فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين

باب لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ
( باب) حكم ( لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين) أي هل يقطع أسفلهما أم لا؟.


[ قــ :1757 ... غــ : 1841 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ".

وبالسند قال: ( حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج ( قال: أخبرني) بالإفراد ( عمرو بن دينار) قال: ( سمعت جابر بن زيد) الأزدي اليحمدي قال: ( سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب بعرفات) في حجة الوداع ( من لم يجد النعلين فليلبس الخفين) بعد أن يقطع أسفل من الكعبين وهما العظمان الناتئان عند ملتقى الساق والقدم وهذا قول مالك والشافعي.
وذهب المتأخرون من الحنفية إلى التفرقة بين الكعب في غسل القدمين في الوضوء والكعب المذكور في قطع الخفين للمحرم، وأن المراد بالكعب هنا المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك دون الناتئ وأنكره الأصمعي، ولكن قال الحافظ الزين العراقي: أنه أقرب إلى عدم الإحاطة على القدم ولا يحتاج القول به إلى مخالفة اللغة بل يوجد ذلك في بعض ألفاظ ابن عمر، ففي رواية الليث عن نافع عنه: فليلبس الخفين أسفل من الكعبين، فقوله:
ما أسفل بدل من الخفين فيكون اللبس لهما أسفل من الكعبين والقطع من الكعب فما فوق.
وفي رواية مالك عن نافع عنه مما سبق وليقطعهما أسفل من الكعبين فليس فيه ما يدل على كون القطع مقتصرًا على ما دون الكعبين بل يزاد مع الأسفل ما يخرج القدم عن كونه مستورًا بإحاطة الخف عليه ولا حاجة حينئذٍ إلى مخالفة ما جزم به أهل اللغة اهـ.
وهل إذا لبسه والحالة هذه تلزمه الفدية قال الشافعية: لا تلزمه، وقال الحنفية: عليه الفدية، وقال الحنابلة: لا يقطعهما لأنه إضاعة مال ولا فدية عليه.
قال المرداوي في الإنصاف: وهذا هو المذهب نص عليه أحمد في رواية الجماعة وعليه الأصحاب وهو من المفردات وعنه إن لم يقطع إلى دون الكعبين فعليه الفدية.
وقال الخطابي: العجب من الإمام أحمد في هذا يعني في قوله بعدم القطع لأنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه.
قال الزركشي الحنبلي: العجب كل العجب من الخطابي في توهمه عن أحمد مخالفة السنة أو خفاءها، وقد قال المروزي احتججت على أبي عبد الله بقول ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليقطع أسفل الكعبين فقال: هذا حديث وذاك حديث فقد اطلع على السنة وإنما نظر نظرًا لا ينظره إلا الفقهاء المتبصرون وهذا يدل على غاية من الفقه والنظر اهـ.

واشترط الجمهور قطع الخف حملاً للمطلق على المقيد في حديث ابن عمر السابق، وقد ورد في بعض طرق حديث ابن عباس الصحيحة موافقته لحديث ابن عمر في قطع الخفين رواه النسائي شي سننه قال: أخبرنا إسماعيل بن مسعود، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا أيوب عن عمرو عن

جابر بن زيد عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول "إذا لم يجد إزارًا فليلبس السراويل وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين وقطعهما أسفل من الكعبين"، وهذا إسناد صحيح، وإسماعيل بن مسعود وثقه أبو حاتم وغيره والزيادة من الثقة مقبولة على الصحيح.

وأما احتجاج أحمد بأن حديث ابن عباس ناسخ لحديث ابن عمر المصرح بقطعهما.
فلو سلمنا تأخر حديث ابن عباس وخلوّه عن الأمر بقطع الخفين لا يلزم منه الحكم بالنسخ مع إمكان الجمع وحمل المطلق على المقيد متعين، وقد قال ابن قدامة الحنبلي: الأولى قطعهما عملاً بالحديث الصحيح وخروجًا من الخلاف اهـ.

وقد سبق أنه روي عن أحمد أنه قال: إن لم يقطع إلى دون الكعبين فعليه الفدية.

( ومن لم يجد إزارًا) هو ما يشد في الوسط ( فليلبس سراويل) ولأبي ذر: السراويل بالتعريف ( للمحرم) بلام البيان كهي في نحو هيت لك وسقيا لك أي هذا الحكم للمحرم، ولأبي الوقت عن الكشميهني: المحرم بالألف بدل اللام والرفع فاعل فليلبس وسراويل مفعول.




[ قــ :1758 ... غــ : 184 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-: "سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: لاَ يَلْبَسِ الْقَمِيصَ وَلاَ الْعَمَائِمَ وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ وَلاَ الْبُرْنُسَ وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ وَرْسٌ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ".

وبه قال: ( حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي قال: ( حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين الزهري القرشي المدني كان على قضاء بغداد قال: ( حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( عن سالم عن أبيه عبد الله) بن عمر ( -رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه قال: ( سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم سين سئل مبنيًّا للمفعول ولم يسم السائل ( ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال) : -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجيبًا له بما لا يلبس لأنه محصور بخلاف ما يلبس إذ الأصل الإباحة وفيه تنبيه على أنه كان ينبغي السؤال عما لا يلبس، وأن المعتبر في الجواب ما يحصل المقصود وإن لم يطابق السؤال صريحًا فقال:
( لا يلبس القميص) بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني: القمص ( ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرنس) بالإفراد في الثالث وهو بضم الموحدة والنون ( ولا) يلبس ( ثوبًا مسه زعفران) مفرد زعافر كترجمان وتراجم ( ولا ورس) بفتح الواو وسكون الراء آخره سين مهملة نبت يصبغ به أصفر ومنه الثياب الورسية أي المصبوغة به، وقيل إن الكركم عروقه وليس ذكرهما للتقييد بل لأنهما الغالب فيما يصبغ للزينة والترفه فيلحق بهما ما في معناهما واختلف في ذلك المعنى فقيل لأنه طيب فيحرم كل طيب، وبه قال: الجمهور.
وقيل: مطلق الصبغ.
نعم يكره تنزيهًا المصبوغ ولو

بنيلة أو مغرة للنهي عنه رواه مالك موقوفًا على ابن عمر بإسناد صحيح ومحله فيما صبغ بغير زعفران أو عصفر وإنما كرهوا هنا المصبوغ بغيرهما خلاف ما قالوه في باب ما يجوز لبسه أنه يحرم لبس ما صبغ بهما لأن المحرم أشعث أغبر فلا يناسبه المصبوغ مطلقًا، لكن قيده الماوردي والروياني بما صبغ بعد النسخ.

( وإن لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين) قيد في حديث ابن عمر وأطلق في حديث ابن عباس قال الشافعي رحمه الله: فقبلنا زيادة ابن عمر -رضي الله عنهما- في القطع كما قبلنا زيادة ابن عباس -رضي الله عنهما- في لبس السراويل إذا لم يجد إزارًا وكلاهما حافظ صادق وليس زيادة أحدهما على الآخر شيئًا لم يروه الآخر وإنما عزب عنه أو شك فيه فلم يروه أو سكت عنه أو أداه فلم يرو عنه لبعض هذه المعاني.