ذر: لابن صائد، بتقديم الألف على التحتية، وكلاهما كان يدعى به ( فنظر إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين) مشركي العرب، وكانوا لا يكتبون.
أو: نسبة إلى أم القرى، وفيه إشعار بأن اليهود الذين كان منهم ابن صياد كانوا معترفين ببعثة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن يدّعون أنها مخصوصة بالعرب، وفساد حجتهم واضح، لأنهم إذا أقروا برسالته استحال كذبه.
فوجب تصديقه في دعواه الرسالة إلى كافة الناس.

( فقال ابن صياد للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أتشهد) بإثبات همزة الاستفهام ( أني رسول الله؟ فرفضه) النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بالضاد المعجمة، أي: ترك سؤاله أن يسلم ليأسه منه، وفي رواية أبي ذر، عن المستملي: فرفصه، بالصاد المهملة.
وقال المازري: لعله: رفسه، بالسين المهملة، أي: ضربه برجله، لكن قال القاضي عياض: لم أجد هذه اللفظة بالصاد في جماهير اللغة.


وقال الخطابي: فرصه، بحذف الفاء، بعد الراء.
وتشديد الصاد المهملة، أي ضعثه حتى ضم بعضه إلى بعض.
ومنه: { بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4] وللأصيلي، مما في الفتح: فرقصه، بالقاف بدل الفاء، ولعبدوس: فوقصه بالواو والقاف.

( وقال) عليه الصلاة والسلام: ( آمنت بالله وبرسله) قال البرماوي، كالكرماني: مناسبة هذا الجواب لقول ابن صياد: أتشهد أني رسول الله، أنه لما أراد أن يظهر للقوم كذبه في دعواه الرسالة، أخرج الكلام مخرج الإنصاف، أي آمنت برسل الله، فإن كنت رسولاً صادقًا غير ملبس عليك الأمر، آمنت بك.
وإن كنت كاذبًا وخلط عليك الأمر فلا.
لكنك خلط عليك الأمر فاخسأ ثم شرع يسأله عما يرى، ( فقال له: ماذا ترى؟) وأراد باستنطاقه إظهار كذبه المنافي لدعواه الرسالة، ( قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب) أي أرى الرؤيا ربما تصدق، وربما تكذب.

قال القرطبي: كان ابن صياد على طريق الكهنة، يخبر بالخبر فيصح تارة، ويفسد أخرى، وفي حديث جابر عند الترمذي، فقال: أرى حقًّا وباطلاً، وأرى عرشًا على الماء.

( فقال) له ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خلط عليك الأمر) بضم الخاء المعجمة وتشديد اللام المكسورة، وروي تخفيفها، كما في الفرع وأصله، أي: خلط عليك شيطانك ما يلقي إليك.
( ثم قال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني قد خبأت لك) أي: أضمرت لك في صدري ( خبيئًا) بفتح الخاء المعجمة وكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية ثم همزة بوزن فعيل، ولأبي ذر: خبئًا، بفتح الخاء وسكون الموحدة، وإسقاط التحتية أي: شيئًا.
وفي حديث زيد بن حارثة، عند البزار، والطبراني في الأوسط: كان رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، خبأ له سورة الدخان، وكأنه أطلق السورة وأراد بعضها.
فعند أحمد في حديث الباب: وخبأ له { يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] .

( فقال ابن صياد: هو الدخ) بضم الدال المهملة ثم خاء معجمة.
وفي حديث أبي ذر، عند البزار، وأحمد: فأراد أن يقول: الدخان، فلم يستطع فقال الدخ.
اهـ.
أي: لم يستطع أن يتم الكلمة، ولم يهتد من الآية الكريمة إلا لهذين الحرفين، على عادة الكهان من اختطاف بعض الكلمات من أوليائهم من الجن، أو من هواجس النفس.

