فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الطواف على وضوء

باب الطَّوَافِ عَلَى وُضُوءٍ
( باب الطواف على وضوء) وهو شرط عند الجمهور لا يصح الطواف بدونه كالطهارة من الخبث وشر العورة لحديث الترمذي: الطواف بالبيت صلاة، فيدل على اشتراط ما ذكر فيه لأنه شبهه بها وليس بين ذاتيهما شيء من المشابهة لأن ذات الطواف وهو الدوران مما تنتفي به ذات الصلاة، فيكون المراد أن حكمه حكم الصلاة ومن حكمها عدم الاعتداد بدون الطهارة.
وقال الحنفية: وتجب الطهارة عن الحدثين والحيض والنفاس للطواف في الأصح وليست بشرط للجواز ولا فرض بل واجبة حتى يجوز الطواف بدونها ويقع معتدًا به، ولكن يكون مسيئًا وتجب الدّية، فإن طاف للقدوم أو للصدر محدثًا تجب صدقة وجنبًا دم، وللزيادة محدثًا دم وجنبًا بدنة، وتستحب الإعادة ما دام بمكة في الحديث ويجب في الجنابة حتى إذا رجع إلى أهله فعليه أن يعود إلى مكة بإحرام جديد.


[ قــ :1572 ... غــ : 1641 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْقُرَشِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ "قَدْ حَجَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ -رضي الله عنها- أَنَّهُ أَوَّلُ شَىْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً.
ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَكَانَ أَوَّلَ شَىْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً.
ثُمَّ عُمَرُ -رضي الله عنه- مِثْلُ ذَلِكَ.
ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ -رضي الله عنه-، فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَىْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ.
ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي -الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ- فَكَانَ أَوَّلَ شَىْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ.
ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ.
ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُضْهَا عُمْرَةً.
وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ فَلاَ يَسْأَلُونَهُ وَلاَ أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَىْءٍ حَتَّى يَضَعُوا أَقْدَامَهُمْ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لاَ يَحِلُّونَ.
وَقَدْ رَأَيْتُ أُمِّي وَخَالَتِي حِينَ تَقْدَمَانِ لاَ تَبْتَدِئَانِ بِشَىْءٍ أَوَّلَ مِنَ الْبَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ ثُمَّ لاَ تَحِلاَّنِ".


وبالسند قال: ( حدّثنا أحمد بن عيسى) التستري المصري الأصل قال: ( حدّثنا ابن وهب) عبد الله ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عمرو بن الحرث) بفتح العين وسكون الميم ( عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي أنه سأل عروة بن الزبير) بن العوّام حذف المؤلّف المسؤول عنه وقد بينه مسلم فقال: إن رجلاً من العراق قال لي سل عروة عن رجل يهل بالحج فإذا طاف يحل أم لا؟ فإن قال لك لا يحل فقل له إن رجلاً يقول ذلك فسألته فقال: لا يحل من أهل بالحج إلا بالحج.
قلت: فإن كان رجلاً كان يقول ذلك.
قال: بئسما قال.
فتصدى ليس الرجل فسألني فحدثته قال: فقل له أن رجلاً كان يخبر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد فعل ذلك وما شأن أسماء والزبير فعلاً ذلك، فجئت عروة فذكرت له ذلك فقال: من هذا؟ فقلت: لا أدري.
فقال: ما باله لا يأتيني بنفسه يسألني أظنه عراقيًا.
قلت: لا أدري.
قال: فإنه قد كذب ( فقال: قد) ضبب في اليونينية على لفظ قد ( حج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرتني عائشة -رضي الله عنها-) الفاء في فأخبرتني كالتفصيل للمجمل يعني فأخبر عروة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد حج ثم فصله بأخبار عائشة ( أن أول شيء بدأ به حين قدم) مكة ( أنه توضأ ثم طاف بالبيت) ليس فيه دلالة على اشتراط الوضوء إلا إذا انضم إليه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "خذوا عني مناسككم" المروي في مسلم ( ثم لم تكن عمرة) ، بالرفع على أن كان تامة أي لم توجد بعد الطواف عمرة، ولغير أبي ذر: عمرة بالنصب على أنها ناقصة، ( ثم حج أبو بكر) الصديق، ( -رضي الله عنه- فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت) بنصب أول خبر كان ورفع الطواف اسمها ( ثم لم تكن عمرة) بعد الطواف وعمرة بالرفع والنصب، ( ثم) حج ( عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنه- مثل ذلك) برفع أول والطواف كما في فروع اليونينية كهي مبتدأ وخبر في موضع نصب مفعول ثان لرأى القلبية، وفي بعض الأصول أول شيء بدأ به الطواف بنصب أول بدل من الضمير والطواف مفعول ثان لرأيته والأول الضمير كذا أعربه البرماوي والعيني كالكرماني، وفيه نظر لأن رأى البصرية لا تتعدى لمفعولين، لكن يحتمل أن يكون بمعنى تيقنت فتتعدى لهما، ( ثم لم تكن عمرة) بالرفع والنصب وقوله: ثم حج عثمان هو من قول عروة وما قبله من قول عائشة فيما قاله الداودي.
وقال أبو عبد الملك: منتهى حديث عائشة عند قوله ثم لم تكن عمرة ومن قوله ثم حج أبو بكر الخ من كلام عروة اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: فعلى هذا يكون بعض هذا منقطعًا لأن عروة لم يدرك أبا بكر ولا عمر.
نعم أدرك عثمان، وعلى قول الداودي يكون الجميع متصلاً وهو الأظهر.

