فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التلبية

باب التَّلْبِيَةِ
( باب التلبية) مصدر لبى كزكى تزكية أي قال لبيك وهو عند سيبويه والأكثرين مثنى لقلب ألفه ياء مع الظهر وليست تثنيته حقيقية بل هو من المثناة لفظًا، ومعناها التكثير والمبالغة كما في قوله تعالى: { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] أي نعمتاه عند من أول اليد بالنعمة ونعمه تعالى لا تحصى، وقوله تعالى: { ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] أي كرات كثيرة.
وقال يونس بن حبيب: إنما هو اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدى وعلى اهـ.

والأصل لببك فاستثقلوا الجمع بين ثلاث باءات فأبدلوا من الثالثة ياء كما قالوا من الظن تظنيت وأصله تظننت وهو منصوب على المصدر بعامل مضمر أي أجبت إجابة بعد إجابة إلى ما لا نهاية له، وكأنه من ألب بالمكان إذا أقام به والكاف للإِضافة.
وقيل: ليس هنا إضافة والكاف حرف

خطاب ومعناه كما قال في القاموس أنا مقيم على طاعتك إلبابًا بعد الباب وإجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهي وقصدي لك من داري تلب داره أي تواجهها، أو معناه محبتي لك من امرأة لبة محبة لزوجها، أو معناه إخلاصي لك من حسب لباب أي خالص اهـ.

وقال أبو نصر: معناه أنا ملب بين يديك أي خاضع، وقال ابن عبد البر: ومعنى التلبية إجابة الله فيما فرض عليهم من حج بيته والإقامة على طاعته فالمحرم بتلبيته مستجيب لدعاء الله إياه في إيجاب الحج عليه.
قيل: هي إجابة لقوله تعالى للخليل إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه { وأذن في الناس بالحج} [الحج: 27] أي بدعوة الحج والأمر به.


[ قــ :1485 ... غــ : 1549 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ".

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن نافع) مولى ابن عمر ( عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنهما- أن تلبية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولمسلم عن ابن عمر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال:
( لبيك اللهم لبيك لبيك) أي يا الله أجبناك فيما دعوتنا.
وروى ابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له { وأذن في الناس بالحج} [الحج: 27] قال: رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعلي البلاغ.
قال: فنادى إبراهيم عليه الصلاة والسلام يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه ما بين السماء والأرض ألا ترون الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون؟ ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه: فأجابوه بالتلبية من أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأول من أجابه أهل اليمن فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم عليه الصلاة والسلام يومئذ زاد غيره فمن لبى مرة حج مرة ومن لبى مرتين حج مرتين ومن لبى أكثر حج بقدر تلبيته، وقد وقع في المرفوع تكرير لفظه لبيك ثلاث مرات وكذا في الموقوف، إلا أن في المرفوع الفصل بين الأولى والثانية بقوله: اللهم وقد نقل اتفاق الأدباء على أن التكرير اللفظي لا يزاد على ثلاث مرات: ( لا شريك لك لبيك إن الحمد) بكسر الهمزة على الاستئناف كأنه لما قال لبيك استأنف كلامًا آخر فقال إن الحمد وبالفتح على التعليل كأنه قال: أجبتك لأن الحمد والنعمة لك والكسر أجود عند الجمهور، وحكاه الزمحشري عن أبي حنيفة، وابن قدامة عن أحمد بن حنبل، وابن عبد البر عن اختيار أهل العربية لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة فإن الحمد والنعمة لله على كل حال والفتح بدل على التعليل، لكن قال في اللامع والعدة إنه إذا كسر صار للتعليل أيضًا من حيث انه استئناف جوابًا عن سؤال عن العلة على ما

قرر في البيان، حتى أن الإمام الرازي وأتباعه جعلوا أن تفيد التعليل نفسها ولكنه مردود ( والنعمة لك) بكسر النون والإحسان والمنة مطلقًا وبالنصب على الأشهر عطفًا على الحمد ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة خبر إن تقديره: إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك.
وجوز ابن الأنباري أن يكون الموجود خبر المبتدأ وخبر أن هو المحذوف ( والملك) ، لك بضم الميم والنصب عطفًا على اسم أن وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة الخبر المتقدم، ويحتمل أن يكون تقديره: والملك كذلك ( لا شريك لك) في ملكك.
وروى النسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة قال: كان من تلبية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لبيك إله الحق لبيك، وعند الحاكم عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقف بعرفات فلما قال: لبيك اللهم لبيك قال إنما الخير خير الآخرة.
وعند الدارقطني في العلل عن أنس بن مالك أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لبيك حجًّا حقًا تعبدًا ورقًا.
وزاد مسلم في حديث الباب قال نافع وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل، ولم يذكر البخاري هذه الزيادة فهي من أفراد مسلم خلافًا لما توهمه عبارة جامع الأصول والحافظ المنذري في مختصر السنن والنووي في شرح المهذّب.

