فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ركوب البدن

باب رُكُوبِ الْبُدْنِ
لِقَوْلِهِ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 36] .
قَالَ مُجَاهِدٌ: سُمِّيَتِ الْبُدْنَ لِبُدْنِهَا.
وَالْقَانِعُ: السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرُّ بِالْبُدْنِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، وَشَعَائِرُ الله: اسْتِعْظَامُ الْبُدْنِ وَاسْتِحْسَانُهَا.
وَالْعَتِيقُ: عِتْقُهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ.
وَيُقَالُ وَجَبَتْ: سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ، وَمِنْهُ وَجَبَتِ الشَّمْسُ.

( باب) جواز ( ركوب البدن) بضم الموحدة وسكون الدال وهي الإبل أو البقر وعن عطاء فيما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه البدنة والبعير والبقرة، وعن مجاهد: لا تكون البدن إلا من الإبل وعن

بعضهم: البدنة ما يهدى من الإبل والبقرة والغنم وهو غريب ( لقوله) تعالى: ( {والبدن}) نصب بفعل يفسره قوله: ( {جعلناها لكم من شعائر الله}) من أعلام دينه التي شرعها راتبة ( {لكم فيها خير) منافع دينية ودنيوية من الركوب والحلب كما روى ابن أبي حاتم وغيره بإسناد جيد عن إبراهيم النخعي لكم فيها خير من شاء ركب ومن شاء حلب ( {فاذكروا اسم الله عليها}) عند نحرها بأن تقولوا الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك إليك كذا روي عن ابن عباس ( {صواف0.
})
قائمات على ثلاثة قوائم معقولة يدها اليسرى أو رجلها اليسرى ( {فإذا وجبت}) سقطت ( {جنوبها}) على الأرض أي ماتت ( {فكلوا منها وأطعموا القانع}) السائل من قنع إذا سأل أو فقيرًا لا يسأل من القناعة ( {والمعترّ}) الذي لا يتعرض للمسألة أو هو السائل ( {كذلك}) مثل ما وصفنا من نحرها قيامًا ( {سخرناها لكم}) مع عظمها وقوّتها حتى تأخذوها منقادة فتعقلوها وتحبسوها صافة قوائمها ثم تطعنوا في لباتها ( {لعلكم تشكرون}) إنعامنا عليكم بالتقرب والإخلاص ( {لن ينال الله}) لن يصيب رضاه ولن يقع منه موقع القبول ( {لحومها}) المتصدق بها ( {ولا دماؤها}) المهراقة بالنحر من حيث أنها لحوم ودماء ( {ولكن يناله التقوى منكم}) ولكن يصيبه ما يصحبه من تقوى قلوبكم من النية والإخلاص فإنها هي المتقبلة منكم ( {كذلك سخرها لكم}) كررها تذكيرًا لنعمة التسخير وتعليلاً بقوله: ( {لتكبروا الله}) أي لتعرفوا عظمته باقتداره على ما لا يقدر غيره عليه فتوحدوه بالكبرياء ( {على ما هداكم}) إلى كيفية التقرب إليه تعالى بها ولتضمن تكبروا معنى تشكروا عداه بعلى ( {وبشر المحسنين}) [الحج: 36 - 37] الذين أحسنوا أعمالهم وسياق الآيتين بتمامهما رواية كريمة وأما رواية أبوي ذر والوقت فالمذكور منهما قوله: ( {والبدن جعلناها لكم}) إلى قوله: ( {وجبت جنوبها}) ثم المذكور بعده ( {جنوبها}) إلى قوله: ( {وبشر المحسنين}) .

( قال مجاهد: سميت البدن لبدنها) بضم الموحدة وسكون المهملة وللحموي والمستملي لبدنها بفتح الموحدة والمهملة وللكشميهني لبدانتها بفتح الموحدة والمهملة والنون وألف قبلها ومثناة فوقية بعدها أي لسمنها وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: إنما سميت البدن من قبل السمانة ( والقانع السائل) من قنع إذا سأل ( والمعتر الذي يعتر) أي يطيف ( بالبدن من غني أو فقير) قال: مجاهد فيما أخرجه عبد بن حميد: القانع جارك الذي ينتظر ما دخل بيتك والمعتر الذي يعتر ببابك ويريك نفسه ولا يسألك شيئًا.
وروى عنه ابن أبي حاتم القانع الطامع وقال مرة هو السائل ( وشعائر الله:) المذكورة في الآية ( استعظام البدن واستحسانها.
)
عن مجاهد فيما أخرجه عبد بن حميد أيضًا في قوله تعالى: {ومن يعظم شعائر الله} فإن استعظام البدن استحسانها واستسمانها ( والعتيق) المذكور في قوله تعالى: {وليطوّفوا بالبيت العتيق} ( عتقه من الجبابرة.
)
قال مجاهد: كما رواه عبد بن حميد أيضًا إنما سمي أي البيت العتيق لأنه عتق من الجبابرة ( ويقال: وجبت) أي ( سقطت إلى الأرض) هو قول ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي حاتم والمراد به تفسير قوله: فإذا وجبت جنوبها وسقطت الواو من ويقال: ( ومنه وجبت الشمس) إذا سقطت للغروب.



