فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما جاء في قاتل النفس

باب مَا جَاءَ فِي قَاتِلِ النَّفْسِ
( باب ما جاء) من الحديث ( في قاتل النفس) .


[ قــ :1309 ... غــ : 1363 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ».
[الحديث 1363 - أطرافه في: 4171، 4843، 6047، 6105، 6652] .

وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد، قال: ( حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي، مصغرًا، ويزيد من الزيادة، قال: ( حدّثنا خالد) الحذاء ( عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد ( عن ثابت بن الضحاك) الأنصاري الأشهلي ( رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) :
( من حلف بملة غير) ملة ( الإسلام) كاليهودية والنصرانية حال كونه ( كاذبًا) في تعظيم تلك الملة التي حلف بها، أو: كاذبًا في المحلوف عليه، لكن عورض بكون المحلوف عليه يستوي فيه كونه صادقًا أو كاذبًا، إذا حلف بملة غير ملة الإسلام، فالذم إنما هو من جهة كونه حلف بتلك الملة الباطلة، معظمًا لها، حال كونه ( متعمدًا) فيه دلالة لقول الجمهور: إن الكذب: الخبر غير المطابق للواقع، سواء كان عمدًا أو غيره، إذ لو كان شرطه التعمد لما قيد به هنا.
( فهو كما قال) أي: فيحكم عليه بالذي نسبه لنفسه، وظاهره الحكم عليه بالكفر إذا قال هذا القول.

ويحتمل أن يعلق ذلك بالحنث، لما روى بريدة مرفوعًا: من قال: أنا بريء من الإسلام، فإن كان كاذبًا فهو كما قال، وإن كان صادقًا يرجع إلى الإسلام سالمًا.
والتحقيق التفصيل، فإن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر، وعليه يحمل قوله: من حلف بغير الله فقد كفر، رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين.
وإن قصد حقيقة التعليق، فينظر، فإن كان أراد إن قصد حقيقة التعليق، فينظر، فإن كان أراد أن يكون متصفًا بذلك، كفر.
لأن إرادة الكفر كفر، وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر، لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيهًا؟ الثاني هو المشهور.
وليقل ندبًا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ويستغفر الله.

ويحتمل أن يكون المراد به التهديد والمبالغة في الوعيد، لا الحكم بأنه صار يهوديًّا، وكأنه قال: فهو مستحق لمثل عذاب ما قال، ومثله قوله عليه الصلاة والسلام: من ترك الصلاة فقد كفر، أي: استوجب عقوبة من كفر، وبقية مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في باب: الإيمان بعون الله وقوته.

( ومن قتل نفسه بحديدة) بآلة قاطعة: كالسيف، والسكين، ونحوهما.
وفي الإيمان: ومن قتل نفسه بشيء وهو أعم ( عذب به) أي: بالمذكور، وللكشميهني عذب بها أي: بالحديدة ( في نار

جهنم)
وهذا من باب مجانسة العقوبات الأخروية للجنايات الدنيوية، ويؤخذ منه: أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم، لأن نفسه ليست ملكًا له مطلقًا، بل هي لله، فلا ينصرف فيها إلا بما أذن له فيه، ولا يخرج بذلك من الإسلام، ويصلّى عليه عند الجمهور، خلافًا لأبي يوسف، حيث قال: لا يصلّى على قاتل نفسه.

وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في: الأدب، والإيمان، ومسلم في الإيمان، وكذا أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة في: الكفارات.




[ قــ :1309 ... غــ : 1364 ]
- وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ الْحَسَنِ "حَدَّثَنَا جُنْدَبٌ -رضي الله عنه- فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَمَا نَسِينَا وَمَا نَخَافُ أَنْ يَكْذِبَ جُنْدَبٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ اللَّهُ: بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ".
[الحديث 1364 - طرفه في: 3463] .

وبه قال ( وقال حجاج بن منهال) بكسر الميم، الأنماطي السلمي البصري، مما وصله المؤلّف في: ذكر بني إسرائيل، فقال: حدّثنا محمد قال: حدّثنا حجاج بن منهال، ومحمد هو ابن معمر، كذا نسبه ابن السكن عن الفربري وقيل: هو الذهلي، قال: ( حدّثنا جريج بن حازم) الأزدي البصري الثقة، لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، واختلط في آخر عمره، لكنه لم يسمع أحد منه في حال اختلاطه شيئًا، واحتج به الجماعة، ولم يخرج له المؤلّف عن قتادة إلا أحاديث يسيرة توبع فيها، ( عن الحسن) البصري قال:
( حدّثنا جندب) هو: ابن عبد الله بن سفيان البجلي ( رضي الله عنه، في هذا المسجد) المسجد البصري ( فما نسينا) أشار بذلك إلى تحققه لما حدث به، وقرب عهده به، واستمرار ذكره له ( وما نخاف أن يكذب جندب عن النبي) ولأبي ذر: على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلى أوضح يقال: كذب عليه، وأما رواية: عن، فعلى معنى النقل، وفيه إشارة إلى أن الصحابة عدول، وأن الكذب مأمون من قبلهم، خصوصًا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( قال) :
( كان برجل) أي فيمن كان قبلكم، قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه ( جراح) بكسر الجيم ( قتل) ولأبي ذر: فقتل ( نفسه) بسبب الجراح ( فقال الله) عز وجل: ( بدرني عبدي بنفسه) أي: لم يصبر حتى أقبض روحه من غير سبب له في ذلك، بل استعجل وأراد أن يموت قبل الأجل الذي لم يطلعه الله تعالى عليه، فاستحق المعاقبة المذكورة في قوله: ( حرمت عليه الجنة) لكونه مستحلاً لقتل نفسه، فعقوبته مؤبدة، أو حرّمتها عليه في وقت ما، كالوقت الذي يدخل فيه السابقون، أو: الوقت الذي يعذب فيه الموحدون في النار ثم يخرجون، أو: حرمت عليه جنة معينة، كجنة عدن مثلاً، أو ورد على سبيل التغليظ والتخويف، فظاهره غير مراد.
قال النووي: أو يكون شرع من مضى أن أصحاب الكبائر يكفرون بها.


وهذا الحديث أورده المؤلّف هنا مختصرًا، ويأتي إن شاء الله تعالى في: ذكر بني إسرائيل مبسوطًا.




[ قــ :1310 ... غــ : 1365 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ».
[الحديث 1365 - طرفه في: 5778] .

وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع، قال: (أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة، قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(الذي يخنق نفسه يخنقها في النار) بضم النون فيهما (والذي يطعنها يطعنها في النار) لأن الجزاء من جنس العمل، وقوله: يطعنها بضم العين فيهما، قال في الفتح: كذا ضبطه في الأصول، وجوّز غيره فيهما الفتح.

وهذا الحديث من أفراد المؤلّف من هذا الوجه، وأخرجه في الطب من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مطوّلاً.