فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: ما أدي زكاته فليس بكنز

باب مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ»
هذا ( باب) بالتنوين ( ما أدّي زكاته فليس بكنز) هذا لفظ حديث رواه مالك عن ابن عمر موقوفًا وأبو داود مرفوعًا لكن بمعناه ( لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الحديث الآتي في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

( ليس فيما دون خمسة) بزيادة التاء وللأصيلي وأبي ذر خمس ( أواق) بغير ياء كقاض وجوار، ولأبي ذر: أواقي بإثباتها كأثفية وأثافي ويجوز تخفيف الياء وتشديدها ( صدقة) فليس بكنز لأنه لا صدقة فيه فإذا زاد شيء عليها ولم تؤد زكاته فهو كنز.


[ قــ :1350 ... غــ : 1404 ]
- وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-.
فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: أَخْبِرْنِي قَوْلَ اللَّهِ { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا فَوَيْلٌ لَهُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْرًا لِلأَمْوَالِ".
[الحديث 1404 - طرفه في: 4661] .

( وقال أحمد بن شبيب بن سعيد) بفتح الشين المعجمة وبموحدتين بينهما تحتية ساكنة.
وسعيد بكسر العين الحبطي بالحاء المهملة والموحدة المفتوحتين وبالطاء المهملة نسبة إلى الحبطات من بني تميم البصري من مشايخ المؤلّف وثقه أبو حاتم الرازي وكتب عنه ابن المديني.
وقال أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث غير مرضي لكن لا عبرة بقول الأزدي لأنه ضعيف فكيف يعتمد في تضعيف الثقات؟ وتعليقه هذا وصله أبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ عن محمد بن محمد بن يحيى الذهلي عن أحمد بن شبيب، ووقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني: حدّثنا أحمد بن شبيب بن سعيد قال: ( حدّثنا أبي) شبيب ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن خالد بن أسلم) هو أخو زيد بن أسلم ( قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنهما فقال) له ( أعرابي أخبرني قول الله) ولأبي ذر عن الكشميهني: عن قول الله ( { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} ) [التوبة: 34] ( قال ابن عمر: من كنزها فلم يؤدّ زكاتها) بإفراد الضمير والسابق اثنان كينفقولها على تأويل الأموال، أو يرجع الضمير إلى الفضة لأنها أكثر انتفاعًا في المعاملات من الذهب، أو اكتفى ببيان حكمها عن حكم الذهب ( فويل له) أي حزن وهلاك ومشقة وارتفاع ويل على الابتداء ( إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة) قال ابن بطال يريد بما قبل نزول الزكاة قوله تعالى: { ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219] أي ما فضل عن الكفاية فكانت الصدقة فرضًا بما فضل عن كفايته ( فلما أنزلت) أي الزكاة بعد الهجرة في السنة الثانية قبل فرض رمضان كما أشار إليه النووي في باب:

السير من الروضة.
وجزم ابن الأثير في التاريخ بأن ذلك كان في التاسعة وفيه نظر يطول استقصاؤه.
نعم، بعث العمال لأجل أخذ الصدقات كان في التاسعة وهو يستدعي سبق فرضية الزكاة ( جعلها الله طهرًا) أي مطهرة ( للأموال) وطهرًا لمخرجيها عن رذائل الأخلاق ونسخ حكم الكنز، لكن قال البرماوي: وإذا حمل لا ينفقونها على لا يؤدّون زكاتها فلا نسخ.

ورواة هذا الحديث ما بين بصري وأيلي ومدني وفيه رواية الابن عن الأب وتابعي عن تابعي عن صحابي، والتصدير بالقول والتحديث والعنعنة، وخالد من أفراده وليس له في الصحيح إلا هذا الحديث، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير، والنسائي في الزكاة.




[ قــ :1351 ... غــ : 1405 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ».
[الحديث 1405 - أطرافه في: 1447، 1459، 1484] .

