فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب سقاية الحاج

باب سِقَايَةِ الْحَاجِّ
( باب) ما جاء في ( سقاية الحاج) مصدر سقي والمراد ما كانت قريش تسقيه الحاج من الزبيب المنبوذ في الماء وكان يليها العباس بن عبد المطلب بعد أبيه في الجاهلية، فأقرّها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له في الإسلام فهي حق لآل العباس أبدًا.


[ قــ :1565 ... غــ : 1634 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رضي الله عنه- رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ".
[الحديث 1634 - أطرافه في: 1743، 1744، 1745] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) واسمه حميد الصيرفي ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي قال: ( حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض الليثي المدني قال: ( حدّثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ( عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال) :
( استأذن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبيت بمكة ليالي منى) ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر "من أجل سقايته"، أي بسببها "فأذن له" فيه دليل على وجوب المبيت بمنى في الليالي الثلاث لغير معذور كاهل السقاية إلا أن ينفر في ثاني أيامها فيسقط مبيت الثالثة، والمراد معظم الليل كما لو حلف لا يبيت بمكان لا يحنث إلا بمبيته معظم الليل فيجب بتركه دم، وفي ترك مبيت الليلة الواحدة مدّ والليلتين مدّان من الطعام.
أما أهل السقاية ولو كانوا غير عباسيين والرعاء فلهم ترك المبيت من غير دم لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص للعباس كما مرّ ولرعاء الإبل كما رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وقال الحنفية: المبيت بمنى ستّة لأنه لو كان واجبًا لما رخص في تركه لأهل السقاية.
وأجابوا عن قول الشافعية لولا أنه واجب لما احتاج إلى إذن بأن مخالفة السنّة عندهم كان مجانبًا جدًّا خصوصًا إذا انضم إليها الإنفراد عن جميع الناس مع الرسول عليه الصلاة

والسلام فاستأذن لإسقاط الإساءة الكائنة بسبب عدم موافقته عليه الصلاة والسلام لا فيه من إظهار المخالفة المستلزمة لسوء الأدب، إذ أنه عليه الصلاة والسلام كان يبيت بمنى ليالي أيام التشريق.




[ قــ :1566 ... غــ : 1635 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى.
فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا.
فَقَالَ: اسْقِنِي.
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ.
قَالَ: اسْقِنِي.
فَشَرِبَ مِنْهُ.
ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا فَقَالَ؛ اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ.
ثُمَّ قَالَ: لَوْلاَ أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ.
يَعْنِي عَاتِقَهُ.
وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ".

وبه قال: ( حدّثنا إسحاق) هو ابن شاهين الواسطي لا ابن بشر قال: ( حدّثنا خالد) الطحان ( عن خالد الحذاء عن عكرمة) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء إلى السقاية) التي يسقى بها الماء في الموسم وغيره ( فاستسقى) طلب الشراب ( فقال العباس) لولده: ( يا فضل اذهب إلى أمك) أم الفضل لبابة بنت الحرث الهلالية ( فأت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشراب من عندها فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( استقني: قال: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه: قال) عليه الصلاة والسلام تواضعًا وإرشادًا إلى أن الأصل الطهارة والنظافة حتى يتحقق أو يظن ما يخالف الأصل: ( اسقني) زاد الطبراني مما يشرب منه الناس، وزاد أبو علي بن السكن في روايته فناوله العباس الدلو ( فشرب منه) زاد الطبراني فذاقه فقطب ثم دعا بماء فكسره ثم قال: "إذا اشتد نبيذكم فاكسروه بالماء" وتقطيبه عليه الصلاة والسلام منه إنما كان لحموضته فقط وكسره بالماء ليهون شربه عليه، ( ثم أتى) عليه الصلاة والسلام ( زمزم وهم يسقون) الناس والجملة، حالية ( ويعملون فيها) أي ينزحون منها الماء ( فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: ( اعملوا فإنكم على عمل صالح) ( ثم قال) عليه الصلاة والسلام: ( لولا أن تغلبوا) بضم المثناة الفوقية وفتح اللام مبنيًا للمفعول.
أي: لولا أن يجتمع عليكم الناس إذا رأوني قد عملته لرغبتهم في الاقتداء بي فيغلبوكم بالمكاثرة ( لنزلت) عن راحلتي ( حتى أضع الحبل على هذه يعني) عليه الصلاة والسلام ( عاتقه وأشار) بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه ( إلى عاتقه) وفيه إشارة إلى أن السقايات العامة كالآبار والصهاريج يتناول منها الغني والفقير إلا أن ينص على إخراج الغني لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تناول من ذلك الشراب العام وهو لا يحل له الصدقة فيحمل الأمر فيه هذه السقايات على أنها موقوفة للنفع العام، فهي للغني هدية وللفقير صدقة، وفيه أيضًا كراهة التقذر والتكره للمأكولات والمشروبات.

وموضع الترجمة منه قوله: جاء إلى السقاية.