فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم، ويترجل ويدهن

باب الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ، وَمَا يَلْبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَتَرَجَّلَ وَيَدَّهِنَ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: يَشَمُّ الْمُحْرِمُ الرَّيْحَانَ، وَيَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ، وَيَتَدَاوَى بِمَا يَأْكُلُ الزَّيْتَ وَالسَّمْنَ.

وَقَالَ عَطَاءٌ: يَتَخَتَّمُ وَيَلْبَسُ الْهِمْيَانَ.
وَطَافَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ حَزَمَ عَلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- بِالتُّبَّانِ بَأْسًا لِلَّذِينَ يَرْحَلُونَ هَوْدَجَهَا.

( باب) استحباب استعمال ( الطيب عند الإحرام) ، في البدن والثوب ولو للنساء ( وما يلبس) الشخص ( إذا أراد أن يحرم، ويترجل) بتشديد الجيم والرفع عطفًا على قوله وما يلبس وبالنصب بأن مقدرة وهو الذي في اليونينية لا غير كقوله:
ولبس عباءة وتقر عيني.

أي: ويسرح شعره بالمشط ( ويدهن) بكسر الهاء مع تشديد الدال من الافتعال معطوف على سابقه أي يطلي بالدهن.

( وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-) .
فيما وصله سعيد بن منصور ( يشم المحرم الريحان) ، بفتح شين يشم على المشهور وحكي ضمها.
وروى الدارقطني عنه بسند صحيح المحرم يشم الريحان ويدخل الحمام وينزع ضرسه ويفقأ القرحة وإن انكسر ظفره أماط عنه الأذى، ومذهب الشافعية أنه يحرم شم الريحان الفارسي وهو الضميران بفتح المعجمة وضم الميم بالقياس على تحريم شم الطيب للمحرم لأن معظم الغرض منه رائحته الطيبة وكرهه مالك والحنفية وتوقف أحمد.

وقال أيضًا -رضي الله عنه- مما وصله ابن أبي شيبة: ( وينظر في المرآة) ، بكسر الميم وسكون الراء بوزن مفعال ونقل كراهته عن القاسم بن محمد.
وقال ابن عباس أيضًا مما وصله ابن أبي شيبة:

( ويتداوى بما يأكل الزيت والسمن) بالجر فيهما وصحح عليه ابن مالك بدلاً من الموصول المجرور وبالباء وبالنصب.

قال الزركشي وغيره: إنه المشهور وليس المعنى عليه فإن الذي يأكل هو الآكل لا المأكول انتهى.

قال في المصابيح: لم لا يجوز على النصب أن يكون بدلاً من العائد إلى ما الموصولة أي بما يأكله الزيت والسمن فالذي يأكله حينئذ هو المأكول لا الآكل، ثم قال فإن قلت: يلزم عليه حذف المبدل منه.
وأجاب: بأنه قد قيل به في قوله تعالى: { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ} [النحل: 116] فقال قوم: إن الكذب بدل من مفعول تصف المحذوف أي لما تصفه وقيل به أيضًا في قوله تعالى: { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ} [البقرة: 151] أي كما أرسلناه ورسولاً بدل من الضمير المحذوف.

قال: والزركشي -رحمه الله- ظن أن الزيت مفعول أكل فقال أن الذي يأكل الزيت مثلاً عبارة عن الآكل لا المأكول والمطلوب هو جواز التداوي بالمأكول فلا يتأتى المعنى المراد وقد استبان لك تأتيه بما قلنا اهـ.

( وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله ابن أبي شيبة: ( يتختم) أي يلبس الخاتم ( ويلبس الهميان) بكسر الهاء وسكون الميم قال القزاز فارسي معرب يشبه تكة السراويل تجعل فيه الدراهم ويشد على الوسط.