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق بن يزيد) هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد من الزيادة أبو النضر الأموي مولاهم الفراديسي الشامي قال: ( أخبرنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي مولاهم البصري ثم الدمشقي ( قال:) عبد الرحمن ( الأوزاعي) ولأبي ذر: أخبرنا الأوزاعي قال: ( أخبرني) بالإفراد ( يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة.
وقد تعقب المؤلّف الدارقطني وأبو مسعود الدمشقي في هذا السند بأن إسحاق بن يزيد شيخ المؤلّف وهم في نسب يحيى بن أبي كثير وإنما هو يحيى بن سعيد مع الاختلاف على الأوزاعي فيه لأن عبد الوهاب بن نجدة رواه عن سعيد عن الأوزاعي قال: حدّثني يحيى بن سعيد.
ورواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن اليمان عن يحيى بن سعيد فاتفقا على أن يحيى هو ابن سعيد، وزاد الوليد بن مسلم رجلاً بين الأوزاعي ويحيى بن سعيد، ورواه داود بن رشيد وهشام بن خالد جميعًا عن شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى غير منسوب.
وأجاب الحافظ ابن حجر بأن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي تابع إسحاق بن يزيد عن شعيب بن إسحاق كما أخرجه أبو عوانة والإسماعيلي من طريقه وهو يدل على أنه عند شعيب على الوجهين لكن دلت رواية الوليد بن مسلم على أن رواية الأوزاعي عن يحيى بن سعيد بغير واسطة موهومة أو مدلسة، وأما رواية إسحاق بن يزيد عن شعيب فصحيحة صريحة لأنه قد صرح فيها بأن يحيى أخبره، فلهذا عدل المؤلّف إلى هذا واقتصر على طريق يحيى بن أبي كثير ( أن عمرو بن يحيى) بفتح العين ( ابن عمارة) بضمها المازني الأنصاري ( أخبره عن أبيه يحيى بن عمارة بن أبي الحسن) المازني المدني ( أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك الخدري ( رضي الله عنه يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( ليس فيما دون خمس أواق) بغير ياء كجوار من الفضة ( صدقة) والأوقية بضم الهمزة وتشديد الياء أربعون درهمًا بالنصوص المشهورة والإجماع كما قاله النووي في شرح المهذّب.
وروى الدارقطني بسند فيه ضعف عن جابر برفعه.
والوقية: أربعون درهمًا.
وعند أبي عمر من حديثه مرفوعًا أيضًا: الدينار أربعة وعشرون قيراطًا قال: وهذا وإن لم يصح سنده ففي الإجماع عليه ما يغني عن إسناده والاعتبار بوزن مكة تحديدًا والمثقال لم يختلف في جاهلية ولا إسلام وهو اثنان وسبعون شعيرة بالموحدة معتدلة بن تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال، وأما الدراهم فكانت مختلفة الأوزان وكان التعامل غالبًا في عصره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصدر الأول بعده بالدرهم البغلي نسبة إلى البغل لأنه كان عليها صورته وكان ثمانية دوانق، والدرهم الطبري نسبة إلى طبرية قصبة الأردن بالشام وتسمى بنصيبين وهو أربعة دوانق فجمعا وقسما درهمين كل واحد ستة دوانق، وقيل: إنه فعل زمن بني أمية وأجمع أهل ذلك العصر عليه.
وروى ابن سعد في الطبقات: أن عبد اللك بن مروان أول من أحدث ضربها ونقش عليها سنة خمس وسبعين.
وقال الماوردي: فعله عمر ومتى زيد على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا ومتى نقص من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهمًا وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهمًا وسُبعان ( وليس) ولأبى ذر: ولا ( فيما دون خمس ذود) من الإبل ( صدقة) وذود بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وبالدال المهملة.
قال ابن المنير: أضاف خمس إلى ذود وهو مذكر لأنه يقع على المذكر والمؤنث وأضافه إلى الجمع لأنه على المفرد والجمع، وأما قول ابن قتيبة: إنه يقع على الواحد فقط فلا يدفع ما نقله غيره أنه يقع على الجمع.
انتهى.
والأكثر على أن الذود من الثلاثة إلى العشرة لا واحد له من لفظه، وأنكر ابن قتيبة أن يراد بالذود الجمع، وقال: لا يصح أن يقال خمس ذود كما لا يصح أن يقال خمس ثوب، وغلطه العلماء في ذلك قال أبو حاتم السجستاني: تركوا القياس في الجمع فقالوا خمس ذود لخمس من الإبل كما قالوا ثلاثمائة على غير قياس.
قال القرطبي: وهذا صريح في أن الذود واحد في لفظه والأشهر ما قاله المتقدمون أنه لا يقصر على الواحد.
وقال في القاموس: من ثلاثة أبعرة إلى عشرة أو خمس عشرة أو عشرين أو ثلاثين أو ما بين الثنتين إلى التسع ولا يكون إلا من الإناث وهو واحد وجمع أو جميع لا واحد له أو واحد جمعه أذواد.
( وليس فيما دون خمس) بغير تاء، وللأربعة خمسة.
( أوسق) من تمر أو حب ( صدقة) والأوسق بفتح الهمزة وضم السين جمع وسق بفتح الواو وكسرها وهو ستون صاعًا.
والصاع: أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالبغدادي فالأوسق الخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي، ورطل بغداد على الأظهر مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم.




