فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة

باب مَا يُنْهَى مِنَ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ
.

     وَقَالَتْ  عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: لاَ تَلْبَسُ الْمُحْرِمَةُ ثَوْبًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ.

( باب ما ينهى) عنه ( من) استعمال ( الطيب للمحرم والمحرمة) لأنه من دواعي الجماع ومقدماته المفسدة للإحرام وعند البزار من حديث ابن عمر الحاج الشعث التفل بفتح المثناة الفوقية وكسر الفاء الذي ترك استعمال الطيب ( وقالت عائشة -رضي الله عنها-) مما وصله البيهقي ( لا تلبس) المرأة ( المحرمة ثوبًا) مصبوغًا ( بورس) بفتح الواو وسكون الراء ثم سين مهملة نيت أصفر تصبغ به الثياب ( أو زعفران) .
ومطابقته للترجمة من حيث أن المصبوغ بهما تفوح له رائحة كالطيب.


[ قــ :1754 ... غــ : 1838 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الإِحْرَامِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ وَلاَ الْعَمَائِمَ وَلاَ الْبَرَانِسَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ.
وَلاَ تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ الْوَرْسُ.
وَلاَ تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ".
تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ وَجُوَيْرِيَةُ وَابْنُ إِسْحَاقَ فِي النِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ.
.

     وَقَالَ  عُبَيْدُ اللَّهِ: وَلاَ وَرْسٌ.
وَكَانَ

يَقُولُ: لاَ تَتَنَقَّبِ الْمُحْرِمَةُ وَلاَ تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ.
.

     وَقَالَ  مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لاَ تَتَنَقَّبِ الْمُحْرِمَةُ.
وَتَابَعَهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ.

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يزيد) من الزيادة المقري مولى آل عمر قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: ( حدّثنا نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قام رجل) لم يسم ( فقال: يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا تلبسوا القميص) بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت: القمص بضم القاف والميم بالجمع ( ولا السراويلات) جمع سراويل غير منصرف قيل لأنه منقول عن الجمع بصيغة مفاعيل وأن واحده سروالة، وقيل لأنه أعجمي على أن ابن الحاجب حكى أن من العرب من يصرفه وهي مؤنثة عند الجمهور ( ولا العمائم) جمع عمامة سميت بذلك لأنها تعم جميع الرأس بالتغطية ( ولا البرانس) جمع برنس بضم الباء والنون قلنسوة طويلة كان النساك في صدر الإسلام يلبسونها، وزاد في باب: ما لا يلبس المحرم من الثياب ولا الخفاف ( إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع) أي الخفين ( أسفل من الكعبين) وهما العظمان الناتئان عند ملتقى الساق والقدم، وهذا قول مالك والشافعي.
وذهب المتأخرون من الحنفية إلى التفرقة بين الكعب في غسل القدمين في الوضوء والكعب المذكور في قطع الخفين للمحرم وأن المراد بالكعب هنا المفصل الذي في القدم عند معقد الشراك دون الناتئ وأنكره الأصمعي ولا فدية عليه وقال الحنفية: عليه الفدية.
وقال الحنابلة: لا يقطعهما ولا فدية عليه، واحتجوا بحديث ابن عباس الآتي إن شاء الله تعالى في الباب الآتي بعد هذا الباب ولفظه: من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد إزار فليلبس سراويل.

وأجيب: بأنه مطلق.
وحديث الباب مقيد فيحمل المطلق على المقيد لأن الزيادة من الثقة مقبولة، وقد وقع السؤال عما يلبس المحرم؟ وأجيب: بما لا يلبس ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما يجوز وإنما عدل عن الجواب المطابق إلى هذا الجواب لأنه أخصر فإن ما يحرم أقل وأضبط مما يحل، أو لأن السؤال كان من حقه أن يكون عما لا يلبس لأن الحكم العارض المحتاج إلى البيان هو الحرمة، وأما جواز ما يلبس فثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب فلذلك أتى بالجواب على وفقه تنبيهًا على ذلك.

والحاصل أنه نبه بالقميص والسراويل على جميع ما في معناهما وهو ما كان مخيطًا أو معمولاً على قدر البدن أو العضو كالجوشن والران والتبان وغيرها وبالعمائم والبرانس على كل ساتر للرأس مخيطًا كان أو غيره حتى العصابة فإنها حرام ونبه بالخفاف على كل ساتر للرجل من مداس وغيره، وهذا الحكم خاص بالرجال بدليل توجيه الخطاب نحوهم.

