فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الوقوف بعرفة

باب الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
( باب الوقوف بعرفة) دون غيرها من الأماكن.


[ قــ :1594 ... غــ : 1664 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ "كُنْتُ أَطْلُبُ بَعِيرًا لِي ... ".
وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ "أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي، فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقِفًا بِعَرَفَةَ، فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ مِنَ الْحُمْسِ، فَمَا شَأْنُهُ هَا هُنَا؟ ".

وبالسند قال: ( حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: ( حدّثنا عمرو) هو ابن دينار قال: ( حدّثنا محمد بن جبير بن مطعم) بضم الجيم وفتح الموحدة ومطعم بضم الميم وكسر العين ( عن أبيه) أنه ( قال كنت أطلب بعيرًا لي) قال البخاري ( ح) .

( وحدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن عمرو) هو ابن دينار أنه ( سمع محمد بن جبير) ولأبي ذر زيادة، ابن مطعم ( عن أبيه جبير بن مطعم قال أضللت بعيرًا) أي أضعته أو ذهب هو زاد إسحاق بن راويه في مسنده في الجاهلية وزاد المؤلّف في غير رواية أبي ذر وابن عساكر لي ( فذهبت أطلبه يوم عرفة) ، أي في يوم عرفة متعلق بأضللت ( فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واقفًا بعرفة) قال جبير: ( فقلت: هذا) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( والله من الحمس،) بحاء مهملة مضمومة وميم ساكنة.

قال في القاموس: والحمس الأمكنة الصلبة جمع أحمس، وبه لقبت قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم لتحمسهم في دينهم أو لالتجائهم للحمساء وهي الكعبة لأن حجرها أبيض يميل إلى السواد اهـ.


وهذا الأخير رواه إبراهيم الجرمي في غريب الحديث من طريق عبد العزيز بن عمر، والأول أكثر وأشهر.

وقال ابن إسحاق: كانت قريش لا أدري قبل الفيل أو بعده ابتدعت أمر الحمس رأيًا فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها وهم يعرفون ويقرّون أنها من المشاعر والحج إلا أنهم قالوا: نحن أهل الحرم ونحن الحمس والحمس أهل الحرم.
قالوا: ولا ينبغي للحمس أن يتأقطوا الأقط ولا يسلوا السمن وهم حرم، ولا يدخلوا بيتًا من شعر، ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرمًا، ثم قالوا: لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاؤوا به معهم من الحل إلى الحرم إذا جاؤوا حجابًا أو عمارًا ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا طوافهم إلا في ثياب الحمس.

( فما شأنه هاهنا) ؟ تعجب من جبير وإنكار منه لما رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واقفًا بعرفة فقال: هو من الحمس فما باله يقف بعرفة والحمس لا يقفون بها لأنهم لا يخرجون من الحرم؟ وعند الحميدي عن سفيان: وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم: إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم فكانوا لا يخرجون من الحرم، وعند الإسماعيلي وكانوا يقولون: نحن أهل الله لا نخرج من الحرم وكان سائر الناس يقف بعرفة وذلك قوله تعالى: { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} ؟ [البقرة: 199] .

وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الحج.




[ قــ :1595 ... غــ : 1665 ]
- حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ عُرْوَةُ "كَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُرَاةً إِلاَّ الْحُمْسَ -وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ- وَكَانَتِ الْحُمْسُ يَحْتَسِبُونَ عَلَى النَّاسِ، يُعْطِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثِّيَابَ يَطُوفُ فِيهَا، وَتُعْطِي الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ الثِّيَابَ تَطُوفُ فِيهَا، فَمَنْ لَمْ يُعْطِهِ الْحُمْسُ طَافَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا.
وَكَانَ يُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ وَيُفِيضُ الْحُمْسُ مِنْ جَمْعٍ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحُمْسِ { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} قَالَ: كَانُوا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ فَدُفِعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ".
[الحديث 1665 - طرفه في: 450] .

وبالسند قال: (حدّثنا فروة بن أبي المغراء) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة آخره راء ممدود وفروة بفتح الفاء والواو بينهما راء ساكنة الكندي الكوفي قال: (حدّثنا عليّ بن مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء قاضي الموصل (عن هشام بن عروة) بن الزبير (قال عروة): أبو هشام (كان الناس يطوفون في الجاهلية) بالكعبة حال كونهم (عراة إلا الحمس والحمس قريش وما ولدت) من أمهاتهم وعبر بما دون من لقصد التعميم وزاد معمر، وكان ممن ولدت قريش خزاعة وبنو كنانة وبنو عامر بن صعصعة.
وعند إبراهيم الجرمي: وكانت قريش إذا خطب إليهم الغريب

اشترطوا عليه أن ولدها على دينهم فدخل في الحمس من غير قريش ثقيف وليث وخزاعة وبنو عامر بن صعصعة يعني وغيرهم، وعرف بهذا أن المراد بهذه القبائل من كانت له من أمهاته قرشية لا جميع القبائل المذكورة.