[ قــ :135 ... غــ : 1406 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ سَمِعَ هُشَيْمًا أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: "مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه-، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هَذَا؟ قَالَ: كُنْتُ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي { الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ مُعَاوِيَةُ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقُلْتُ: نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ، فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ، وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ -رضي الله عنه-

يَشْكُونِي، فَكَتَبَ إِلَىَّ عُثْمَانُ أَنِ اقْدَمِ الْمَدِينَةَ، فَقَدِمْتُهَا، فَكَثُرَ عَلَىَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ، فَقَالَ لِي: إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا.
فَذَاكَ الَّذِي أَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ، وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَىَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ".
[الحديث 1406 - طرفه في: 4660] .

وبه قال: ( حدّثنا علي) غير منسوب، ولأبي ذر: علي بن أبي هاشم واسم أبي هاشم عبيد الله الليثي البغدادي ويعرف عبيد الله بالطبراخ بكسر الطاء المهملة وسكون الموحدة وآخره خاء معجمة أنه ( سمع هشيمًا) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح الشين ابن القاسم بن دينار قال: ( أخبرنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين أبو الهذيل ( عن زيد بن وهب) بفتح الواو أبو سليمان الهمداني الجهني الكوفي التابعي الكبير أحد المخضرمين ( قال: مررت بالربذة) بفتح الراء الموحدة والذال المعجمة موضع على ثلاث مراحل من المدينة به قبر أبي ذر ( فإذا أنا بأبي ذر) جندب بن جنادة ( رضي الله عنه فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا) ؟ وإنما سأله زيد عن ذلك لأن مبغضي عثمان كانوا يشنعون عليه أنه نفى أبا ذر، وقد بين أبو ذر أن نزوله في ذلك المكان إنما كان باختياره كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.
( قال) : أبو ذر ( كنت بالشأم) أي بدمشق ( فاختلفت أنا ومعاوية) بن أبي سفيان وكان إذ ذاك عامل عثمان على دمشق ( في) من نزل قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] ( قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب) نظرًا إلى سياق الآية فإنها نزلت في الأحبار والرهبان الذين لا يؤتون الزكاة، قال أبو ذر: ( فقلت نزلت فينا وفيهم) نظرًا إلى عموم الآية ( فكان بيني وبينه في ذلك) وفي نسخة في ذاك نزاع، بل قيل: إنه كان كثير الاعتراض عليه والمنازعة له، وكان جيش معاوية يميل إلى أبي ذر وكان لا يخاف في الله لومة لائم.
( وكتب) معاوية رضي الله عنه لما خشي أن يقع بين المسلمين خلاف وفتنة ( إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني) إما بسبب هذه الواقعة الخاصة أو على العموم ( فكتب إلي عثمان) رضي الله عنه ( أن أقدم المدينة) بفتح الدال أما فعل مضارع فهمزته همزة قطع أو فعل أمر فتحذف في الوصل ( فقدمتها، فكثر علي الناس) أي يسألونه عن سبب خروجه من دمشق وعما جرى بينه وبين معاوية ( حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك فذكرت ذلك لعثمان فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريبًا) .
خشي عثمان على أهل المدينة ما خشيه معاوية على أهل الشأم ( فذاك الذي أنزلني هذا المنزل) .
بالنصب ( ولو أمروا علي) عبدًا ( حبشيًّا لسمعت) قوله ( وأطعت) أمره.
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى من طريق أبي حرب بن أبي الأسود عن عمه عن أبي ذر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: "كيف تصنع إذ أخرجت منه أي من المسجد النبوي" قال: آتي الشام.
قال: "كيف تصنع إذا أخرجت منها" قال: أعود إليه أي إلى المسجد.
قال: "كيف تصنع إذا خرجت منه؟ " قال: أضرب بسيفي.
قال: "ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدًا تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك".