( ولا تلبسوا) في حال الإحرام ( شيئًا مسّه زعفران ولا الورس) ولا ما في معناهما مما يقصد به رائحته غالبًا كالمسك والعود والورد فيحرم مع وجوب الفدية بالتطيب ولو كان أخشم في ملبوسه

ولو نعلاً أو بدنه ولو باطنًا بنحو أكل قياسًا على الملبوس المذكور في الحديث لا ما يقصد به الأكل أو التداوي وإن كان له رائحة طيبة كالتفاح والأترج والقرنفل والدارصيني وسائر الأبازير الطيبة كالفلفل والمصطكي فلا تجب فيه الفدية لأنه إنما يقصد منه الأكل أو التداوي كما مرّ، ولا ما ينبت بنفسه وإن كان له رائحة طيبة كالشيح والقيصوم والخزامى لأنه لا يعد طيبًا وإلا لاستنبت وتعهد كالورد ولا بالعصفر والحناء وإن كان لهما رائحة طيبة لأنه إنما يقصد منه لونه، وتجب الفدية في النرجس والريحان الفارسي وهو الضيمران بفتح المعجمة وضم الميم كما ضبطه النووي قال في المهمات: لكنه لغة قليلة، والمعروف المجزوم به في الصحاح أن الضومران بالواو وفتح الميم وهو نبت بري.
وقال ابن يونس: المرسين.
وقوله: ولا الورس بفتح الواو وسكون الراء آخره مهملة أشهر طيب في بلاد اليمن، والحكمة في تحريم الطيب البعد عن التنعم وملاذ الدنيا ولأنه أحد دواعي الجماع وهذا الحكم المذكور يعم الرجل والمرأة.

( ولا تنتقب المرأة) بنون ساكنة بعد تاء المضارعة وكسر القاف وجزم الفعل على النهي فيكسر لالتقاء الساكنين، ويجوز رفعه على أنه خبر عن حكم الله لأنه جواب عن السؤال عن ذلك.
وللكشميهني: ولا تتنقب بمثناتين فوقيتين مفتوحتين والقاف المشددة المرأة ( المحرمة ولا تلبس القفازين) تثنية قفاز بضم القاف وتشديد الفاء بوزن رمان في القاموس شيء يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد أو ضرب من الحلي لليدين والرجلين، وقال غيره هو ما تلبسه المرأة في يديها فيغطي أصابعها وكفيها عند معاناة الشيء في غزل ونحوه.

وروى أحمد وأبو داود والحاكم من طريق ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في إحرامهن عن القفازين وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب فيباح لها ستر جميع بدنها بكل ساتر مخيطًا كان أو غيره إلا وجهها فإنه حرام كذا ستر الكفّين بقفازين أو واحدهما بأحدهما لأن القفازين ملبوس عضو ليس بعورة فأشبه خف الرجل ويجوز سترهما بغيرهما ككم.
وخرقة لفتها عليهما للحاجة إليه ومشقة الاحتراز عنه.
نعم، يعفى عما تستره من الوجه احتياطًا للرأس إذ لا يمكن استيعاب ستره إلا بستر قدر يسير مما يليه من الوجه والمحافظة على ستره بكماله لكونه عورة أولى من المحافظة على كشف ذلك القدر من الوجه، ويؤخذ من هذا التعليل أن الأمة لا تستر ذلك لأن رأسها ليس بعورة، لكن قال في المجموع ما ذكر في إحرام المرأة ولبسها لم يفرقوا فيه بين الحرة والأمة وهو المذهب، وللمرأة أن ترخي على وجهها ثوبًا متجافيًا عنه بخشبة أو نحوها، فإن أصاب الثوب وجهها بلا اختيار فرفعته فورًا فلا فدية وإلا وجبت مع الإثم.

( تابعه) أي تابع الليث ( موسى بن عقبة) المدني الأسدي فيما وصله النسائي وأبو داود مرفوعًا ( وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة) ابن أخي موسى السابق مما وصله علي بن محمد المصري في فوائده من رواية الحافظ السلفي ( وجويرية) ابن أسماء مما وصله أبو يعلى الموصلي ( وابن إسحاق) محمد مما

وصله أحمد والحاكم مرفوعًا ( في) ذكر ( النقاب) وهو الخمار الذي تشدّه المرأة على الأنف أو تحت المحاجر، فإن قرب من العين حتى لا تبدو أجفانها فهو الوصواص بفتح الواو وسكون الصاد المهملة الأولى، فإن نزل إلى طرف الأنف فهو اللفام بكسر اللام وبالفاء، فإن نزل إلى الفم ولم يكن على الأرنبة منه شيء فهو اللثام بالمثلثة ( والقفازين) وظاهره اختصاص ذلك بالمرأة، ولكن الرجل في القفاز مثلها لكونه في معنى الخف فإن كلاًّ منهما محيط بجزء من البدن، وأما النقاب فلا يحرم على الرجل من جهة الإحرام لأنه لا يحرم عليه تغطية وجهه.