( فقال) له عليه الصلاة والسلام: ( اخسأ) بهمزة وصل آخره همزة ساكنة، لفظ يزجر به الكلب، ويطرد أي: اسكت صاغرًا مطرودًا ( فلن تعدو قدرك) بنصب تعدو: بلن، وفي بعض النسخ، مما حكاه السفاقسي: لن تعد، بغير واو فقيل: حذفت تخفيفًا، أو أنّ: لن، بمعنى: لا، أو: على لغة من يجزم بلن، وهي لغة حكاها الكسائي، وتعدو بالمثناة الفوقية: فقدرك، نصب أو: بالتحتية، فرفع أي: لا يبلغ قدرك أن تطالع بالغيب من قبل الوحي المخصوص بالأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، ولا من قبل الإلهام الذي يدركه الصالحون، وإنما قال ابن صياد ذلك، من شيء ألقاه أليه الشيطان، إما لكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تكلم بذلك بينه وبين نفسه، فسمعه الشيطان.
أو

حدّث -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعض أصحابه، بما أضمره.
ويدل لذلك قول عمر رضي الله عنه وخبأ له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
{ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] .

( فقال عمر) بن الخطاب، ( رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه) بجزم أضرب، كما في الفرع جواب الطلب، ويجوز الرفع ( فقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

( إن يكنه) كذا للكشميهني: يكنه.
بوصل الضمير، وهو خبر كان وضع موضع المنفصل، واسمها مستتر فيه، للباقين إن يكن هو، بانفصاله.
وهو الصحيح، لأن المختار في خبر كان الانفصال.
تقول: كان إياه، وهذا هو الذي اختاره ابن مالك في التسهيل، وشرحه تبعًا لسيبويه، واختار في ألفيته الاتصال.
وعلى رواية الفصل، فلفظ: هو، توكيد للضمير المستتر، وكان تامة أو وضع: هو، موضع إياه، أي: إن يكن إياه.
وفي مرسل عروة، عند الحرث بن أبي أسامة: إن يكن هو الدجال ( فلن تسلط عليه) بالجزم في الفرع، على لغة من يجزم لن.
كما مر وفي غيره بالنصب على الأصل.
وفي حديث جابر: فلست بصاحبه، إنما صاحبه عيسى ابن مريم ( وإن لم يكنه، فلا خير لك في قتله) .

فإن قلت: لِمَ لم يأذن عليه الصلاة والسلام في قتله مع ادعائه النبوة بحضرته؟
أجيب: بأنه كان غير بالغ، أو من جملة أهل العهد، وأنه لم يصرح بدعوى النبوة، وإنما أوهم أنه يدّعي الرسالة، ولا يلزم من دعوى الرسالة دعوى النبوّة، قال الله تعالى: { أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} الآية [مريم: 83] .

وقد اختلف في أن المسيح الدجال هو: ابن صياد، أو غيره.
ويأتي البحث في ذلك، إن شاء الله تعالى في محله.
والنافي لكونه هو، يحتج: بأن ابن صياد أسلم، وولد له، ودخل مكة والمدينة، ومات بالمدينة.
وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس، والله أعلم.

ورواة هذا الحديث ما بين: مروزي وأيلي ومدني، وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، والتحديث والإخبار، والعنعنة، والقول.
وأخرجه أيضًا في: بدء الخلق وأحاديث الأنبياء.
ومسلم في: الفتن.




[ قــ :1301 ... غــ : 1355 ]
- وَقَالَ سَالِمٌ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ، وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ، فَرَآهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، يَعْنِي فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ، أَوْ زَمْرَةٌ -فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادٍ: يَا صَافِ -وَهْوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ- هَذَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ".
.

     وَقَالَ  شُعَيْبٌ فِي حَدِيثِهِ:

فَرَفَصَهُ.
رَمْرَمَةٌ، أَوْ زَمْزَمَةٌ.
.

     وَقَالَ  وعُقَيلٌ: رَمْرَمَةٌ.
.