[ قــ :1617 ... غــ : 1689 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: ارْكَبْهَا.
فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ.
قَالَ: ارْكَبْهَا.
قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ.
قَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ، فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ".

[الحديث 1689 - أطرافه في: 1716، 2755، 6160] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً) لم يعرف اسمه ( يسوق بدنة) زاد مسلم مقلدة والبدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة وهي بالإبل أشبه وكثر استعمالها فيما كان هديًا ( فقال:) له عليه الصلاة والسلام:
( اركبها) لتخالف بذلك الجاهلية في ترك الانتفاع بالسائبة والوصيلة والحام وأوجب بعضهم ركوبها لهذا المعنى عملاً بظاهر هذا الأمر وحمله الجمهور على الإرشاد لمصلحة دنيوية، واستدلوا بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهدى ولم يركب ولم يأمر الناس بركوب الهدايا، وجزم به النووي في الروضة كأصلها في الضحايا، ونقل في المجموع عن القفال والماوردي جواز الركوب مطلقًا، ونقل فيه عن أبي حامد والبندنيجي وغيرهما تقييده بالحاجة، وفي شرح مسلم عن عروة بن الزبير ومالك في رواية عنه وأحمد وإسحاق له ركوبها من غير حاجة بحيث لا يضرها ثم قال: ودليلنا على عروة وموافقيه رواية جابر عند مسلم اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرًا اهـ.

يعني لأنه مقيد يقضي على المطلق ولأنه شيء خرج عنه لله فلا يرجع فيه ولو أبيح النفع لغير ضرورة أبيح استئجاره ولا يجوز باتفاق والذي رأيته في تنقيح المقنع من كتب الحنابلة وعليه الفتوى عندهم وله ركوبها عند الحاجة فقط بلا ضرر ويضمن نقصها وهو مذهب الحنفية أيضًا ( فقال) الرجل ( إنها بدنة) أي هدي ( فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: ( اركبها) ( فقال: إنها بدنة) ، فقال: ( اركبها ويلك) نصب أبدًا على المفعول المطلق بفعل من معناه محذوف وجوبًا أي ألزمه الله ويلاً وهي كلمة تقال لمن وقع في الهلاك أو لمن يستحقه أو هي بمعنى الهلاك أو مشقة العذاب أو الحزن أو واد في جهنم أو بئر أو باب لها أقوال، فيحتمل إجراؤها على هذا المعنى هنا لتأخر المخاطب عن امتثال أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقول الراوي ( في) المرة ( الثالثة أو في) المرة ( الثانية) ولأبي ذر ويلك في الثانية أو الثالثة والشك من الراوي قال القرطبي وغيره أي ويلك تأديبًا لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه.
ويحتمل أن لا يراد بها موضوعها الأصلي ويكون مما جرى على لسان العرب في المخاطبة من غير قصد لموضوعه كما في: تربت يداك ونحوه، وقيل كان أشرف على هلكة من الجهد وويل كلمة تقال لمن وقع في هلكة كما مر فالمعنى أشرفت على الهلاك فاركب فعلى هذا هي إخبار.




[ قــ :1618 ... غــ : 1690 ]
- حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشُعْبَةُ قَالاَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: ارْكَبْهَا.
قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ.
قَالَ: ارْكَبْهَا.


قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ.
قَالَ: ارْكَبْهَا.
ثَلاَثًا".
[الحديث 1690 - طرفاه في: 754، 6159] .

وبه قال ( حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي قال: ( حدّثنا هشام) هو ابن أبي عبد الله سنبر بمهملة ثم نون ثم موحدة بوزن جعفر الدستوائي بفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح المثناة ثم مد ثقة ثبت قدمه أحمد على الأوزاعي وعلى أصحاب يحيى بن أبي كثير وعلى أصحاب قتادة وكان شعبة يقول: هو أحفظ مني، وكان القطان يقول: إذا سمعت الحديث من هشام الدستوائي لا تبالي أن لا تسمعه من غيره ومع هذا فقال محمد بن سعد: كان ثقة حجة إلا أنه يرى القدر، وقال العجلي: ثقة ثبت في الحديث إلا أنه كان يرى القدر ولا يدعو إليه لكن احتج به الأئمة.
( وشعبة بن الحجاج) بن الورد العتكي الواسطي ثم البصري ( قالا: حدّثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري ( عن أنس) وعند الإسماعيلي: سمعت أنس بن مالك ( -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً يسوق بدنة فقال:) ولأبي ذر: قال:
( اركبها) ( قال) الرجل ( إنها بدنة قال:) عليه الصلاة والسلام: ( اركبها ثلاثًا) أي قالها ثلاث مرات، وفي رواية أبي ذر فقال: اركبها ثلاثًا فسقط عنده ما ثبت عند الباقين قال إنها بدنة قال اركبها قال إنها بدنة قال اركبها وقد وافق الباقين على إثبات ذلك أبو مسلم الكجي في السنن عن مسلم بن إبراهيم شيخ المؤلّف فيه، وأخرجه الإسماعيلي عن مسلم كذلك لكن قال في آخره ويلك بدل ثلاثًا، وللترمذي فقال له في الثالثة أو الرابعة: اركبها ويحك أو ويلك وهو في البخاري في باب: هل ينتفع الواقف بوقفه كذلك.