وقوله: وسعديك هو من باب لبيك فيأتي فيه ما سبق من التثنية والإفراد ومعناه أسعدني إسعادًا فالمصدر فيه مضاف للفاعل وإن كان الأصل في معناه أسعدك بالإجابة إسعادًا بعد إسعاد على أن المصدر فيه مضاف للمفعول لاستحالة ذلك هنا، وقيل المعنى مساعدة على طاعتك بعد مساعدة فيكون من المضاف للمنصوب.

وقوله: والرغباء بفتح الراء والمد وبضمها مع القصر كالعلاء والعلاوة وبالفتح مع القصر ومعناه الطلب والمسألة يعني أنه تعالى هو المطلوب المسؤول منه فبيده جميع الأمور والعمل له سبحانه لأنه المستحق للعبادة وحده، وفيه حذف يحتمل أن تقديره والعمل إليك أي إليك القصد به والانتهاء به إليك لتجاري عليه.

وأخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة قال: كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد: لبيك مرفوعًا ومرهوبًا إليك ذا النعماء والفضل الحسن، وهذا يدل على جواز الزيادة على تلبية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلا استحباب ولا كراهة، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، لكن قال ابن عبد البر قال مالك: أكره أن يزيد على تلبية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وينبغي أن يفرد ما روي مرفوعًا ثم يقول الموقوف على انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع.
قال إمامنا الشافعي رحمة الله عليه فيما حكاه عنه البيهقي في المعرفة، ولا ضيق على أحد في مثل ما قال ابن عمر ولا غيره من تعظيم الله ودعائه مع التلبية غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من التلبية.


وفي سنن أبي داود وابن ماجة عن جابر قال: أهل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر التلبية.
قال: والناس يريدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسمع فلم يقل لهم شيئًا.

وفي تاريخ مكة للأزرقي بسند معضل أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لقد مرّ بفج الروحاء سبعون نبيًّا تلبيتهم شتى منهم يونس بن متى وكان يونس يقول: لبيك فراج الكرب لبيك وكان موسى يقول: لبيك أنا عبدك لديك لبيك قال: وتلبية عيسى أنا عبدك وابن أمتك بنت عبديك، واستحب الشافعية أن يصلّى على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الفراغ من التلبية ويسأل الله رضاه والجنة ويتعوّذ به من النار واستأنسوا لذلك بما رواه الشافعي والدارقطني والبيهقي من رواية صالح بن محمد بن زائدة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله تعالى رضوانه والجنة واستعفاه برحمته من النار.
قال صالح: سمعت القاسم بن محمد يقول: كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلّي على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصالح هذا ضعيف عند الجمهور، وقال أحمد: لا أرى بأسًا.




[ قــ :1486 ... غــ : 1550 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "إِنِّي لأَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُلَبِّي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ".
تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ.

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: ( حدّثنا سفيان) الثوري ( عن الأعمش) سليمن بن مهران ( عن عمارة) بن عمير بضم العين وفتح الميم ( عن أبي عطية) مالك بن عامر الهمداني ( عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها ( قالت) :
( إني لأعلم كيف كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلبي لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد) بكسر الهمزة وفتحها كما مرّ ( والنعمة لك) سقط قوله في رواية ابن عمر والملك لا شريك لك من هذه الرواية اختصارًا، وأردف المؤلّف هذا الحديث بسابقه لما فيه من الدلالة على أنه كان عليه الصلاة والسلام يديم ذلك، وفي حديث مسلم عن جابر التصريح بالمداومة.

( تابعه) أي تابع سفيان الثوري ( أبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين فيما وصله مسدّد في مسنده ( عن الأعمش) سليمان بن مهران.

( وقال شعبة) بن الحجاج فيما وصله أبو داود الطيالسى في مسنده: ( أخبرنا سليمان) الأعمش قال: ( سمعت خيثمة) بفتح الخاء المعجمة والمثلثة بينهما مثناة تحتية ساكنة ابن عبد الرحمن الجعفي الكوفي ( عن أبي عطية) مالك المذكور قال: ( سمعت عائشة -رضي الله عنها-) ولفظه كلفظ سفيان لكنه زاد فيها ثم سمعتها تلبي، وليس فيه قوله: لا شريك لك، ورجح أبو حاتم في العلل رواية الثوري ومن تبعه على رواية شعبة.
وقال: إنها وهم، وأفادت هذه الطريق بيان سماع أبي عطية من عائشة قاله في الفتح.