     وَقَالَ  مَعْمَرٌ: رَمْزَةٌ.
[الحديث 1355 - أطرافه في: 638، 3033، 3056، 6174] .

(وقال سالم) أي: ابن عبد الله بن عمر، بالإسناد الأول: (سمعت ابن عمر، رضي الله عنهما، يقول): ثم (انطلق بعد ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،) أي: بعد انطلاقه هو وعمر في رهط (وأبي بن كعب) معه (إلى النخل التي فيها ابن صياد، وهو) أي: والحال أنه عليه الصلاة والسلام (يختل) بفتح المثناة التحتية وسكون الخاء المعجمة وكسر الفوقية، أي: يستغفل (أن يسمع من ابن صياد شيئًا) من كلامه الذي يقوله في خلوته، ليعلم هو وأصحابه أهو كاهن أو ساحر؟ (قبل أن يراه ابن صياد، فرآه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو مضطجع) الواو للحال.
(يعني في قطيفة) كساء له خمل، وسقط: يعني في قطيفة، لأبي ذر، الله) أي: لابن صياد (فيها) أي: في القطيفة (رمزة) براء مهملة مفتوحة فميم ساكنة فزاي معجمة (أو زمرة) بالزاي المعجمة ثم الراء المهملة بعد الميم، على الشك في تقديم أحدهما على الآخر ولبعضهم: رمرمة أو زمزمة على الشك، هل هو: براءين مهملتين، أو: بزاءين معجمتين، مع زيادة ميم فيهما.
ومعناها كلها متقارب.
فالأولى من الرمز وهو الإشارة، والثانية من المزمار، والتي، بالمهملتين والميمين، فأصله من الحركة، وهي هنا بمعنى: الصوت الخفي.
وكذا التي بالمعجمتين.
وفي القاموس: أنه تراطن العلوج على أكلهم وهم صموت لا يستعملون لسانًا ولا شفة، لكنه صوت تديره في خياشيمها وحلوقها، فيفهم بعضها عن بعض.

(فرأت أم ابن صياد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو) أي والحال أنه (يتقي) أي: يخفي نفسه (بجذوع النخل) بضم الجيم والذال المعجمة، حتى لا تراه أم ابن صياد (فقالت لابن صياد) أمه: (يا صاف) بصاد مهملة وفاء مكسورة (-وهو: اسم ابن صياد- هذا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فثار ابن صياد) بالثاء المثلثة والراء آخره، أي: نهض من مضجعه بسرعة، وللكشميهني: فثاب، بالموحدة بدل الراء، أي: رجع عن الحالة التي كان فيها (فقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو تركته) أمه ولم تعلمه بمجيئنا (بين) أي: أظهر لنا من حاله ما نطلع به على حقيقة أمره.

(وقال شعيب) هو: ابن أبي حمزة الحمصي، مما وصله المؤلّف في: الأدب (في حديثه: فرفصه) بفاء بعد الراء فصاد مهملة، كذا في الفرع، وفي نسخة: فرضه، وكذا في رواية أبي ذر، بحذف الفاء وتشديد الضاد المعجمة، أي: ضعطه وضم بعضه إلى بعض.

وقال شعيب في حديثه أيضًا (رمرمة) براءين مهملتين وميمين (أو زمزمة) بمعجمتين على الشك، ولأبي ذر في الأولى: زمزمة بمعجمتين.

وسقط في رواية أبي ذر قوله في حديثه: فرفصه وثبت لغيره (وقال عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي مما وصله المؤلّف في: الجهاد: (رمرمة) براءين مهملتين وميمين، ولأبي ذر: رمزة بمهملة فميم ساكنة فزاي معجمة، وفي نسخة: وقال إسحاق الكلبي، مما وصله الذهلي في

الزهريات، وعقيل المذكور: رمرمة، بمهملتين، وسقطت رواية إسحاق عند المستملي.
والكشميهني، وأبي الوقت (وقال معمر) هو ابن راشد: "رمزة" براء مهملة فميم ساكنة فزاي معجمة، ولأبي ذر: (زمرة) بتقديم المعجمة على المهملة.