( وقال عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة مصغر ابن عمر العمري مما وصله إسحاق بن راهويه في مسنده وابن خزيمة ( ولا ورس) فوافق الأربعة المذكورين في رواية الحديث المذكور عن نافع حيث جعل الحديث إلى قوله ولا ورس مرفوعًا، ثم خالفهم ففصل بقية الحديث فجعله من قول ابن عمر أدرجه في الحديث فقال: ( وكان يقول: لا تتنقب المحرمة ولا تلبس القفازين) بالجزم على النهي في تتنقب وتلبس والكسر لالتقاء الساكنين ويجوز رفعهما على الخبر كما مر وتتنقب بمثناتين فوقيتين من التفعل.

( وقال مالك) الإمام الأعظم مما هو في موطئه ( عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما-: ( لا تتنقب المحرمة) .

( وتابعه) أي تابع مالكًا ( ليث بن أبي سليم) بضم المهملة وفتح اللام ابن زنيم القرشي الكوفي في وقفه وفيه تقوية لعبيد الله العمري وظهر الإدراج في رواية غيره.

وقد استشكل ابن دقيق العيد الحكم بالإدراج في هذا الحديث لورود النهي عن النقاب والقفاز مفردًا وللابتداء بالنهي عنهما في رواية ابن إسحاق المرفوعة المذكورة فيما سبق من رواية أحمد وأبي داود والحاكم وقال في الاقتراح دعوى الإدراج في أول المتن ضعيفة.

وأجيب: بأن الثقات إذا اختلفوا وكان مع أحدهم زيادة قدّمت ولا سيما إن كان حافظًا خصوصًا إن كان أحفظ والأمر هنا كذلك فإن عبيد الله بن عمر في نافع أحفظ من جميع من خالفه وقد فصل الموضوع من الموقوف، وأما الذي ابتدأ في المرفوع بالموقوف فإنه من التصرف في الرواية بالمعنى فكأنه رأى أشياء متعاطفة فقدم وأخر لجواز ذلك عنده ومع الذي فصل زيادة علم فهو أولى قاله في فتح الباري ونحوه في شرح الترمذي للحافظ زين الدين العراقي.




[ قــ :1755 ... غــ : 1839 ]
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ وَلاَ تُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلاَ تُقَرِّبُوهُ طِيبًا، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ".

وبه قال: ( حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: ( حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد ( عن منصور) هو

ابن المعتمر ( عن الحكم) بن عتيبة ( عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: وقصت) بالقاف والصاد المهملة المفتوحتين فعل ماض ( برجل محرم) أي كسرت رقبته ( ناقته) فاعل وقصت ( فقتلته) وكان ذلك عند الصخرات من عرفات ولم يعرف اسم الرجل المذكور ( فأتي) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول ( به) أي بالرجل ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) برفع رسول نائب عن الفاعل ( فقال) :
( اغسلوه وكفنوه ولا تغطوا رأسه ولا تقربوه طيبًا) بضم المثناة الفوقية وتشديد الراء المكسورة ( فإنه يبعث) يوم القيامة حال كونه ( يهل) بضم أوله أي يرفع صوته بالتلبية على هيئته التي مات عليها فهو باق على إحرامه وهذا عام في كل محرم.
وقال الحنفية والمالكية: ينقطع الإحرام بالموت ويفعل به ما يفعل بالحي، وأجابوا عن هذه القصة بأنها واقعة عين لا عموم فيها لأنه علل ذلك بقوله: فإنه يبعث ملبيًا وهذا الأمر لا يتحقق وجوده في غيره فيكون خاصًّا بذلك الرجل ولو استمر بقاؤه على إحرامه لأمر بقضاء بقية مناسكه ولو أريد التعميم في كل محرم لقال فإن الحرم كما قال: إن الشهيد يبعث وجرحه يثعب دمًا.

وأجيب: بأن الأصل أن كل ما ثبت لواحد في زمنه عليه الصلاة والسلام يثبت لغيره حتى يظهر التخصيص، وقد اختلف في الصائم يموت هل يبطل صومه بالموت حتى يجب قضاء ذلك اليوم عنه أو لا يبطل.

وهذا الحديث قد سبق في باب الكفن في ثوبين وفي الحنوط للميت، وفي باب المحرم يموت بعرفة، وفي باب سنة الحرم إذا مات.