باب التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ قَبْلَ الإِهْلاَلِ عِنْدَ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ
( باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال) أي قبل التلبية ( عن الركوب) أي بعد الاستواء ( على الدابة) لا حالة وضع رجله مثلاً في الركاب، وقول الزركشي وغيره أنه قصد به الرد على أبي حنيفة في قوله: إن من سبح أو كبر أجزأه عن إهلاله، فأثبت البخاري أن التسبيح والتحميد من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما كان قبل الإهلال، تعقبه العيني بأن مذهب أبي حنيفة الذي استقر عليه أنه لا ينقص شيئًا من ألفاظ تلبية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن زاد عليها فمستحب انتهى.
قال الحافظ ابن حجرة وسقط لفظ التحميد من رواية المستملي.


[ قــ :1486 ... غــ : 1551 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَنَحْنُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ- الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا، حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ.
قَالَ وَنَحَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا، وَذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ".
قال أبو عبد الله: قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَنَسٍ.

وبالسند قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: ( حدّثنا وهيب) بالتصغير هو ابن خالد قال: ( حدّثنا أيوب) السختياني ( عن أبي قلابة) عبد الله الجرمي ( عن أنس -رضي الله عنه- قال:)
( صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن معه بالمدينة) حين أراد حجة الوداع ( الظهر أربعًا) أي أربع ركعات والواو في قوله "ونحن" للحال ( والعصر بذي الحليفة ركعتين) قصرًا ( ثم بات بها) أي بذي الحليفة ( حتى أصبح) دخل في الصباح أي: وصلّى الظهر ثم دعا بناقته فأشعرها كما عند مسلم ( ثم ركب) أي راحلته ( حتى استوت به) أي حال كونها متلبسة به كما مر ( على البيداء) بفتح الموحدة مع المد الشرف المقابل لذي الحليفة ( حمد الله وسبح وكبر ثم أهلّ بحج وعمرة) قارنًا بينهما ( وأهل الناس) الذين كانوا معه ( بهما) اقتداء به عليه الصلاة والسلام.

وفي الصحيحين عن جابر: أهلّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو وأصحابه بالحج، وفيهما عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام لبى بالحج وحده، ولمسلم في لفظ: أهلّ بالحج مفردًا، وعند الشيخين عن ابن عمر أنه كان متمتعًا، وفيهما أيضًا عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: تمتع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعمرة إلى الحج وتمتع الناس معه.

قال النووي في المجموع: والصواب الذي نعتقده أنه عليه الصلاة والسلام أحرم أولاً بالحج مفردًا ثم أدخل عليه العمرة فصار قارنًا فمن روى أنه كان مفردًا وهم الأكثرون اعتمدوا أوّل

الإحرام، ومن روى أنه كان قارنًا اعتمد آخره، ومن روى متمتعًا أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والالتذاذ وقد انتفع بأن كفاه عن النسكين فعل واحد ولم يحتج إلى إفراد كل واحد بعمل اهـ.

وبقية مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في باب التمتع والقران بعد ستة أبواب.

( فلما قدمنا) مكة ( أمر) عليه الصلاة والسلام ( الناس) الذين كانوا معه ولم يسوقوا الهدي ( فحلوا) من إحرامهم، وإنما أمرم بالفسخ وهم قارنون لأنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج منكرة كما هو رسم الجاهلية، فأمرهم بالتحلل من حجهم والانفساخ إلى العمرة وتحقيقًا لمخالفتهم وتصريحًا جواز الاعتمار في تلك الأشهر، وهذا خاص بتلك السنة عند الجمهور خلافًا لأحمد ( حتى كان يوم التروية) برفع يوم لأن كان تامة لا تحتاج إلى خبر ويوم التروي هو ثامن الحجة سمي به لأنهم كانوا يروون دوابهم بالماء فيه ويحملونه إلى عرفات ( أهلوا بالحج) من مكة.

( قال) أنس ( ونحر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بمكة ( بدنات بيده) حال كونهن ( قيامًا) ، أي قائمات وهن المهداة إلى مكة ( وذبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة) يوم عيد الأضحى ( كبشين أملحين) بالحاء المهملة تثنية أملح وهو الأبيض الذي يخالطه سواد.

( قال أبو عبد الله) البخاري: ( قال بعضهم: هذا عن أيوب) السختياني ( عن رجل) قيل هو أبو قلابة وقيل حماد بن سلمة ( عن أنس) قال الحافظ ابن حجر: هكذا وقع عند الكشميهني اهـ.

ومقتضاه أنه سقط قول أبي عبد الله البخاري هذا إلى آخره عند المستملي والحموي.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الحج والجهاد وأبو داود بعضه في الأضاحي وبعضه في الحج.