[ قــ :130 ... غــ : 1356 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ.
فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَأَسْلَمَ.
فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ".
[الحديث 1356 - طرفه في: 5656] .

وبه قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي البصري، قال: ( حدّثنا حماد، وهو: ابن زيد) بالواو ( عن ثابت) البناني ( عن أنس، رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي) قيل: اسمه عبد القدوس، فيما ذكره ابن بشكوال، عن حكاية صاحب العتبية ( يخدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فمرض، فأتاه النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،) حال كونه ( يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له) عليه الصلاة والسلام:
( أسلم) فعل أمر من الإسلام.
( فنظر) الغلام ( إلى أبيه، وهو عنده) وفي رواية أبي داود: عند رأسه ( فقال له) أبوه وسقط لأبي ذر لفظة: له ( أطع أبا القاسم، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأسلم) الغلام.
وللنسائي، عن إسحاق بن راهويه، عن سليمان المذكور، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ( فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من عنده ( وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه) بالذال المعجمة، أي: خلصه ونجاه بي ( من النار) .
ولله در القائل:
ومريض أنت عائده ... قد أتاه الله بالفرج
وفيه دليل على: أن الصبي إذا عقل الكفر ومات عليه يعذب.

وفيه ما ترجم له، وهو عرض الإسلام على الصغير، ولولا صحته منه ما عرضه عليه.




[ قــ :1303 ... غــ : 1357 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ: أَنَا مِنَ الْوِلْدَانِ، وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ".
[الحديث 1357 - أطرافه في: 4587، 4588، 4597] .

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال: قال عبيد الله) بضم العين مصغرًا، الليثي المكي.
ولأبي ذر عبيد الله بن أبي يزيد من الزيادة ( سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول) :
( كنت أنا وأمي) لبابة، أم الفضل ( من المستضعفين) من المسلمين الذين بقوا بمكة لصد المشركين، أو ضعفهم عن الهجرة، مستذلين ممتهنين، يلقون من الكفار شديد الأذى ( أنا من الولدان) الصبيان ( وأمي من النساء) .





[ قــ :1304 ... غــ : 1358 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ مُتَوَفًّى وَإِنْ كَانَ لِغَيَّةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلاَمِ، يَدَّعِي أَبَوَاهُ الإِسْلاَمَ أَوْ أَبُوهُ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَلَى غَيْرِ الإِسْلاَمِ، إِذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَلاَ يُصَلَّى عَلَى مَنْ لاَ يَسْتَهِلُّ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِقْطٌ، فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- كَانَ يُحَدِّثُ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ»؟ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الآيَةَ.
[الحديث 1358 - أطرافه في: 1359، 1385، 4775، 6599] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع، قال: ( أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة الحمصي ( قال: ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري.

( يصَلى على كل مولودٍ متوفى) بضم الميم وفتح التاء والواو والفاء المشددة، صفة لمولود ( وإن كان) أي المولود ( لغية) بكسر اللام وفتح الغين المعجمة وقد تكسر وتشديد المثناة التحتية، أي: لأجل غية، مفرد الغي ضد الرشد، وهو أعم من الكفر وغيره، يقال لولد الزنا: ولد الغية، يعني: وإن كان الولد لكافرة أو زانية ( من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام) أي ملته ( يدعي أبواه الإسلام) جملة حالية ( أو أبوه) يدّعي الإسلام ( خاصة، وإن كانت أمه على غير) دين ( الإسلام) لأنه محكوم بإسلامه تبعًا لأبيه، وهذا مصير من الزهري إلى تسمية الزاني أبًا لمن زنى بأمه، وأنه يتبعه في الإسلام، وهو قول مالك ( إذا استهل) أي: صاح عند الولادة ( صارخًا) حال مؤكدة من فاعل: استهل، والمراد: العلم بحياته بصياح أو غيره، كاختلاج بعد انفصاله ( صُلّي عليه) بضم الصاد، وكسر اللام لظهور أمارة الحياة فيه، والذي في اليونينية، إذا استهل صلي عليه صارخًا ( ولا يصلّى)
بفتح اللام ( على من لا يستهل) أو: لم يتحرك ( من أجل أنه سقط) بكسر السين وضمها وتفتح، أي: جنين سقط قبل تمامه.