وفي حديث الباب رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، ومناسبته للترجمة من جهة أن ما أدّي زكاته فليس بكنز ومفهوم الآية كذلك، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير وكذا النسائي.





[ قــ :1353 ... غــ : 1407 ]
- حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ "جَلَسْتُ".
ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلاَءِ بْنُ الشِّخِّيرِ أَنَّ الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: "جَلَسْتُ إِلَى مَلإٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ خَشِنُ الشَّعَرِ وَالثِّيَابِ وَالْهَيْئَةِ، حَتَّى قَامَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ثُمَّ يُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَزَلْزَلُ.
ثُمَّ وَلَّى فَجَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ.
وَتَبِعْتُهُ وَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَأَنَا لاَ أَدْرِي مَنْ هُوَ، فَقُلْتُ لَهُ: لاَ أُرَى الْقَوْمَ إِلاَّ قَدْ كَرِهُوا الَّذِي قُلْتَ.
قَالَ: إِنَّهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا".

وبه قال ( حدّثنا عياش) بالتحتية والشين المعجمة ابن الوليد الرقام البصري ( قال: حدّثنا عبد الأعلى) هو ابن عبد الأعلى السامي بالمهملة ( قال: حدّثنا الجريري) بضم الجيم وفتح الراء الأولى سعيد بن أبي إياس ( عن أبي العلاء) بفتح العين والهمز ممدودًا يزيد من الزيادة ابن الشخير المعافري ( عن الأحنف بن قيس) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة آخره فاء ( قال: جلست) قال المؤلّف: ( ح) .

( وحدّثني) بالإفراد ( إسحاق بن منصور) الكوسج المروزي قال: ( أخبرنا عبد الصمد) بن عبد الوارث ( قال: حدّثنا أبي) عبد الوارث قال: ( حدّثنا) سعيد ( الجريري) قال: ( حدّثنا أبو العلاء بن الشخير) بكسر الشين والخاء المعجمتين ( أن الأحنف بن قيس حدثهم) أردف المؤلّف هذا الإسناد بسابقه وإن كان أنزل منه لتصريح عبد الصمد بتحديث أبي العلاء للجريري والأحنف لأبي العلاء.
( قال) : أي الأحنف ( جلست إلى ملأ) أي جماعة ( من قريش فجاء رجل خشن الشعر) بفتح الخاء وكسر الشين المعجمتين من الخشونة.
وللقابسي: حسن بالمهملتين والأول هو الصحيح ( والثياب والهيئة حتى قام) أي وقف ( عليهم فسلم ثم قال: بشر الكانزين) { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] ولا يؤدون زكاتها.
( برضف) بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة آخره فاء حجارة محماة ( يحمى عليه) أي على الرضف.
ولأبي ذر: والأصيلي: عليهم ( في نار جهنم) بعدم الصرف للعجمة والعلمية أو عربي والمانع العلمية والتأنيث ( ثم يوضع) الرضف ( على حلمة ثدي أحدهم) بفتح لام حلمة وهي ما نشز من الثدي وطال ( حتى يخرج من نغض كتفه) بضم النون وسكون الغين المعجمة آخره ضاد معجمة ويسمى الغضروف وهو العظم الرقيق على طرف الكتف أو هو أعلاه، وأصل النغص الحركة فسمي به الشاخص من الكنف لأنه يتحرك من الإنسان في مشيه وتصرفه وكتفه بالإفراد، ( ويوضع) الرضف ( على نغص كتفه) بالإفراد ( حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل) أي يتحرك ويضطرب الرضف ( ثم ولّى) أدبر ( فجلس إلى سارية) اسطوانة ( وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو فقلت له: لا أرى) بضم الهمزة أي لا أظن ( القوم إلا قد كرهوا الذي قلت) لهم بفتح التاء خطاب لأبي ذر ( قال) أبو ذر: ( إنهم لا يعلقون شيئًا) فسره بجمعهم الدنيا كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.





