فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي

باب الْمَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
( باب الميت) بإضافة باب لتاليه، ولأبي ذر: باب، بالتنوين، الميت ( يعرض عليه بالغداة) ولأبوي ذر، والوقت؛ مقعده بالغداة ( والعشي) أي: وقتهما.
لأن الموتى لا صباح عندهم ولا مساء.


[ قــ :1324 ... غــ : 1379 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
[الحديث 1379 - طرفاه في: 3240، 6515] .

وبالسند قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) الإمام ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( زضي الله عنهما، أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) :
( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي) أي: فيهما، ويحتمل أن يحيا منه جزء ليدرك ذلك، وتصح مخاطبته والعرض عليه أو العرض على الروح فقط، لكن ظاهر الحديث الأول؛ وهل العرض مرة واحدة بالغداة، ومرة أخرى بالعشي فقط؟ أو كل غداة وكل عشي؟ والأول موافق للأحاديث السابقة في سياق المسألة، وعرض المقعدين على كل واحد، ( إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة) ظاهره اتحاد الشرط والجزاء، لكنهما متغايران في التقدير، ويحتمل، أن يكون تقديره: فمن مقاعد أهل الجنة.
أي: فالمعروض عليه من مقاعد أهل الجنة، فحذف المبتدأ والمضاف المجرور بمن، وأقيم المضاف إليه مقامه.
وفي رواية مسلم، بلفظ: إن كان من أهل الجنة فالجنة، وإن كان

من أهل النار فالنار.
تقديره: فالمعروض الجنة أو المعروض النار، فاقتصر فيها على حذف المبتدأ، فهي أهل حذفًا.
أو المعنى: فإن كان من أهل الجنة فسيبشر بما لا يدرك كنهه، ويفوز بما لا يقدر قدره ( وإن كان من أهل النار) زاد أبو ذر: فمن أهل النار.
أي: فمقعده من مقاعد أهلها، يعرض عليه، أو: يعلم، بالعكس مما يبشر به أهل الجنة، لأن هذه المنزلة طليعة تباشير السعادة الكبرى، ومقدمة تباريح الشقاوة العظمى، لأن الشرط والجزاء إذا اتحدا، دل الجزاء على الفخامة، وفي ذلك تنعيم لمن هو من أهل الجنة، وتعذيب لمن هو من أهل النار، بمعاينة ما أعد له، وانتظاره ذلك إلى اليوم الموعود ( فيقال) له: ( هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة) ولمسلم: حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة.
بزيادة لفظة: إليه، لكن حكى ابن عبد البر، أن الأكثرين من أصحاب مالك رووه كالبخاري وابن القاسم، كرواية مسلم.

نعم، روى النسائي رواية ابن القاسم كلفظ البخاري، واختلف في الضمير: هل يعود على المقعد أي: هذا مقعدك تستقر فيه حتى تبعث إلى مثله من الجنة أو النار؟ ولمسلم، من طريق الزهري، عن سالم، عن أبيه، ثم يقال: هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة: أو الضمير يرجع إلى الله تعالى، أي: إلى لقاء الله تعالى، أو إلى المحشر أي: هذا الآن مقعدك إلى يوم المحشر، فيرى عند ذلك كرامة أو هوانًا ينسى عنده هذا المقعد، كقوله تعالى: { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص: 78] قال الزمخشري، أي إنك مذموم مدعوّ عليك باللعنة في السماوات والأرض إلى يوم الدين، فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما تنسى اللعن منه.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في: صفة النار، والنسائي في: الجنائز.