فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة

باب مَا جَاءَ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.

     وَقَالَ  ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: السَّعْيُ مِنْ دَارِ بَنِي عَبَّادٍ إِلَى زُقَاقِ بَنِي أَبِي حُسَيْنِ
( باب ما جاء في) كيفية ( السعي بين الصفا والمروة.
وقال ابن عمر)
بن الخطاب ( -رضي الله عنهما-) : مما وصله ابن أبي شيبة والفاكهي: ( السعي من دار بني عباد) بفتح العين وتشديد الموحدة ابن جعفر وتعرف اليوم بسلمة بنت عقيل ( إلى زقاق بني أبي حسن) تصغير حسن، ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي: ابن أبي حسين، قال سفيان فيما رواه الفاكهي: هو ما بين هذين العلمين.
وقال البرماوي كالكرماني: دار بني عباد من طرف الصفا وزقاق بني أبي حسين من طرف المروة.


[ قــ :1574 ... غــ : 1644 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا طَافَ الطَّوَافَ الأَوَّلَ خَبَّ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا.
وَكَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
فَقُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَمْشِي إِذَا بَلَغَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنْ يُزَاحَمَ عَلَى الرُّكْنِ، فَإِنَّهُ كَانَ لاَ يَدَعُهُ حَتَّى يَسْتَلِمَهُ".

وبالسند قال: ( حدّثنا محمد بن عبيد بن ميمون) كذا في جميع ما وقفت عليه من الأصول.
وقال الحافظ ابن حجر: إنه الصواب وبه جزم أبو نعيم قال: زاد أبو ذر في روايته هو ابن حاتم، ولعل حاتمًا اسم جدّ له إن كانت رواية أبي ذر فيه مضبوطة اهـ.

قال: ( حدّثنا عيسى بن يونس) السبيعي الكوفي ( عن عبيد الله بن عمر) بتصغير عبد العمري ( عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال) :
( كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا طاف الطواف الأول) طواف القدوم وكذا الركن ( خب ثلاثًا) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة أي رمل وهو المشي مع تقارب الخطا ( ومشى أربعًا) من غير رمل.
( وكان) عليه الصلاة والسلام ( يسعى) جهده بأن يسرع فوق الرمل ( بطن المسيل) .
نصب على الظرفية أي المكان الذي يجتمع فيه السيل ولم يبق اليوم بطن المسيل لأن السيول كبسته فيسعى حين يدنو من الميل الأخضر المعلق بجدار المسجد قدر ستة أذرع حتى يقابل الميلين الأخضرين اللذين أحدهما بجدار

المسجد والآخر بدار العباس، ثم يمشي على هيئته ( إذا طاف بين الصفا والمروة) يفعل ذلك ذاهبًا وراجعًا.

قال عبيد الله بن عمر العمري، ( فقلت لنافع: أكان عبد الله) بن عمر ( يمشي) من غير رمل ( إذا بلغ الركن اليماني) ؟ بتخفيف الياء على المشهور ( قال: لا إلا أن يزاحم) بضم التحتية وفتح الحاء ( على الركن) ، فإنه يمشي ولا يرمل ليكون أسهل لاستلامه عند الازدحام ( فإنه كان لا يدعه) أي لا يترك الركن ( حتى يستلمه) .

وموضع الترجمة قوله: وكان يسعى بطن المسيل، والحديث سبق في باب: من طاف بالبيت إذا قدم مكة.




[ قــ :1575 ... غــ : 1645 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ "سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنه- عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ فَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ".

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عمرو بن دينار قال: سألنا ابن عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنهما-) وفي نسخة اليونينية: عنه ( عن رجل طاف بالبيت في عمرة ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته) ؟ بهمزة الاستفهام ( فقال) : ولأبي ذر: قال:
( قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة ( فطاف بالبيت سبعًا وصلّى خلف المقام ركعتين فطاف) بالفاء، ولأبي ذر: وطاف ( بين الصفا والمروة سبعًا) .
أي فلم يتحلل عليه الصلاة والسلام من عمرته حتى سعى بينهما ومتابعته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واجبة فلا يحل لهذا الرجل أن يواقع امرأته حتى يسعى بينهما ( { لقد} ) ولأبي الوقت: وقد ( { كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ) [الأحزاب: 1] .




[ قــ :1575 ... غــ : 1646 ]
- "وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- فَقَالَ: لاَ يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ".

( وسألنا جابر بن عبد الله) الأنصاري ( -رضي الله عنهما-) عن ذلك ( فقال: لا يقربنها) بنون التوكيد الثقيلة ( حتى يطوف بين الصفا والمروة) لأنه ركن لا يتحلل بدونه ولا يجبر بدم خلافًا للحنفية لأن عندهم أن ما ثبت آحادًا يثبت الوجوب لا الركنية لأنها إنما تثبت بدليل قطعي.




[ قــ :1576 ... غــ : 1647 ]
- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
ثُمَّ تَلاَ [الأحزاب: 1] : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ".