نعم: إن بلغ مائة وعشرين يومًا فأكثر، حد نفخ الروح فيه، وجب غسله وتكفينه ودفنه، ولا تجب الصلاة عليه، بل لا تجوز لعدم ظهور حياته، وإن سقط لدون أربعة أشهر، وُوري بخرقة ودفن فقط.

( فإن أبا هريرة رضي الله عنه) الفاء للتعليل ( كان يحدّث قال النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما من مولود) من بني آدم ( إلا يولد على الفطرة) الإسلامية، ومن زائدة و: مولود، مبتدأ، ويولد خبره، أي: ما مولود يوجد على أمر من الأمور إلا على الفطرة ( فأبواه) الضمير للمولود، والفاء إما للتعقيب، أو للسببية، أو جزاء شرط مقدر، أي إذا تقرر ذلك، فمن تغير كان سبب تغيره أن أبويه ( يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه) إما بتعليمهما إياه وترغيبهما فيه، أو كونه تبعًا لهما في الذين يكون حكمه حكمهما في الدنيا، فإن سبقت له السعادة أسلم، وإلاّ مات كافرًا فإن مات قبل بلوغه الحلم

فالصحيح أنه من أهل الجنة، وقيل: لا عبرة بالإيمان الفطري في الدنيا، بل الإيمان الشرعي المكتسب بالإرادة والعقل، فطفل اليهوديين مع وجود الإيمان الفطري محكوم بكفره في الدنيا تبعًا لأبويه ( كما تتتج) بمثناتين فوقيتين، أولاهما مضمومة والأخرى مفتوحة، بينهما نون ساكنة ثم جيم، مبنيًّا للمفعول أي: تلد ( البهيمة بهيمة) نصب على المفعولية ( جمعاء) بفتح الجيم وسكون الميم ممدودًا، نعت لبهيمة، لم يذهب من بدنها شيء سميت بذلك لاجتماع أعضائها ( هل تحسون) بضم أوّله وكسر ثانيه أي: هل تبصرون ( فيها من جدعاء) ؟ بجيم مفتوحة ودال مهملة ساكنة ممدودًا، أي: مقطوعة الأذن أو الأنف أو الأطراف.
والجملة صفة أو حال.
أي: بهيمة مقولاً فيها هذا القول، أي: كل من نظر إليها قال هذا القول لظهور سلامتها.

وكما، في قوله: كما تنتج، في موضع نصب على الحال من الضمير المنصوب في: يهوّدانه، أي: يهوّدان المولود بعد أن خلق على الفطرة، حال كونه شبيهًا بالبهيمة التي جدعت بعد أن خلقت سليمة، أو هو صفة لمصدر محذوف، أي: يغيرانه مثل تغييرهم البهيمة السليمة والأفعال الثلاثة تنازعت في: كما، على التقديرين.

( ثم يقول أبو هريرة، رضي الله عنه) مما أدرجه في الحديث، كما بينه مسلم في رواية حيث قال: ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم ( -فطرة الله-) أي: خلقته، نصب على الإغراء، أو: المصدر لما دل عليه ما بعدها { الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] أي: خلقهم عليها، وهي: قبول الحق وتمكنهم من إدراكه، أو: ملة الإسلام فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أداهم إليه، لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية، كالتقليد.
وقيل: العهد المأخوذ من آدم وذريته يوم { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 17] وقد جزم في تفسير سورة الروم بأن الفطرة: الإسلام.
قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف.

