فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم

باب مَنْ أَهَلَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
( باب من أهل) أي أهلّ على الإبهام من غير تعيين ( في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كإهلال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فأقره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه وتقييده في الترجمة بزمنه عليه الصلاة والسلام إشارة إلى أنه لا يجوز بعد ذلك.


لنا: أن الأصل عدم الخصوصية فيجوز أن يحرم كإحرام زيد فإن لم يكن زيد محرمًا انعقد إحرامه مطلقًا ولغت الإضافة لزيد، وإن كان زيد محرمًا انعقد إحرامه كإحرامه إن كان حجًّا فحج وإن كان عمرة فعمرة وإن كان مطلقًا فمطلق ويتخير كما يتخير زيد ولا يلزمه الصرف إلى ما يصرف إليه زيد، فإذا تعذر معرفة إحرامه بموته أو جنونه أو غيبته نوى القران وعمل أعمال النسكين ليتحقق الخروج عما شرع فيه، وهذا مذهب الشافعية وهو الصحيح عند أشهب نقله سند وصاحب الذخيرة وهو مذهب الحنابلة، وحكي عن مالك المنع وهو قول الكوفيين لعدم الجزم حين الدخول في العبادة ( قاله) أي ما ذكر في الترجمة ( ابن عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما أخرجه المؤلّف -رحمه الله- في باب: بعث علي -رضي الله عنه- إلى اليمن من باب المغازي.


[ قــ :1493 ... غــ : 1557 ]
- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ -رضي الله عنه- "أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا -رضي الله عنه- أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَذَكَرَ قَوْلَ سُرَاقَةَ".
[الحديث 1557 - أطرافه في: 1568، 1570، 1651، 1785، 2506، 4352، 7230، 7367] .

وبالسند قال: ( حدّثنا المكي بن إبراهيم) بشر بن فرقد الحنظلي التميمي البلخي ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( قال عطاء) هو ابن أبي رباح، ( قال جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري ( -رضي الله عنه-) .

( أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليا -رضي الله عنه-) هو ابن أبي طالب حين قدم مكة من اليمن ومعه هدي ( أن يقيم على إحرامه) الذي كان أحرم به كإحرام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يحل لأنه معه الهدي.

( وذكر) أي جابر في حديثه فهو من مقول عطاء أو المكي بن إبراهيم فيكون من مقول البخاري ( قول سراقة) بضم السين المهملة وفتح القاف ابن مالك بن جعشم بضم الجيم والشين المعجمة بينهما مهملة ساكنة المذكور في باب: عمرة التنعيم من حديث حبيب المعلم عن عطاء حدثني جابر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهلّ هو وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم هدي غير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وطلحة، وكان علي -رضي الله عنه- قدم من اليمن ومعه هدي الحديث وفيه: أن سراقة لقي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعقبة وهو يرميها فقال: ألكم هذه خاصة يا رسول الله قال بل لأبد الأبد أي إن أفعال العمرة تدخل في أفعال الحج للقارن دائمًا في خصوص تلك السنة.

وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول.
قال عطاء وقال جابر وهو صورة التعليق وهو من الرباعيات.




[ قــ :1494 ... غــ : 1558 ]
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلاَّلُ الْهُذَلِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ الأَصْفَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ "قَدِمَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ: بِمَا أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ

لأحْللتُ" وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ "قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بِمَا أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ".

وبه قال: ( حدّثنا الحسن بن علي الخلال) بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام الأولى ( الهذلي) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة نسبة إلى هذيل بن مدركة المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائتين قال: ( حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد قال: ( حدّثنا سليم بن حيان) بفتح السين وكسر اللام وحيان بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية ( قال سمعت مروان الأصفر) بالصاد المهملة والفاء أبو خليفة البصري قيل اسم أبيه خاقان وقيل سالم ( عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قدم علي -رضي الله عنه- على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة ( من اليمن فقال:) عليه الصلاة والسلام له:
( بما أهللت؟) أي أحرم وأثبت ألف ما الاستفهامية مع دخول الجار عليها وهو قليل، ولأبي ذر: بم بحذفها على الكثير الشائع نحو فيم أنت من ذكراها عم يتساءلون ( قال:) علي -رضي الله عنه- ( بما أهل) أي بالذي أحرم ( به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال:) عليه الصلاة والسلام ( لولا أن معي الهدي لأحللت) من الإحرام وتمتعت لأن صاحب الهدي لا يتحلل حتى يبلغ الهدي محله وهو يوم النحر، واللام في لأحللت للتأكيد.
وأخرج هذا الحديث مسلم والترمذي في الحج.

