فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب قول الله تعالى: {فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى} [الليل: 6] «اللهم أعط منفق مال خلفا»

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى *.
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقَ مَالٍ خَلَفًا
(باب قول الله تعالى: ({ فأما من أعطى} ) ماله لوجه الله ({ واتقى} ) محارمه ({ وصدق بالحسنى} ) أي بالمجازاة وأيقن أن الله سيخلفه أو بالكلمة الحسنى وهي كلمة التوحيد أو الجنة ({ فسنيسره} ) سنهيئه في الدنيا ({ لليسرى} ) للخلة التي توصله إلى اليسر والراحة في الآخرة يعني للأعمال الصالحة المسببة لدخول الجنة ({ وأما من بخل} ) بما أمر به من الإنفاق في الخيرات ({ واستغنى} ) بالدنيا عن العقبى ({ وكذب بالحسنى، فسنيسره} ) في الدنيا ({ للعسرى} ) [الليل: الآيات 5 - 10] للخلة المؤدّية إلى الشدة في الآخرة وهي الأعمال السيئة المسببة لدخول النار (اللهم أعط منفق مال خلفًا) بجر مال على الإضافة.
ولأبي الوقت من غير اليونينية.
منفقًا مالاً خلفًا بنصب مالاً مفعول منفق بدليل رواية الإضافة إذ لولاها لاحتمل أن يكون مفعول أعط والأوّل أولى من جهة أخرى وهي أن سياق الحديث للحض على إنفاق المال فناسب أن يكون مفعول منفق، وأما الخلف فإبهامه أولى ليتناول المال
والثواب فكم من منفق مال قل أن يقع له الخلف المالي فيكون خلفه الثواب المعدّ له في الآخرة أو يدفع عنه من السوء ما يقابل ذلك قاله في فتح الباري وهمزة أعط قطع والجملة عطف على قول الله بحذف حرف العطف ذكره على سبيل البيان للحسنى، فكأنه يشير إلى أن قول الله تعالى مبين بالحديث يعني تيسير اليسرى له إعطاء الخلف له قاله الكرماني.



[ قــ :1385 ... غــ : 1442 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا».

وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدَّثني) بالإفراد (أخي) أبو بكر اسمه عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن معاوية بن أبي مزرّد) بضم الميم وفتح الزاي المعجمة وكسر الراء المشددة آخره دال مهملتين واسمه عبد الرحمن (عن) عمه (أبي الحباب) بضم الحاء المهملة وبموحدتين بينهما ألف مخففًا سعيد بن يسار ضدّ اليمين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(ما من يوم يصبح العباد فيه) ينزل فيه أحد (إلا ملكان) فما بمعنى ليس ويوم اسمه ومن زائدة، ويصبح العباد صفة يوم، وملكان مستثنى من محذوف هو خبر ما أي ليس يوم موصوف بهذا الوصف ينزل فيه أحد إلا ملكان كما مر فحذف المستثنى منه ودل عليه بوصف الملكين (ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط) بقطع همزة أعط (منفقًا) ماله في طاعتك (خلفًا) بفتح اللام أي عوضًا كقوله تعالى: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه، وقوله: ابن آدم أنفق أنفق عليك.
(ويقول): الملك (الآخر اللهم أعط ممسكًا تلفًا) زاد ابن أبي حاتم من طريق قتادة عن أبي الدرداء فأنزل الله تعالى في ذلك { فأما من أعطى واتقى} إلى قوله: { العسرى} وقوله: اللهم أعط ممسكًا تلفًا هو من قبيل المشاكلة لأن التلف ليس بعطية وظاهره كما قال القرطبي: يعم الواجبات والمندوبات لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق الدعاء بالتلف: نعم، إذا غلب عليه البخل الذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج ما أمر به إذا أخرجه.

ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وأخرجه مسلم في الزكاة والنساني في عشرة النساء، وكذا أخرجه من حديث أبي الدرداء أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه، والبيهقي من طريق الحاكم بلفظ: ما من يوم طلعت فيه شمسه إلا وكان بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ولا آبت الشمس إلا وكان بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين اللهم أعط منفقًا خلفًا وأعط ممسكًا تلفًا، وأنزل الله في ذلك قرآنًا في قول الملكين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم في سورة يونس: { والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [يونس: 25] وأنزل الله في قولهما اللهم أعط منفقًا خلفًا وأعط ممسكًا تلفًا { والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى} إلى قوله: { للعسرى} [الليل: 1 - 10] وقوله بجنبتيها تثنية جنبة بفتح الجيم وسكون النون وهي الناحية.