فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من قدم ضعفة أهله بليل، فيقفون بالمزدلفة، ويدعون، ويقدم إذا غاب القمر

باب مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ، فَيَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَدْعُونَ، وَيُقَدِّمُ إِذَا غَابَ الْقَمَرُ
( باب من قدم ضعفة أهله) بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة جمع ضعيف النساء والصبيان والمشايخ العاجزين وأصحاب الأمراض ليرموا قبل الزحمة ( بليل) أي في ليل من منزله بجمع ( فيقفون بالمزدلفة) عند المشعر الحرام أو عند غيره منها ( ويدعون) ويذكرون بها ( ويقدم) بكسر الدال المشددة ( إذا غاب القمر) عند أوائل الثلث الأخير، فهو بيان لقوله: بليل إذ هو شامل لجميع أجزائه فبينه بقوله إذا غاب القمر.


[ قــ :1605 ... غــ : 1676 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَالِمٌ "وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلاَةِ الْفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوُا الْجَمْرَةَ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

وبالسند قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) المصري قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المصري ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري المدني.
( قال سالم) : هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب ( وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقدم ضعفة أهله) النساء والصبيان والعاجزين من منزله الذي نزله بالمزدلفة إلى منى خوف التأذي بالاستعجال والازدحام ( فيقفون عند المشعر) بفتح الميم المشعر ويجوز كسرها ( الحرام بالمزدلفة) الذي يحرم فيه الصيد وغيره لأنه من الحرم أو لأنه ذو حرمة وسمي مشعرًا فيما قاله الأزهري لأنه معلم للعبادة، وهو كما قاله النووي كابن

الصلاح جبل صغير بآخر المزدلفة يقال له: "قزح" بضم القاف وفتح الزاي آخره حاء مهملة وهو منها لأنه ما بين مأزمي عرفة ووادي محسر.

وقد استبدل الناس الوقوف به على بناء محدث هناك يظنونه المشعر وليس كما يظنون، لكن يحصل بالوقوف عنده أصل السنة أي وكذا بغيره من مزدلفة على الأصح، وقال المحب الطبري: هو بأوسط المزدلفة وقد بني عليه بناء، ثم حكى كلام ابن الصلاح ثم قال: والظاهر أن البناء إنما هو على الجبل والمشاهدة تشهد له.
قال: ولم أر ما ذكره ابن الصلاح لغيره.
وقال ابن الحاج: المزدلفة والمشعر وأجمع وقزح أسماء مترادفة اهـ.

والمعروف أن المشعر موضع خاص بالمزدلفة ويحصل أصل السنّة بالمرور وإن لم يقف كما في عرفة.
نقله في الكفاية عن القاضي وأقره ( بليل) أي في ليل ( فيذكرون الله عز وجل) ويدعونه ( ما بدا لهم) من غير همز أي ما ظهر لهم وسنح في خواطرهم وأرادوا ( ثم يرجعون) إلى منى، ولمسلم: ثم يدفعون.
قال في الفتح: وهو أظهر ( قبل أن يقف الإمام) بالمشعر الحرام أو بالمزدلفة، ولأبي الوقت: ثم يرجعون ما بدا لهم قبل أن يقف الإمام ( وقبل أن يدفع) إلى منى، ( فمنهم من يقدم) بفتح الياء والدال وسكون القاف بينهما ( منى) بالصرف ( لصلاة الفجر) أي عند صلاة الفجر فاللام للتوقيت لا للعلة، ( ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة) الكبرى وهي جمرة العقبة.

( وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: أرخص) بهمزة مفتوحة وسكون الراء فعل ماض وفاعله الرسول عليه الصلاة والسلام.
وفي بعض الروايات كما في الفتح: رخص بدون همزة وتشديد الخاء وهو أوضح في المعنى لأنه من الترخيص ضد العزيمة لا من الرخص ضد الغلاء ( في أولئك) أي الضعفة ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .




[ قــ :1606 ... غــ : 1677 ]
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ".
[الحديث 1677 - طرفاه في: 1678، 1856] .

وبه قال: ( حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: ( حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم ( عن أيوب) السختياني ( عن عكرمة) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال) "بعثني رسول الله" ولأبي ذر وابن عساكر: النبي "-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من جمع" بفتح الجيم وسكون الميم من المزدلفة ( بليل) قيده الشافعي وأصحابه بالنصف الثاني.