[ قــ :1353 ... غــ : 1408 ]
- قَالَ لِي خَلِيلِي -قَالَ قُلْتُ: مَنْ خَلِيلُكَ؟ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ--: يَا أَبَا ذَرٍّ أَتُبْصِرُ أُحُدًا؟ قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَى الشَّمْسِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ، وَأَنَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرْسِلُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ، قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ.
وَإِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَعْقِلُونَ، إِنَّمَا يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا.
لاَ وَاللَّهِ، لاَ أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا وَلاَ أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ عز وجل".

(قال لي خليلي: قال): الأحنف (قلت من) ولأبي ذر: ومن (خليلك) زاد في نسخة يا أبا ذر (قال): أبو ذر: هو أي خليلي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقوله:
(يا أبا ذر أتبصر أحدًا)؟ الجبل المشهور معمول قال لي خليلي وحينئذ يستقيم الكلام ولا يقال فيه حذف خلافًا لابن بطال والزركشي وغيرهما حيث قالوا: أسقط قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جواب السائل من خليلك، أو قال النبي الثابتة جوابه وسقط قوله قال النبي يا أبا ذر، أو الساقط كما قاله في فتح الباري قال فقط من قوله قال: يا أبا ذر أتبصر؟ قال: وكأن بعض الرواة ظنها مكررة فحذفها ولا بد من إثباتها انتهى.
(قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار) قال البرماوي كالكرماني والزركشي والعيني أي أي شيء بقي منه وكأنهم جعلوها استفهامية.
قال البدر الدماميني: وليس المعنى عليه إنما المعنى فنظرت إلى الشمس أتعرف القدر الذي بقي من النهار وأنظر الذي بقي منه فهي موصولة (وأنا أرى) بضم الهمزة أي أظن (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرسلني في حاجة له.
قلت: نعم) جواب أتبصر أحدًا.
(قال: ما أحب أن لي مثل أُحد الجبل المشهور (ذهبًا) مثل اما اسم أن أو حال مقدمة على الخبر وذهبًا تمييز (أنققه) لخاصة نفسي (كله) أي مثل كل أحد ذهبًا (إلا ثلاثة دنانير) قال الكرماني: يحتمل أن هذا المقدار كان دينًا أو مقدار كفاية إخراجات تلك الليلة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهذا محمول على الأولوية لأن جمع المال وإن كان مباحًا لكن الجامع مسؤول عنه.
وفي المحاسبة خطر فكان الترك أسلم، وما ورد من الترغيب في تحصيله وإنفاقه في حقه محمول على من وثق بأنه يجمعه من الحلال الذي يأمن معه من خطر المحاسبة (وإن هؤلاء لا يعقلون) هو من قول أبي ذر عطفًا على قوله لا يعقلون شيئًا الأول وكرره للتأكيد وربط ما بعده به (إنما يجمعون الدنيا) بيان لعدم عقلهم كما مرّ (لا والله) ولأبي ذر عن الكشميهني: ولا الله (لا أسألهم دنيا) أي شيئًا من متاعها بل أقنع بالقليل وأرضى باليسير (ولا أستفتيهم عن دين) اكتفاء بما سمعه من العلم من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى ألقى الله عز وجل) فيه كثرة زهد أبي ذر، وقد كان مذهبه أنه يحرم على الإنسان ادخار ما زاد على حاجته.

وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والقول، ورواته كلهم بصريون، وأخرجه مسلم في الزكاة أيضًا.