(وكانت الحمس يحتسبون على الناس) يعطونهم حسبة لله (يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها، وتعطي المرأة المرأة الثياب تطوف فيها فمن لم تعطه الحمس) ثيابًا (طاف بابيت عريانًا وكان يفيض جماعة الناس) أي غير الحمس يدفعون (من عرفات).

قال الزمخشري: عرفات علم للموقف سمي بجمع كاذرعات.

فإن قلت: هلا منعت الصرف وفيها السببان التعريف والتأنيث؟ قلت: لا يخلو التأنيث إما أن يكون بالتاء التي في لفظها وإما بتاء مقدرة كما في سعاد فالتي في لفظها ليست للتأنيث وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنث، ولا يصح تقدير التاء فيها لأن هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث مانعة من تقديرها كما لا تقدر تاء التأنيث في بنت لأن التاء التي هي بدل من الواو ولاختصاصها بالمؤنث كتاء فأبت تقديرها.

وتعقبه ابن المنير بأنه يلزمه إذا سمى امرأة بمسلمات أن يصرفه وهو قول رديء والأفصح تنوينه وهو يرى أن تنوين عرفات للتمكين لا للمقابلة ولم يعدّ تنوين المقابلة في مفصله بناء منه على أنه راجع إلى التمكين، ونقل الزجاج فيها وجهين الصرف وعدمه إلا أنه قال: لا يكون إلا مكسورًا وإن سقط التنوين.

(وتفيض الحمس من جمع) بفتح الجيم وسكون الميم أي من المزدلفة وسميت به لأن آدم اجتمع فيها مع حوّاء، وازدلف إليها أي دنا منها، أو لأنه يجمع فيها بين الصلاتين وأهلها يزدلفون أي يتقربون إلى الله تعالى بالوقوف فيها.

(قال:) هشام (وأخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن هذه الآية نزلت في الحمس { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام رواه الترمذي وقال: حسن؟ صحيح من حديث يزيد بن شيبان قال: أتانا ابن مربع بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة زيد الأنصاري ونحن وقوف بالموقف فقال: إني رسول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليكم يقول: كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقرئ الناس بالكسر أي الناسي يريد آدم من قوله تعالى: { فنسي} أو المراد سائر الناس غير الحمس.
قال ابن التين: وهو الصحيح والمعنى: أفيضوا من عرفة لا من المزدلفة، والخطاب مع قريش كانوا يقفون بجمع وسائر الناس بعرفة ويرون ذلك ترفعًا عليهم كما مرّ فأمروا بأن يساووهم.


فإن قلت: ما وجه إدخال ثم هنا حيث كانت الإفاضة المذكورة بعدها هي بعينها الإفاضة المذكورة قبلها فما معنى عطف الأمر بها بكلمة ثم الدالة على التراخي على الأمر بالذكر المتأخر عنها، وكيف موقع ثم من كلام البلغاء؟ فقال البيضاوي كالزمخشري: وثم لتفاوت ما بين الإفاضتين كما في قولك: أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم، وزاد الزمخشري: تأتي بثم لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره وبعد ما بينهما، فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات قال: ثم أفيضوا التفاوت ما بين الإفاضتين وأن إحداهما صواب والأخرى خطأ اهـ.

وتعقبه أبو حيان فقال: ليست الآية كالمثال الذي مثله، وحاصل ما ذكر أن ثم تسلب الترتيب وأن لها معنى غيره سماه بالتفاوت والبعد لما بعدها مما قبلها ولم يجر في الآية أيضًا ذكر الإفاضة الخطأ فتكون ثم في قوله: { ثم أفيضوا} جاءت لبعد ما بين الإفاضتين وتفاوتهما ولا نعلم أحدًا سبقه إلى إثبات هذا المعنى لثم اهـ.

وقيل { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} وهم الحمس أي المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات اهـ.

فيكون المراد بالناس هنا المعهودين وهم الحمس ويكون هذا الأمر أمرًا بالإضافة من المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات.

(قال:) عروة ولابن عساكر: قالت أي عائشة (كانوا) أي الحمس (يفيضون من جمع) من المزدلفة (فدفعوا) بضم الدال المهملة مبنيًّا للمفعول أي أمروا بالذهاب (إلى عرفات) حيث قيل لهم أفيضوا، وللكشميهني: فرفعوا بالراء بدل الدال، ولمسلم: رجعوا إلى عرفات يعني أمروا أن يتوجهوا إلى عرفات ليقفوا بها ثم يفيضوا منها.