فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة

باب الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ
( باب) استحباب ( الجمع بين الصلاتين) المغرب والعشاء في وقت الثانية ( بالمزدلفة) قيده الدارمي والبدنيجي والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ والطبري والعمراني بما إذا لم يخش فوت الاختيار للعشاء، فإن خشيه صلّى بهم في الطريق، ونقله القاضي أبو الطيب وغيره عن النص قال في شرح المهذّب: ولعل إطلاق الأكثرين محمول على هذا.


[ قــ :1601 ... غــ : 1672 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ "دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عَرَفَةَ، فَنَزَلَ الشِّعْبَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ.
فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاَةُ.
فَقَالَ: الصَّلاَةُ أَمَامَكَ.
فَجَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا".

وبالسند قال: ( حدثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف المدني ( عن كريب) مولى ابن عباس ( عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أنه سمعه) حال كونه ( يقول: دفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عرفة) أي رجع من وقوف عرفة بعرفات لأن عرفة اسم لليوم وعرفات بلفظ الجمع اسم للموضع وحينئذ فيكون المضاف إليه محذوفًا لكن على مذهب من يقول إن عرفة اسم للمكان أيضًا لا حاجة إلى التقدير، ( فنزل الشعب) الأيسر الذي دون المزدلفة ( فبال) ولأبي ذر وابن عساكر: بإسقاط الفاء ( ثم توضأ) وضوءًا شرعيًا أو استنجى وأطلق عليه اسم الوضوء اللغوي لأنه من الوضاءة وهي النظافة، ( ولم يسبغ الوضوء) أي خففه أو لم يتوضأ في جميع أعضاء الوضوء بل اقتصر على بعضها، فيكون لغويًا أو على بعض العدد فيكون شرعيًا.
ويؤيد هذا قوله في رواية وضوءًا خفيفًا لأنه لا يقال في الناقص خفيف.
قال أسامة ( فقلت: له) عليه الصلاة والسلام: حضرت ( الصلاة) أو نصب بفعل مقدر؟ ( فقال:) عليه الصلاة والسلام:

( الصلاة أمامك) مبتدأ وخبر أي موضع هذه الصلاة قدامك وهو المزدلفة فهو من باب: ذكر الحال وإرادة المحل أو التقدير وقت الصلاة قدّامك فالمضاف فيه محذوف إذ الصلاة نفسها لا توجد قبل إيجادها وعند إيجادها لا تكون أمامه.
قال الحنفية: فيكون المراد وقتها فيجب تأخيرها وهو مذهب أبي حنيفة ومحمد، فلو صلّى المغرب في الطريق لم يجز وعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر.
وقال المالكية: يندب الجمع بينهما وظاهره أنه لو صلاهما قبل إتيانه إليها أجرأه لأنه جعل ذلك مندوبًا، والذي في المدوّنة أنه يعيدهما إلا أنها عند ابن القاسم على سبيل الاستحياب.
وقال ابن حبيب: يعيدهما أبدًا وقال الشافعية: لو جمع بينهما في وقت المغرب في أرض عرفات أو في الطريق أو صلّى كل صلاة في وقتها جاز وإن خالف الأفضل، وفي الحديث تخصيص لعموم الأوقات المؤقتة للصلوات الخمس ببيان فعله عليه الصلاة والسلام.

( فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ) أي الوضوء فحذف المفعول.
قال الخطابي: إنما ترك إسباغه حين نزل الشعب ليكون مستصحبًا للطهارة في طريقه وتجوز فيه لأنه لم يرد أن يصلّي به، فلما نزل المزدلفة وأرادها أسبغه، ويحتمل أن يكون تجديدًا وأن يكون عن حدث طرأ، واستبعد القول بأن المراد بقوله: لم يسبغ الوضوء اللغوي وأبعد منه أن المراد به الاستنجاء، ومما يقوّي استبعاده رواية المؤلّف السابقة في باب: الرجل يوضئ صاحبه عن أسامة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدل إلى الشعب فقضى حاجته فجعلت أصب الماء عليه ويتوضأ إذ لا يجوز أن يصب عليه أسامة إلا وضوء الصلاة لأنه كان لا يقرب منه أحد وهو على حاجته.

( ثم أقيمت الصلاة فصلّى) عليه الصلاة والسلام بالناس ( المغرب) أي قبل حط الرحال كما جاء مصرحًا به في رواية أخرى، ( ثم أناخ كل إنسان) منا ( بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلّى) عليه الصلاة والسلام بالناس صلاة العشاء ( ولم يصل) نفلاً ( بينهما) لأنه يخل بالجمع لأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة، فوجب الولاء كركعات الصلاة، ولولا اشتراط الولاء لما ترك عليه الصلاة والسلام الرواتب، لكن هذا فيه تفصيل بين جمع التقديم فيخل وبين جمع التأخير فلا كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه عن قريب، والله الموفق.