فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي

باب الاِعْتِمَارِ بَعْدَ الْحَجِّ بِغَيْرِ هَدْيٍ
( باب الاعتمار بعد الحج) في أشهره ( بغير هدي) يلزم المعتمر.


[ قــ :1707 ... غــ : 1786 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ -رضي الله عنها- قَالَتْ "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحَجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةِ فَلْيُهِلَّ، وَلَوْلاَ أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ.
فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مِنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، فَفَعَلْتُ.
فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَرْدَفَهَا، فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا، فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلاَ صَدَقَةٌ وَلاَ صَوْمٌ".

وبالسند قال: ( حدّثنا محمد بن المثنى) الزمن قال: ( حدّثنا يحيى) القطان قال: ( حدّثنا هشام قال: أخبرني) بالإفراد ( أبي) عروة بن الزبير ( قال أخبرتني عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع حالة كوننا ( موافين لهلال ذي الحجة) أي قرب طلوعه فقد مرّ أنها قالت: خرجنا لخمس بقين من ذي القعدة والخمس قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال وهم في الطريق ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهم بسرف أو بعد الطواف كما مرّ قريبًا:
( من أحب) منكم ممن لم يكن معه هدي ( أن يهل بعمرة) يدخلها على الحج ( فيهل ومن أحب) منكم ممن معه هدي ( أن يهل بحجة) يدخلها على العمرة ( فليهل ولولا أني) وفي رواية أنني بزيادة نون ثانية ( أهديت لأهللت بعمرة) قال في فتح الباري، وتبعه العيني، وفي رواية السرخسي لأحللت بالحاء المهملة أي بحج.
( فمنهم) أي من الصحابة ( من) كان ( أهل) من الميقات ( بعمرة ومنهم من أهل بحجة) ومنهم من قرن.
قالت عائشة -رضي الله عنها-: ( وكنت ممن أهل بعمرة) الذي رواه

الأكثرون عنها أنها أحرمت أولاً بالحج فتحمل رواية عروة على آخر أمرها ( فحضت) بسرف ( قبل أن أدخل مكة فأدركني) أي قرب مني ( يوم عرفة وأنا حائض فشكوت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم التروية كما في مسلم، ولأبي ذر: فشكوت ذلك إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فقال) ( دعي عمرتك) أي أعمالها ( وانقضي رأسك) بحل ضفائر شعره ( وامتشطي) سرحيه بالمشط ( وأهلي) يوم التروية ( بالحج) قالت ( ففعلت) ما أمرني به عليه الصلاة والسلام.

( فلما كانت ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم فأردفها) فيه التفات لأن الأصل أن يقال فأردفني أي أركبها خلفه على الراحلة ( فأهلت بعمرة) من التنعيم ( مكان عمرتها) التي أرادت أن تكون منفردة عن حجتها ( فقضى الله حجها وعمرتها ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم) وهذا الكلام مدرج من قول هشام كما مرّ في الحيض ولعله نفى ذلك بحسب علمه ولا يلزم من ذلك نفيه في نفس الأمر وحال عائشة لا يخلو من أمرين: إما أن تكون قارنة، أو متمتعة وعليهما فلا بدّ من الهدي وقد ثبت أنها روت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضحى عن نسائه بالبقر وفي مسلم أنه أهدى عنها، فيحتمل أن يكون قوله لم يكن في ذلك هدي أي لم تتكلف له بل قام به عنها وحمله ابن خزيمة على أنه ليس في تركها لعمل العمرة الأولى وإدراجها لها في الحج ولا في عمرتها التي اعتمرتها من التنعيم أيضًا شيء.
قال في فتح الباري: وهو حسن والله أعلم.