فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما جاء في العلم. وقوله تعالى: {وقل رب زدني علما} [طه: 114]

باب مَا جَاءَ فِي الْعِلْمِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}
بَابُ الْقِرَاءَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْمُحَدِّثِ.
وَرَأَى الْحَسَنُ وسُفيانُ وَمَالِكٌ الْقِرَاءَةَ جَائِزَةً.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ بِحَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ؟ قَالَ «نَعَمْ».
قَالَ: فَهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَ ضِمَامٌ قَوْمَهُ بِذَلِكَ فَأَجَازُوهُ.
وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِالصَّكِّ يُقْرَأُ عَلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُونَ أَشْهَدَنَا فُلاَنٌ: وَيُقْرَأُ ذَلِكَ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ، وَيُقْرَأُ عَلَى الْمُقْرِئِ فَيَقُولُ الْقَارِئُ: أَقْرَأَنِي فُلاَنٌ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيُّ عَنْ عَوْفٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرَبْرِيُّ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: إِذَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي.
قَالَ وَسَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُولُ عَنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ: الْقِرَاءَةُ عَلَى الْعَالِمِ وَقِرَاءَتُهُ سَوَاءٌ.

( باب ما جاء في العلم وقول الله تعالى: وقل رب زدني علمًا) أي سل الله تعالى زيادة العلم وهذا ساقط في رواية ابن عساكر والأصيلي وأبوي ذر والوقت، والباب التالي له ساقط عند الأصيلي وأبي ذر وابن عساكر.

( باب القراءة والعرض على المحدث) وفي نسخة القراءة والعرض على المحدث بحذف الباب أي بأن يقرأ عليه الطالب من حفظه أو كتاب أو يسمعه عليه بقراءة غيره من كتاب أو حفظ والمحدّث حافظ للمقروء أو غير حافظ، لكن مع تتبع أصله بنفسه أو ثقة ضابط غيره واحترز به عن عرض المناولة وهو العاري عن القراءة.
وصورته: أن يعرض الطالب مروي شيخه اليقظ العارف عليه فيتأمله الشيخ ثم يعيده عليه ويأذن له في روايته عنه.
( ورأى الحسن) البصري ( وسفيان) الثوري ( ومالك) أي ابن أنس إمام الأئمة ( القراءة) على المحدّث ( جائزة) في صحة النقل عنه خلافًا لأبي عاصم النبيل وعبد الرحمن بن سلام الجمحي ووكيع.
والمعتمد الأوّل، بل صرح القاضي عياض بعدم الخلاف في صحة الرواية بها، وقد كان الإمام مالك يأبى أشد الإباء على المخالف ويقول:
كيف لا يجزيك هذا في الحديث ويجزيك في القرآن والقرآن أعظم.
وقال بعض أصحابه: صحبته سبع عشر سنة فما رأيته قرأ الموطأ على أحد بل يقرؤون عليه، وفي رواية غير الأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر.
قال أبو عبد الله أي المؤلف سمعت أبا عاصم يذكر عن سفيان الثوري ومالك الإمام أنهما كانا يريان القراءة والسماع جائزًا وفي رواية أبي ذر جائزة أي القراءة لأن السماع لا نزاع فيه، ولغير أبي ذر حدّثنا عبيد الله بن موسى عن سفيان قال: إذا قرئ على المحدّث فلا بأس أن يقول حدّثني بالإفراد وسمعت.

( واحتجّ بعضهم) هو الحميدي شيخ المؤلف أو أبو سعيد الحداد كما في المعرفة للبيهقي من طريق ابن خزيمة ( في القراءة على العالم) أي في صحة النقل عنه ( بحديث ضمام بن ثعلبة) بكسر الضاد المعجمة وثعلبة بالمثلثة ثم المهملة وبعد اللام موحدة.
زاد في رواية الأصيلي وأبي ذر أنه وسقطت لغيرهما كما في فرع اليونينية كهي ( قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: آلله) بهمزة الاستفهام مرفوع مبتدأ خبره قوله ( أمرك أن) أي بأن ( تصلي) بالمثناة الفوقية وفي فرع اليونينية أن نصلي بنون الجمع ( الصلوات) .