[ قــ :1607 ... غــ : 1678 ]
- حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ "أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ".


وبه قال: ( حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عبيد الله بن أبي يزيد) بضم العين مصغرًا المكي مولى آل قارظ بن شيبة الكناني أنه ( سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول) "أنا ممن قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة المزدلفة في ضعفه أهله" إلى منى.




[ قــ :1608 ... غــ : 1679 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ عَنْ أَسْمَاءَ "أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَىَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: لاَ.
فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ: هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلْنَا وَمَضَيْنَا، حَتَّى رَمَتِ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا.
فَقُلْتُ لَهَا: يَا هَنْتَاهْ، مَا أُرَانَا إِلاَّ قَدْ غَلَّسْنَا.
قَالَتْ: يَا بُنَىَّ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَذِنَ لِلظُّعُنِ".

وبه قال: ( حدّثنا مسدد عن يحيى) القطان ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( قال: حدثني) بالإفراد ولأبي ذر، وابن عساكر: حدّثنا ( عبد الله) بن كيسان ( مولى أسماء) بنت أبي بكر ( عن أسماء) -رضي الله عنها- ( أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي فصلت ساعة ثم قالت:) لعبد الله بن كيسان ( يا بني) بضم الموحدة مصغرًا ( هل غاب القمر؟) قال ابن كيسان ( قلت: لا، فصلت ساعة ثم قالت؟) له ( هل) ولأبي ذر: ثم قالت: يا بني هل ( غاب القمر؟) قال: ( قلت: نعم) غاب ( قالت: فارتحلوا) بكسر الحاء أمر من الارتحال ( فارتحلنا ومضينا) بها ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: فمضينا بفاء العطف بدل الواو ( حتى رمت الجمرة) الكبرى ( ثم رجعت) إلى منزلها بمنى ( فصلت الصبح في منزلها) .

وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح على شرط مسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسل أم سلمة ليلة النحر فرمت قبل الفجر ثم أفاضت، واستدلّ به على أنه يدخل وقت الرمي بنصف ليلة النحر، ووجهه أنه عليه الصلاة والسلام علق الرمي بما قبل الفجر وهو صالح لجميع الليل ولا ضابط له فجعل النصف ضابطًا لأنه أقرب إلى الحقيقة مما قبله ولأنه وقت به للدفع من مزدلفة ولأذان الصبح فكان وقتًا للرمي كما بعد الفجر ومذهب المالكية والحنفية يحل بطلوع الفجر وقبله لغو حتى للنساء والضعفة، والرخصة في الدفع ليلاً إنما هي في الدفع خوف الزحام والأفضل الرمي من طلوع الشمس.

وفي سنن أبي داود بإسناد حسن من حديث ابن عباس: أنه عليه الصلاة والسلام قال لغلمان بني عبد المطلب: "لا ترموا حتى تطلع الشمس" وإذا كان من رخص له منع أن يرمي قبل طلوع الشمس فمن لم يرخص له أولى، وقد جمعوا بين حديث ابن عباس هذا وحديث الباب بحمل الأمر في حديث ابن عباس على الندب، ويؤيده حديث ابن عباس عند الطحاوي قال: بعثني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أهله وأمرني أن أرمي مع الفجر.


( فقلت لها يا هنتاه) بفتح الهاء وسكون النون وبعد المثناة الفوقية ألف آخره هاء ساكنة أي يا هذه ( ما أرانا) بضم الهمزة أي ما أظن ( إلا قد غلّسنا) بفتح الغين المعجمة وتشديد اللام وسكون السين المهملة أي تقدمنا على الوقت المشروع ( قالت: يا بني إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أذن للظعن) بضم الظاء المعجمة والعين المهملة ويجوز سكونها جمع ظعينة المرأة في الهودج، واستدلّ بقولها: أذن على عدم وجوب المبيت بالمزدلفة إذ لو كان واجبًا لم يسقط بعذر الضعف كالوقوف بعرفة وهو مذهب المالكية.

قال الشيخ خليل: وندب بياته بها وإن لم ينزل فالدم أي على الأشهر وهذا ما صححه الرافعي، وصحح النووي وجوبه على غير المعذور بخلاف المعذور كالرعاء وأهل سقاية العباس أو له مال يخاف تلفه بالمبيت أو مريض يحتاج إلى تعهده أو أمر يخاف فوته.