وبه قال: ( حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد البلخي ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنه-: قال) .

( قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة فطات بالبيت) أي سبعًا ( ثم صلّى ركعتين) سنة الطواف ( ثم سعى بين الصفا والمروة) .
أي سبعًا يبدأ بالصفا ويختم بالمروة يحسب الذهاب من الصفا مرة والعود من المروة مرة ثانية.
قال النووي في الإيضاح: وهذا هو المذهب الصحيح الذي قطع به جماهير العلماء من أصحابنا وغيرهم، وعليه عمل الناس في الأزمنة المتقدمة والمتأخرة.
وذهب جماعة من أصحابنا إلى أنه يحسب الذهاب والعود مرة واحدة قاله من أصحابنا أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي، وأبو حفص بن الوكيل، وأبو بكر الصيدلاني، وهذا قول فاسد لا اعتداد به ولا نظر إليه اهـ.

ووجهه إلحاقه بالطواف حيث كان من المبدأ أعني الحجر إلى المبدأ.
وتعقب بأنه لو كان كذلك لكان الواجب أربعة عشر شوطًا، وقد اتفق رواة نسكه عليه الصلاة والسلام أنه إنما طاف سبعًا.

وأجيب: بأن هذا موقوف على أن مسمى الشوط إما من الصفا إلى المروة أو من المروة إلى الصفا في الشرع وهو ممنوع إذ نقول: هذا اعتباركم لا اعتبار الشرع لعدم النقل في ذلك، وأقل الأمور إذا لم يثبت عن الشارع تنصيص في مسماه أن يثبت احتمال أنه كما قلتم أو كما قلت فيجب الاحتياط فيه، ويقويه أن لفظ الشوط أطلق على ما حوالي البيت وعرف قطعًا أن المراد به ما بين المبدأ إلى المبدأ، فكذا إذا أطلق في السعي ولا تنصيص على المراد فيجب أن يحمل على المعهود منه في غيره، فالوجه إثبات أن مسمى الشوط في اللغة يطلق على كل من الذهاب من الصفا إلى المروة والرجوع منها إلى الصفا ليس في الشرع ما يخالفه، فيبقى على المفهوم اللغوي، وذلك أنه في الأصل مسافة تعدوها الفرس كالميدان ونحوه مرة واحدة فسبعة أشواط حينئذ قطع مسافة مقدرة بسبع مرات، فإذا قال: طاف بين كذا وكذا سبعًا صدق بالتردد من كل من الغايتين إلى الأخرى سبعًا بخلاف بكذا، فإن حقيقته متوقفة على أن يشمل بالطواف ذلك الشيء فإذا قال: طاف به سبعًا كان بتكرير تعميمه بالطواف سبعًا، فمن هنا افترق الحال بين الطواف بالبيت حيث لزم في شوطه كونه من المبدأ إلى المبدأ، والطواف بين الصفا والمروة حيث لم يلزم ذلك قاله في فتح القدير.

( ثم تلا) أي ابن عمر: ( { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ) [الأحزاب: 1] .




[ قــ :1577 ... غــ : 1648 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ قَالَ "قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-.
أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، لأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ [البقرة: 158] : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} .
[الحديث 1648 - طرفه في: 4496] .


وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) المعروف بابن شبويه المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول البصري (قال قلت لأنس بن مالك -رضي الله عنه-: أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة؟ قال:) ولأبي الوقت: فقال: (نعم) بزيادة فاء العطف أي نعم كنا نكره وعلل الكراهة بقوله: (لأنها كانت من شعائر الجاهلية) أي من العلامات التي كانوا يتعبدون بها، وأنث الضمير باعتبار السعي وهو سبع مرات (حتى أنزل الله { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما} [البقرة: 158] أي: فزالت الكراهة.

وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في التفسير، ومسلم في المناسك، والترمذي في التفسير، والنسائي في الحج.




[ قــ :1578 ... غــ : 1649 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ".

وبه قال: ( حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عمرو) بفتح العين ولأبي ذر زيادة: ابن دينار ( عن عطاء) هو ابن أبي رباح ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال) .

( إنما سعى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبيت وبين الصفا والمروة ليري المشركين قوته) بضم الياء وكسر الراء من ليري، ومفهومه قصر السبب فيما ذكره على ما ذكر في إنما من إفادة الحصر بها منطوقًا أو مفهومًا على الخلاف في العربية والأصول، لكن روى أحمد من حديث ابن عباس: سعى أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيجوز أن يكون هو المقتضي لمشروعية الإسراع.

( زاد الحميدي) : بضم الحاء أبو بكر عبد الله بن الزبير المكي شيخ المؤلّف فقال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا عمرو) هو ابن دينار ( قال: سمعت عطاء) هو ابن أبي رباح ( عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ( مثله) أي مثل الحديث السابق، وفائدة ذلك أن الحميدي صرح بالتحديث في روايته عن عمرو وهو صرح بالسماع عن عطاء.