( ثم) حج ( معاوية) بن أبي سفيان ( وعبد الله بن عمر) بن الخطاب، ( ثم حججت مع ابن الزبير بن العوام) كذا للكشميهني: ابن الزبير يعني أخاه عبد الله.
قال عياض وهو تصحيف، وللمستملي والحموي: مع أبي الزبير وهو الصواب، والمعنى قال عروة: ثم حججت مع والذي الزبير فالزبير بدل من أبي، ( فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة) بالرفع، ولأبي ذر: بالنصب، ( ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ثم لم تكن) ولأبي ذر: ثم لا تكون

( عمرة) .
بالرفع والنصب، ( ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر ثم لم ينقضها عمرة) أي لم يفسخها
إلى العمرة.
قال أبو عبد الله الأبي: إكثار عروة من الاحتجاجات يشبه أن يكون احتجاجًا بعمل أو
إجماع ( وهذا ابن عمر عندهم فلا يسألونه) أي أفلا يسألونه فهمزة الاستفهام مقدرة ( ولا أحد ممن
مضى)
عطف على فاعل لم ينقضها أي لا ابن عمر ولا أحد من السلف الماضين ( ما كانوا يبدؤون
بشيء حين يضعون أقدامهم من الطواف بالبيت)
.

قال ابن بطال: لا بد من زيادة لفظ أول بعد لفظ أقدامهم، وتعقبه الكرماني فقال: الكلام
صحيح بدون زيادة إذ معناه ما كان أحد منهم يبدأ بشيء آخر حين يضع قدمه في المسجد لأجل
الطواف أي لا يصلون تحية المسجد ولا يشتغلون بغير الطواف، وأما كون من بمعنى لأجل فهو
كثير.

قال الحافظ ابن حجر: وحاصله أنه لم يتعين حذف لفظ أول بل يجوز أن يكون الحذف في
موضع آخر، لكن الأول أولى لأن الثاني يحتاج إلى جعل من بمعنى من أجل وهو قليل، وأيضًا فلفظ
أول قد ثبت في بعض الروايات وثبت أيضًا في مكان آخر من الحديث نفسه اهـ.

وتعقبه العيني بأن جعله "من" بمعنى من أجل قليلاً غير مسلم بل هو كثير في الكلام لأن
أحد معاني من التعليل كما عرف في موضعه، قوله: وأيضًا فقد ثبت لفظ أول في بعض الروايات
مجرد دعوى فلا يقبل إلا ببيان اهـ.

وفي رواية الكشميهني: حتى يضعوا نصب بحذف النون من يضعوا بأن مقدرة بعد حتى التي
للغاية وهي أوضح في المعنى.
( ثم لا يحلون) فيه أنه لا يجوز التحلل بطواف القدوم، ( وقد رأيت
أمي)
أسماء ( وخالتي) عائشة ابنتي أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- ( حين تقدمان لا تبتدئان بشيء
أول من البيت تطوفان به ثم لا تحلان)
سواء كان إحرامهما بالحج وحده أو بالقران خلافًا لمن قال:
أن من حج مفردًا وطاف حل بذلك كما نقل عن ابن عباس، ولأبي ذر: ثم إنهما لا تحلان فزاد
لفظ إنهما.
والأفعال الأربعة بالمثناة الفوقية وفي بعض الأصول بالتحتية.




[ قــ :157 ... غــ : 164 ]
- وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي "أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا".

( وقد أخبرتني أمي) أسماء ( أنها أهلت هي وأختها) عائشة ( والزبير) بن العوام ( وفلان وفلان)
هما عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان ( بعمرة فلما مسحوا الركن) الأسود ( حلوا) من العمرة.

قال المازري: والمراد بالمسح الطواف وعبّر عنه ببعض ما يفعل فيه ومنه قول عمر بن أبي ربيعة:
فلما قضينا من منى كل حاجة .. ومسح بالأركان من هو ماسح

لأن الطائف إنما يمسح الحجر الأسود فكني بالمسح، ويحتمل أن يكون متأوّلاً بأن المراد طافوا وسعوا وحلقوا حلوا وحذفت هذه المقدرات اختصارًا للعلم بها.