( وطاف ابن عمر -رضي الله عنهما-) مما وصله الإمام الشافعي من طريق طاوس ( وهو محرم) الواو للحال ( وقد حزم) بفتح الحاء المهملة والزاي أي شد ( على بطنه بثوب ولم تر عائشة -رضي الله عنها-) فيما وصله سعيد بن منصور ( بالتبان بأسًا) بضم المثناة الفوقية وتشديد الموحدة سراويل قصير يستر العورة المغلظة يلبسه الملاحون ونحوهم ( للذين يرحلون) بضم أوله وفتح الراء وتشديد الحاء المهملة المكسورة، وفي نسخة: يرحلون بفتح الياء والحاء والراء ساكنة.
قال الجوهري: رحلت البعير أرحله بفتح أوله رحلاً، واستشهد البخاري في التفسير بقول الشاعر إذا ما قمت أرحلها بليل قال في الفتح: وعلى هذا فوهم من ضبطه هنا بتشديد الحاء المهملة وكسرها والمعنى يشدون ( هودجها) بفتح الهاء والدال المهملة والجيم والواو ساكنة مركب من مراكب النساء، وهذا كأنه رأي عائشة وإلاّ فالجمهور على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم، وقد سقط للذين يرحلون هودجها في رواية ابن عساكر.



[ قــ :1475 ... غــ : 1537 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ، فَذَكَرْتُهُ لإِبْرَاهِيمَ قَالَ: مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ:
وبالسند قال المؤلّف: ( حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن منصور) هو ابن المعتمر ( عن سعيد بن جبير قال) :
"كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يدهن بالزيت"، عند الإحرام أي الذي هو غير مطيب كما أخرجه الترمذي من وجه آخر عنه مرفوعًا.
قال منصور: ( فذكرته) أي امتناع ابن عمر من الطيب الإحرام ( لإبراهيم) النخعي ( فقال: ما تصنع بقوله) : أي بقول ابن عمر حيث ثبت ما ينافيه من فعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.




[ قــ :1475 ... غــ : 1538 ]
- حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُحْرِمٌ".

( حدثني) بالإفراد ( الأسود) بن يزيد ( عن عائشة -رضي الله عنها- قالت) :
( كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو محرم) الواو للحال والمفارق جمع مفرق وهو وسط الرأس وجمعها تعميمًا لجوانب الرأس التي يفرق فيها، والوبيص: بفتح الواو وكسر الموحدة آخره صاد مهملة أي بريق أثره، لكن قال الإسماعيلي: الوبيص زيادة على البريق والمراد به التلألؤ قال: وهو يدل على وجود عين باقية لا الريح فقط، وأشارت بقولها: كأني أنظر إلى قوة تحققها لذلك بحيث أنها لكثرة استحضارها له كأنها ناظرة إليه.

وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الحج.




[ قــ :1476 ... غــ : 1539 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ".
[الحديث 1539 - أطرافه في: 1754، 59، 598، 5930] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني -رضي الله عنهم- ( عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت:)
( كنت أطيب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإحرامه) أي لأجل إحرامه ( حين يحرم) أي قبل أن يحرم كما هو لفظ رواية مسلم والترمذي لأنه لا يمكن أن يراد بالإحرام هنا فعل الإحرام فإن التطيب بالإحرام ممتنع بلا شك، وإنما المراد إرادة الإحرام، وقد دل على ذلك رواية النسائي حين أراد الإحرام وحقيقة قولها: كنت أطيب تطييب بدنه ولا يتناول ذلك تطييب ثيابه، وقد دل على اختصاصه ببدنه

الرواية الأخرى التي فيها كنت أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته، وقد اتفق أصحابنا الشافعية على أنه لا يستحب تطييب الثياب عند إرادة الإحرام، وشذا المتولي فحكى قولاً باستحبابه.
نعم في جوازه خلاف والأصح الجواز، فلو نزعه ثم لبسه ففي وجوب الفدية وجهان.
صحح البغوي وغيره الوجوب ( ولحلِّه) أي تحلله من محظورات الإحرام بعد أن يرمي ويحلق ( قبل أن يطوف بالبيت) طواف الإفاضة واستفيد من قولها كنت أطيب إن كان لا تقتضي التكرار لأن ذلك لم يقع منها إلا مرة واحدة في حجة الوداع، وعورض بأن المدعي تكراره هنا إنما هو التطيب لا الإحرام ولا مانع من أن يتكرر التطيب للإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى ما فيه، واستفيد أيضًا استحباب التطيب عند الإحرام وجواز استدامته بعد الإحرام وأنه لا يضر بقاء لونه ورائحته وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وهو قول الجمهور، وعن مالك يحرم لكن لا فدية.
وقال محمد بن الحسن: يكره أن
يتطيب قبل الإحرام بما تبقى عينه بعده واستحباب التطيب أيضًا بعد التحلل الأول قبل الطواف.