فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب هدم الكعبة

باب هَدْمِ الْكَعْبَةِ
قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَيُخْسَفُ بِهِمْ».

( باب هدم الكعبة) في آخر الزمان ( قالت عائشة -رضي الله عنها-) ولغير أبي ذر: وقالت عائشة: ( قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) "يغزو جيش الكعبة" بفتح الجيم وسكون المثناة التحتية.
قال البرماوي كالكرماني لا بالمهملة والموحدة اهـ.

قلت: ثبت في اليونينية في رواية أبي ذر: حبش بالحاء المهملة والموحدة المفتوحتين ( فيخسف بهم) بضم التحتية وفتح السين المهملة، وهذا طرف من حديث وصله في أوائل البيوع ولفظه: يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم ثم يبعثون على نياتهم.
والبيداء: المفازة التي لا شيء فيها، وهي في هذا الحديث اسم موضع مخصوص بين مكة والمدينة، وقوله: ثم يبعثون على نياتهم أي يخسف بالكل بشؤم الأشرار ثم يعامل كل منهم في الحشر بحسب نيته وقصده إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر.


[ قــ :1530 ... غــ : 1595 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنَسِ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي

مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا".

وبالسند قال: ( حدّثنا عمرو بن علي) بسكون الميم ابن بحر بن كثير الباهلي الصيرفي قال: ( حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان قال: ( حدّثنا عبيد الله بن الأخنس) بخاء معجمة بعد همزة مفتوحة وآخره سين مهملة قبلها نون مفتوحة بوزن الأحمر وعبيد بالتصغير النخعي الكوفي قال: ( حدثني) بالإفراد ( ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام وسكون التحتية هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة واسمه زهير التيمي الأحول ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( كأني به) قال في فتح الباري: كذا في جميع الروايات عن ابن عباس في هذا الحديث، والذي يظهر أن في الحديث شيئًا حذف، ويحتمل أن يكون هو ما وقع في حديث علي عند أبي عبيد في غريب الحديث من طريق أبي العالية عن علي قال: استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه فكأني برجل من الحبشة أصلع -أو قال أصمع- حمش الساقين قاعد عليها وهي تهدم.
ورواه الفاكهي من هذا الوجه ولفظه: أصعل بدل أصلع وقال: قائمًا عليها يهدمها بمسحاته.
ورواه يحيى الحماني في مسنده من وجه آخر عن علي مرفوعًا اهـ.

وتعقبه العيني بأنه لا يحتاج إلى تقدير حذف لأنه إنما يقدر في موضع يحتاج إليه للضرورة ولا ضرورة هنا.
قال: ودعواه الظهور غير ظاهرة لأنه لا وجه في تقدير محذوف لا حاجة إليه بما جاء في أثر عن صحابي، ولا يقال: الأحاديث يفسر بعضها بعضًا لأنا نقول هذا إنما يكون عند الاحتياج إليه ولا احتياج هنا إلى ذلك، والضمير في به للقالع الآتي ذكره وقوله:
( أسود) نصب كما في اليونينية على الذم أو الاختصاص وليس من شرط المنصوب على الاختصاص أن لا يكون نكرة، فقد قال الزمخشري في قوله تعالى: { قائمًا بالقسط} [آل عمران: 18] أنه منصوب على الاختصاص كذا نقله البرماوي والعيني وغيرهما كالكرماني، وعبارة الزمخشري: ويجوز أن يكون نصبًا على المدح.

فإن قلت: أليس من حق المنتصب على المدح أن يكون معرفة نحو: الحمد لله الحميد، إنا معشر الأنبياء لا نورث.

إنا بني نهشل لا ندعى لأب.

قلت: قد جاء نكرة في قول الهذلي:
ويأوي إلى نسوة عطل ... وشعثًا مراضيع مثل السعالى اهـ.


وتعقبه أبو حيان فقال: في كلامه هذا تخليط وذلك أنه لم يفرق بين المنصوب على المدح أو الذم أو الترحم وبين المنصوب على الاختصاص وجعل حكمهما واحدًا، وأورد مثالاً من المنصوب على المدح وهو: الحمد لله الحميد، ومثالين من المنصوب على الاختصاص وهما: إنّا معشر الأنبياء لا نورث.

إنا بني نهشل لا ندعى لأب.

والذي ذكره النحويون أن المنصوب على المدح أو الذم أو الترحم قد يكون معرفة وقبله معرفة يصلح أن يكون تابعًا لها، وقد لا يصلح وقد يكون نكرة كذلك وقد يكون نكرة قبلها معرفة فلا يصلح أن يكون نعتًا لها نحو قول النابغة:
أقارع عوف لا أحاول غيرها ... وجوه قرود تبتغي من تجادع
فانتصب وجوه قرود على الذم وقبله معرفة وهو أقارع عوف، وأما المنصوب على الاختصاص فنصوا على أنه لا يكون نكرة ولا مبهمًا ولا يكون إلا معرفًا بالألف واللام أو بالإضافة أو بالعلمية أو بأي ولا يكون إلا بعد ضمير متكلم مختص به أو مشارك فيه وربما أتى بعد ضمير مخاطب اهـ.

