فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: صدقة الفطر على الحر والمملوك

باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الْمَمْلُوكِينَ لِلتِّجَارَةِ: يُزَكَّى فِي التِّجَارَةِ، وَيُزَكَّى فِي الْفِطْرِ
(باب) وجوب (صدقة الفطر على الحرّ والمملوك) سبق قبل خمسة أبواب باب صدقة الفطر على

العبد وغيره لكنه قيدها في رواية غير ابن عساكر بالمسلمين وأسقط ذلك هنا.
قال الزين المنير: غرضه من الترجمة الأولى أن الصدقة لا تخرج عن كافر ولذا قيدها بقوله من المسلمين، وغرضه من هذه تمييز من تجب عليه أو عنه بعد وجود الشرط المذكور وهو الإسلام ولذا استغنى عن ذكره هنا فيها.

(قال: الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (في المملوكين) بكسر الكاف حال كونهم (للتجارة: يزكي) بفتح الكاف مبنيًا للمفعول أو بكسرها مبنيًا للفاعل أي يؤدي الزكاة (في التجارة)، زكاة قيمتهم آخر الحول (ويزكي) بفتح الكاف أو بكسرها كما مرّ أيضًا (في) زكاة (الفطر) زكاة أبدانهم وهذا قول الجمهور.
وقال الحنفية: لا يلزم السيد زكاة الفطر عن عبيد التجارة إذ لا يلزم في مال واحد زكاتان.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا التعليق وصله ابن المنذر ولم أقف على إسناده وذكر بعضه أبو عبيد في كتاب الأموال.


[ قــ :1451 ... غــ : 1511 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "فَرَضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَقَةَ الْفِطْرِ -أَوْ قَالَ: رَمَضَانَ- عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُعْطِي التَّمْرَ، فَأَعْوَزَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنَ التَّمْرِ فَأَعْطَى شَعِيرًا، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى إِنْ كَانَ يُعْطِي عَنْ بَنِيَّ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا.
وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ".

وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضلَ السدوسيّ البصري الملقب بعارم بالعين والراء المهملتين قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الجهضمي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- قال: فرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صدقة الفطر -أو قال-:) صدقة (رمضان) شك الراوي في المقول منهما وكلاهما صحيح لتعليق الصدقة بهما، وفي رواية في الصحيحين الجمع بينهما وهي فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زكاة الفطر من رمضان (على الذكر والأنثى والحر والمملوك) قنا كان أو مدبرًا أو أم ولد أو معلق العتق بصفة ولو آبقًا ومغصوبًا ومؤجرًا ومرهونًا يؤدّيها السيد عنه (صاعًا من تمر وصاعًا من شعير)، أما المكاتب فلا فطرة عليه لضعف ملكه ولا على سيده عنه لنزوله منه منزلة الأجنبي، وأما المبعض فقال الشافعي: يخرج هو من الصاع بقدر حريته وسيده بقدر رقه وهو إحدى الروايتين عن أحمد، والمشهور عند المالكية أن على المالك بقدر نصيبه ولا شيء على العبد، وقال أبو حنيفة: لا شيء فيه عليه ولا على السيد (فعدل الناس به) أي بصاع التمر أي جعلوا مثله (نصف صاع من برّ)، ولما كان الكلام متضمنًا ترك المعدول عنه أدخل الباء عليه لأنها تدخل على المتروك ففي الباء معنى البدلية، والمراد بالناس معاوية ومن معه كما مرّ لا جميع الناس حتى يكون إجماعًا كما نقل عن أبي حنيفة أنه استدلّ به وقد مر ما فيه، (فكان ابن عمر يعطي التمر)
وفي رواية مالك في الموطأ عن نافع: كان ابن عمر لا يخرج إلا التمر في زكاة الفطر إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرًا (فأعوز) بفتح الهمزة والواو بينهما عين مهملة ساكنة آخره زاي أي احتاج، ولأبي ذر: فأعوز بضم الهمزة وكسر الواو (أهل المدينة من التمر) فلم يجدوه (فأعطى شعيرًا) وهو يدل على أن التمر أفضل ما يخرج في صدقة الفطر، ومذهب الشافعية أن الواجب جنس القوت المعشر وكذا الأقط لحديث أبي سعيد السابق وفي معناه اللبن والجبن فيجزئ كل من الثلاثة لمن هو قوته ولا يجزئ المخيض والمصل والسمن والجبن المنزوع الزبد لانتفاء الاقتيات بها ولا المملح من الأقط الذي أفسد كثرة الملح جوهره، ويجب من غالب قوت بلده فأوفى قوله في الحديث صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير ليست للتخيير بل لبيان الأنواع التي يخرج منها وذكرًا لأنهما الغالب في قوت أهل المدينة، وجاءت أحاديث أخرى بأجناس أخرى فعند الحاكم: أو صاعًا من قمح، ولأبي داود والنسائي: أو سلت، وللمؤلّف وغيره كما سبق: أو زبيب أو أقط وكلها محمولة على أنها غالب أقوات المخاطبين بها ويجزئ الأعلى عن الأدنى ولا عكس، والاعتبار بزيادة الاقتيات في الأصح فالبرّ خير من التمر والأرز، والشعير خير من التمر لأنه أبلغ في الاقتيات، والتمر خير من الزبيب.
وقال الحنفية: يتخير بين البرّ والدقيق والسويق والزبيب والتمر، والدقيق أولى من البرّ، والدراهم أولى من الدقيق فيما يروى عن أبي يوسف.
وقال المالكية: من أغلب قوت المزكي أو قوت البلد الذي هو فيه من معشر وهو القمح والشعير والأرز والذرة والدخن والتمر والزبيب والأقط غير العلس إلا أن يقتات غير المعشر والأقط كالتين والقطاني والسويق واللحم واللبن فإنه يخرج منه على المشهور.