وهذا الحديث منقطع، لأن ابن شهاب لم يسمع من أبي هريرة، بل لم يدركه، ولم يذكره المصنف للاحتجاج، بل لاستنباطه منه ما سبق من الحكم.

وقد ساقه المؤلّف من طريق أخرى، عنه عن أبي سلمة، فقال بالسند السابق:



[ قــ :1305 ... غــ : 1359 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ»؟ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} .

( حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان المروزي قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: ( أخبرنا

يونس)
بن يزيد الأيلي ( عن) ابن شهاب ( الزهري، قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ما من مولود إلا يولد على الفطرة) ظاهره تعميم الوصف المذكور في جميع المولودين، لكن حكى ابن عبد البر، عن قوم أنه: لا يقتضي العموم، واحتجوا بحديث أبي بن كعب، قال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الغلام الذي قتله الخضر طبعه الله يوم طبعه كافرًا.
وبما رواه سعيد بن منصور، يرفعه: إن بني آدم خلقوا طبقات، فمنهم من يولد مؤمنًا ويحيا مؤمنًا ويموت مؤمنًا، ومنهم من يولد كافرًا ويحيا كافرًا ويموت كافرًا.
ومنهم من يولد مؤمنًا ويحيا مؤمنًا ويموت كافرًا ومنهم من يولد كافرًا ويحيا كافرًا ويموت مؤمنًا قالوا: ففي هذا وفي غلام الخضر، ما يدل على أن الحديث ليس على عمومه.
وأجيب: بأن حديث سعيد بن منصور فيه: ابن جدعان وهو ضعيف، ويكفي في الرد عليهم حديث أبي صالح، عن أبي هريرة، عند مسلم: ليس مولود يولد إلا على الفطرة، حتى يعبر عنه لسانه، وأصرح منه رواية جعفر بن ربيعة بلفظ: كل بني آدم يولد على الفطرة.

( فأبواه يهودانه وينصرانه) ولأبي ذر: أو ينصرانه ( أو يمجسانه، كما تنتج) بضم أوله وفتح ثالثه، أي: تلد ( البهيمة بهيمة جمعاء) بالمد، نعت أي: تامة الأعضاء، وثبت: جمعاء لأبي ذر ( هل تحسون فيها من جدعاء؟) بالدال المهملة والمد، مقطوعة الأذن أو الأنف.

( ثم يقول أبو هريرة، رضي الله عنه) .
زاد مسلم: اقرؤوا إن شئتم { فطرة الله التي فطر الناس عليها} قال صاحب الكشاف، أي: الزموا فطرة الله، أو: عليكم فطرة الله، أي خلقهم قابلين للتوحد، ودين الإسلام لكونه على مقتضى العقل والنظر الصحيح، حتى إنهم لو تركوا وطباعهم لما اختاروا عليه دينًا آخر.
اهـ.
قال البرماوي: ولا يخفى ما فيه من نزعة اعتزالية، وقال أبو حيان في البحر: قوله: أو عليكم فطرة الله، لا يجوز لأن فيه حذف كلمة الإغراء.
ولا يجوز حذفها، لأنه قد حذف الفعل، وعوّض عليك منه، فلو جاز حذفه لكان إجحافًا إذ فيه حذف العوض والمعوّض منه ( { لا تبديل لخلق الله} ) استشكل هذا مع كون الأبوين يهودانه.
وأجيب: بأنه مؤول، فالمراد: ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة، أو: من شأنها أن لا تبدل، أو: الخبر بمعنى النهي ( { ذلك} ) إشارة إلى الذين المأمور بإقامة الوجه له، في قوله { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} [الروم: 30] أو: الفطرة إن فسرت بالملة { الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30] المستوي الذي لا عوج فيه.