وأجاب تلميذه السمين بأن الزمخشري إنما أراد بالمنصوب على الاختصاص المنصوب على إضمار فعل سواء كان من الاختصاص المبوّب له في النحو أم لا.
وهذا اصطلاح أهل المعاني والبيان اهـ.

والأولى أن يقول الذي نص عليه الزمخشري النصب على المدح وأدخل فيه الاختصاص فليتأمل.

( أفحج) بفتح الهمزة وسكون الفاء بعدها وفتح الحاء المهملة وبالجيم منصوب صفة لسابقه، ويجوز أن يكون أسود أفحج حالين متداخلين أو مترادفين من ضمير به، وبه قال التوربشتي والدماميني وقال المظهري: هما بدلان من الضمير المجرور وفتحًا لأنهما غير منصرفين، ويجوز إبدال المظهر من المضمر الغائب نحو: ضربته زيدًا.
وقال الطيبي: الضمير في به مبهم يفسره ما بعده على أنه تمييز كقوله تعالى: { فقضاهن سبع سماوات} [فصلت: 12] فإن ضميرهن هو المبهم الفسر بسبع سماوات وهو تمييز كما قاله الزمخشري، وفي بعض الأصول أسود أفحج برفعهما على أن أسود مبتدأ خبره يقلعها، والجملة حال بدون الواو والضمير في به للبيت أي كأني متلبس به أو أسود خبر مبتدأ محذوف والضمير في به للقالع.
أي كأني بالقالع هو أسود، وقوله: أفحج خبر بعد خبر.
قال في القاموس: فحج كمنع تكبر وفي مشيته تداني صدور قدميه وتباعد عقباه كفحج وهو أفحج بين الفحج محركة والتفحج التفريج بين الرجلين.


( يقلعها) أي يقلع الأسود الافحج الكعبة حال كونها قلعًا ( حجرًا حجرًا) نحو: بوّبته بابًا بابًا أي مبوّبًا، أو هو بدل من الضمير المنصوب في يقلعها.

قال في المصابيح، فإن قلت: ما إعراب الألفاظ الواقعة في هذا التركيب وهو قوله كأني به الخ؟.

وأجاب: بأنه نظير قولهم كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل وكأنك بالليل قد أقبل: قال: وفيه أعاريب مختلفة.
قال بعض المحققين فيه الأولى أن تقول كأن على معنى التشبيه ولا تحكم بزيادة شيء وتقول: التقدير كأنك تبصر بالدنيا تشاهدها من قوله تعالى: { فبصرت به عن جنب} [القصص: 11] والجملة بعد المجرور بالباء حال أي كأنك تبصر بالدنيا وتشاهدها غير كائنة.
ألا ترى إلى قولهم: كأنك بالليل وقد أقبل والواو لا تدخل على الجمل إذا كانت أخبارًا لهذه الحروف.
قال الدمياني: ويؤيده أي ما قاله هذا المحقق ثبوت هذه الرواية بنصب أسود أفحج في الحديث، فالنصب على الحالية كما مرّ، ويقلعها في محل نصب على الصفة أو الحال أيضًا.

وفي هذا الحديث التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وشيخ المؤلّف ويحيى بصريان وابن الأخنس كوفي وابن أبي مليكة مكي.




[ قــ :1531 ... غــ : 1596 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ».

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي المصري قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المصري ( عن يونس) بن يزيد الأيلي ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( يخرب الكعبة) عند قرب الساعة حين لا يبقى في الأرض أحد يقول الله الله ( ذو السويقتين) بضم السين وفتح الواو تثنية سويقة مصغر الساق ( من الحبشة) قال في القاموس: الحبش والحبشة محركتين، والأحبش بضم الباء جنس من السودان الجمع حبشان وأحابش اهـ.

قال بعضهم: الحبشة ليس بصحيح في القياس لأنه لا واحد له على مثال فاعل فيكون مكسرًا على فعلة.
وقال ابن دريد: وأما قولهم الحبشة فعلى غير قياس، وقد قالوا أيضًا: حبشان ولا أدري كيف هو اهـ.

وإنكارهم لفظ الحبشة على هذا الوزن لا وجه له لأنه ورد في لفظ أفصح الناس، وقال الرشاطي: وهم من ولد كوش بن حام وهم أكثر السودان وجميع ممالك السودان يعطون الطاعة للحبش، وقد جاء في تخريب الكعبة أحاديث كحديث ابن عباس وعائشة عند المؤلّف، وما رواه أبو داود الطيالسي بسند صحيح.
وحديث عبد الله بن عمر عند أحمد، وروى ابن الجوزي عن حذيفة

حديثًا طويلاً مرفوعًا فيه: وخراب مكة من الحبشة على يد حبشي أفحج الساقين أزرق العينين أفطس الأنف كبير البطن معه أصحابه ينقضونها حجرًا حجرًا ويتناولونها حتى يرموا بها يعني الكعبة إلى البحر، وخراب المدينة من الجوع، واليمن من الجراد.
وذكر الحليمي أن خراب الكعبة يكون في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام، وقال القرطبي: بعد رفع القرآن من الصدور والمصاحف وذلك بعد موت عيسى وهو الصحيح.