قال نافع: (فكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- (يعطي) زكاة الفطر (عن الصغير والكبير حتى إن كان يعطي) الفطرة (عن بني) بفتح الموحدة وكسر النون وتشديد التحتية أي الذين رزقهم وهو في الرق أو بعد أن أعتق على سبيل التبرع أو كان يرى وجوبها على جميع من يمونه ولو لم تكن نفقته واجبة عليه، وهمزة إن مكسورة ومفتوحة فقال الكرماني: شرط المكسورة اللام في الخبر أي نحو: { وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} [البقرة: 143] والمفتوحة قد ونحوه وأجاب بأنهما مقدّرتان أو تجعل أن مصدرية وكان زائدة اهـ.

وتعقبه العينى فقال: هذا تعسف والأوجه أن يقال: إن أن مخففة من الثقيلة وأصله حتى أنه كان أي حتى أن ابن عمر كان يعطي.
وأجاب في المصابيح عن اللام بأنه إذا دل على قصد الإثبات جاز تركها كقوله:
إن كنت قاضي نحبي يوم بينكم ... لو لم تمنوا بوعد يوم توديع
إذ المعنى فيه لا يستقيم إلا على إرادة الإثبات، والدليل في الحديث موجود لأنه قال: وكان ابن عمر يعطى عن الصغير والكبير وغياه بقوله: حتى إن كان يعطي عن بني ولا تأتي الغاية مع

قصد النفي أصلاً انتهى.
لكن ثبت في رواية أبي ذر كما في اليونينية: ليعطي باللام ولم يضبط الهمزة إلا بالكسر وصحح عليها.

قال نافع: "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يعطيها) أي زكاة الفطر (الذين يقبلونها) أي الذين تجتمع عندهم ويتولون تفرقتها صبيحة العيد لأنه السنة قاله ابن بطال أو الذين يدّعون الفقر من غير أن يتجسس، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يقبلون بإسقاط ضمير المفعول (وكانوا) أي الناس (يعطون) بضم أوّله وثالثه أي صدقة الفطر (قبل) يوم (الفطر بيوم أو يومين) فيه جواز تقديمها قبل يوم العيد فله تعجيلها من أوّل رمضان ليلاً والصحيح منعه قبل رمضان لأنه تقديم على السبب.