قال النووي: ويحصل المبيت بمزدلفة بحضورها لحظة في النصف الثاني كالوقوف بعرفة نص عليه في الأم، وبه قطع جمهور العراقيين وأكثر الخراسانيين وقيل: يشترط معظم الليل كما لو حلف لا يبيتنّ بموضع لا يحنث إلا بمعظم الليل، وهذا صححه الرافعي ثم استشكله من جهة أنهم لا يصلونها حتى يمضي ربع الليل مع جواز الدفع منها بعد نصف الليل، وقال أبو حنيفة: بوجوب المبيت أيضًا.




[ قــ :1609 ... غــ : 1680 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -هُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ- عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ جَمْعٍ -وَكَانَتْ ثَقِيلَةً ثَبْطَةً- فَأَذِنَ لَهَا".
[الحديث 1680 - طرفه في: 1681] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري وهو ثقة ولم يصب من ضعفه قال: ( أخبرنا سفيان) الثوري قال: ( حدّثنا عبد الرحمن هو ابن القاسم عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق والقاسم هو والد عبد الرحمن ( عن عائشة) عمة القاسم ( -رضي الله عنها- قالت) ( استأذنت سودة) بنت زمعة أم المؤمنين ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة جمع -وكانت ثقيلة-) من عظم جسمها ( وثبطة) بسكون الموحدة بعد المثلثة المفتوحة، ولأبي ذر: ثبطة بكسرها أي بطيئة الحركة.
وفي مسلم عن القعنبي عن أفلح بن حميد أن تفسير الثبطة بالثقيلة من القاسم راوي الحديث، وحينئذ فيكون قوله في هذه الرواية ثقيلة ثبطة من الإدراج الواقع قبل ما أدرج عليه وأمثلته قليلة جدًّا، وسببه أن الراوي أدرج التفسير بعد الأصل فظن الراوي الآخر أن اللفظين ثابتان في أصل المتن فقدم وأخر قاله في الفتح.
"فأذن لها" -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ولم يذكر محمد بن كثير شيخ المؤلّف عن سفيان ما استأذنته سودة فيه فلذلك عقبه المؤلّف بطريق أفلح عن القاسم المبينة لذلك، فقال بالسند السابق إليه في أول هذا المجموع:



[ قــ :1610 ... غــ : 1681 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "نَزَلْنَا الْمُزْدَلِفَةَ، فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَوْدَةُ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ- وَكَانَتِ امْرَأَةً

بَطِيئَةً- فَأَذِنَ لَهَا، فَدَفَعَتْ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَأَقَمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا نَحْنُ، ثُمَّ دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ، فَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ".

( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: ( حدّثنا أفلح بن حميد) الأنصاري ( عن القاسم بن محمد) والد عبد الرحمن المذكور في سند الحديث السابق ( عن) عمته ( عائشة -رضي الله عنها- قالت) "نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سودة" بنت زمعة -رضي الله عنها- "أن تدفع" أي أن تتقدم إلى منى "قبل حطمة الناس" بفتح الحاء وسكون الطاء المهملتين أي قبل زحمتهم لأن بعضهم يحطم بعضًا من الزحام "وكانت" سودة "امرأة بطيئة فأذن لها" -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "فدفعت" إلى منى "قبل حطمة الناس وأقمنا حتى أصبحنا نحن ثم دفعنا بدفعه" -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

قالت عائشة: ( فلأن أكون) بفتح اللام ( استأذنت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما استأذنت سودة) أي كاستئذان سودة فما مصدرية والجملة معترضة بين المبتدأ الذي هو قوله: فلأن أكون وبين خبره وهو قوله: ( أحب إليّ من) كل شيء ( مفروح به) وأسره، وهذا كقوله في الحديث الآخر: أحب إليّ من حمر النعم.

قال أبو عبد الله الأبي رحمه الله: الشائع في كلام الفخر والأصوليين أن ذكر الحكم عقب الوصف المناسب يشعر بكونه علة فيه، وقول عائشة هذا يدل على أنه لا يشعر بكونه علة لأنه لو أشعر بكونه علة لم ترد لك لاختصاص سودة بذلك الوصف إلا أن يقال: إن عائشة نقحت المناط ورأت أن العلة إنما هي الضعف والضعف أعم من أن يكون لثقل الجسم أو غيره كما قال: أذن لضعفة أهله، ويحتمل أنها قالت ذلك لأنها شركتها في الوصف لما روي أنها قالت: سابقت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسبقته فلما ربيت اللحم سبقني.