( وزاد محمد بن بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف البرساني بضم الموحدة وفتح السين المهملة مما وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن بشار وأبو عوانة في صحيحيه عن عمار كلاهما عنه ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( قال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( بما أهللت يا علي) ؟ ( قال: بما أهل به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قال) ( فأهد) بهمزة قطع مفتوحة ( وامكث) بهمزة وصل أي البث حال كونك ( حرامًا) أي محرمًا ( كما أنت) أي على ما أنت عليه من الإحرام إلى الفراغ من الحج، وما: موصولة وأنت مبتدأ حذف خبره أو خبر حذف مبتدؤه أي كالذي هو أنت أو ما زائدة ملغاة والكاف جارة وأنت ضمير مرفوع أنيب عن المجرور كقولهم ما أنا كأنت، والمعنى كن فيما يستقبل مماثلاً لنفسك فيما مضى أو ما كافة وأنت مبتدأ حذف خبره أي عليه أو كائن.
قال البرماوي كالكرماني: وفي الحديث أن عليًا كان قارنًا لأن الدم إما على متمتع أو قارن وليس متمتعًا لأن قوله أمكث يدل على عدمه.




[ قــ :1495 ... غــ : 1559 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ "بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى قَوْمٍ بِالْيَمَنِ.
فَجِئْتُ وَهْوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: بِمَا أَهْلَلْتَ؟.

قُلْتُ أَهْلَلْتُ كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ؟ قُلْتُ: لاَ.
فَأَمَرَنِي فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْتُ، فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي أَوْ غَسَلَتْ رَأْسِي.
فَقَدِمَ عُمَرُ -رضي الله عنه- فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، قَالَ اللَّهُ: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ

وَالْعُمْرَةَ}
[البقرة: 196] .
وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ".
[الحديث 1559 - أطرافه في: 1565، 174، 1795، 4346، 4397] .

وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن قيس بن مسلم) بضم الميم وسكون السين الجدلي بفتح الجيم والدال الكوفي (عن طارق بن شهاب) البجلي وفي المغازي من رواية أيوب بن عائذ عن قيس بن مسلم سمعت طارق بن شهاب (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- قال: بعثني -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في العاشرة من الهجرة قبل حجة الوداع (إلى قوم باليمن) ولأبي ذر: إلى قومي بياء الإضافة (فجئت وهو بالبطحاء) أي بطحاء مكة زاد في باب متى يحل المعتمر من رواية شعبة عن قيس وهو منيخ أي نازل بها (فقال:) عليه الصلاة والسلام.

(بما أهللت؟) بإثبات ألف ما الاستفهامية على القليل.
قال أبو موسى (قلت: أهللت) وفي رواية شعبة: قلت لبيك بإهلال (كإهلال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (هل معك من هدي) (قلت: لا فأمرني فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أمرني فأحللت) من إحرامي (فأتيت امرأة من قومي) لم تسم المرأة.
نعم في أبواب العمرة أنها امرأة من قيس، ويحتمل أن تكون محرمًا له (فمشطتني) بتخفيف الشين المعجمة أي سرحته بالمشط (أو غسلت رأسي) بالشك.
ولمسلم: وغسلت بواو العطف ولم يذكر الحلق إما لكونه معلومًا عندهم أو لدخوله في أمره بالإحلال (فقدم) بكسر الدال أي جاء (عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) أي زمان خلافته لا في حجة الوداع كما بين في مسلم واختصره المؤلّف، ولفظ مسلم: ثم أتيت امرأة من قيس فقلت رأسي ثم أهللت بالحج فكنت أفتي به الناس حتى كان في خلافة عمر -رضي الله عنه- فقال له رجل: يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس رويدك بعض فتياك فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك.
فقال: يا أيها الناس من كنا أفتيناه فُتيا فليتئد فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فأتموا به.
قال: فقدم عمر فذكرت له ذلك (فقال: أن نأخذ بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام)، أي بإتمام أفعالهما بعد الشروع فيهما (قال الله تعالى: { وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196] قيل إتمامهما الإحرام بهما من دويرة أهله وهو مروي عن علي وابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وعند عبد الرزاق عن عمر من تمامهما أن يفرد كل واحد منهما من الآخر وأن يعتمر في غير أشهر الحج إن الله تعالى يقول الحج أشهر معلومات، (وأن نأخذ بسنة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه) عليه الصلاة والسلام (لم يحل) من إحرامه (حتى نحر الهدي) بمنى، وظاهر كلام عمر هذا إنكار فسخ الحج إلى العمرة وأن نهيه عن التمتع إنما هو من باب ترك الأولى لا أنه منع ذلك منع تحريم وابطال قاله عياض.
وقال النووي: والمختار أنه ينهى عن المتعة المعروفة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه وهو على التنزيه للترغيب في الإفراد ثم انعقد الإجماع على جواز التمتع من غير كراهة، وإنما أمر أبا موسى بالإحلال لأنه ليس معه هدي بخلاف علي حيث

أمره بالبقاء لأن معه الهدي مع أنهما أحرما كإحرامه، لكن أمر أبا موسى بالإحلال تشبيهًا بنفسه لو لم يكن معه هدي، وأمر عليًّا تشبيهًا به في الحالة الراهنة.

وفي الحديث صحة الإحرام المعلق وهو موضع الترجمة وبه أخذ الشافعية كما مرّ أول الباب.