وفي رواية أبوي الوقت وذر عن الكشميهني الصلاة بالإفراد ( قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( نعم) أمرنا أن نصلي.
قال الحميدي: ( فهذه قراءة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية الأصيلي كما في الفرع فهذه قراءة على العالم ( أخبر ضمام قومه بذلك فأجازوه) أي قبلوه من ضمام وليس في الرواية الآتية من حديث أنس في قصته أنه أخبر قومه بذلك.
نعم روي ذلك من طريق آخر عند أحمد من حديث ابن عباس قال: بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة الحديث، وفيه أن ضمامًا قال لقومه عندما رجع إليهم: إن الله قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتابًا وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه.
قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلمًا.

( واحتج مالك) الإمام ( بالصك) بفتح المهملة وتشديد الكاف الكتاب فارسي معرب يكتب فيه إقرار المقر ( يقرأ على القوم) بضم المثناة التحتية مبنيًّا للمفعول ( فيقولون) أي الشاهدون لا القوم لأن المراد منهم من يعطي الصك وهم المقرون بالدّيون أو غيرها فلا يصح لهم أن يقولوا: ( أشهدنا فلان ويقرأ ذلك قراءة عليهم) وفي رواية أبوي ذر والوقت: وإنما ذلك قراءة عليهم فتسوغ الشهادة عليهم بقولهم نعم بعد قراءة المكتوب عليهم مع عدم تلفظهم بما هو مكتوب.
قال ابن بطال: وهذه حجة قاطعة لأن الإشهاد أقوى حالات الإخبار ( ويقرأ) بضم أوّله أيضًا ( على المقرئ) المعلم للقرآن ( فيقول القارئ) عليه ( أقرأني فلان) روى الخطيب البغدادي في كفايته من طريق ابن وهب قال:
سمعت مالكًا رحمه الله وقد سئل عن الكتب التي تعرض: أيقول الرجل حدّثني؟ قال: نعم كذلك القرآن أليس الرجل يقرأ على الرجل فيقول أقرأني فلان، فكذلك إذا قرأ على العالم صحّ أن يروي عنه انتهى.

وبالسند السابق إلى المؤلف قال: ( حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام البيكندي، قال: ( حدّثنا محمد بن الحسن) بفتح الحاء ابن عمران ( الواسطي) قاضيه المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة

وليس له في البخاري غير هذا ( عن عوف) بفتح العين آخره فاء هو ابن أبي جميلة الأعرابي ( عن الحسن) البصري ( قال: لا بأس) في صحة النقل عن المحدّث ( بالقراءة على العالم) أي الشيخ.
وبه قال المؤلف: ( حدّثنا عبيد الله) زاد في رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر ما هو ثابت في فرع اليونينية لا في أصلها إلا في الهامش وفوقه هـ س ط.

( وأخبرنا محمد بن يوسف الفربري، وحدّثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدّثنا عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة مصغر ( ابن موسى) بن باذام العبسي بالمهملتين ( عن سفيان) الثوري أنه ( قال: إذا قرئ) بضم القاف وكسر الراء وللأصيلي وابن عساكر: إذا قرأت، وفي رواية أبي الوقت: إذا قرأ ( على المحدّث لا بأس) على القارئ ( أن يقول حدّثني) كما جاز أن يقول أخبرني ( قال) أي المؤلف: ( وسمعت) وفي رواية س قال أبو عبد الله سمعت بغير واو ( أبا عاصم) هو الضحاك بن مخلد الشيباني البصري النبيل بفتح النون وكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية المتوفى في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين ( يقول عن مالك) إمام دار الهجرة ( و) عن ( سفيان) الثوري ( القراءة على العالم وقراءته سواء) في صحة النقل وجواز الرواية.
نعم استحب مالك القراءة على الشيخ، وروى عنه الدارقطني أنها أثبت من قراءة العالم والجمهور على أن قراءة الشيخ أرجح من قراءة الطالب عليه، وذهب آخرون إلى أنهما سواء كما تقدم عن مذهب المؤلف ومالك وغيرهما.


[ قــ :63 ... غــ : 63 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ -هُوَ الْمَقْبُرِيُّ- عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ -وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ- فَقُلْنَا هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ.
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدْ أَجَبْتُكَ: فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلاَ تَجِدْ عَلَىَّ فِي نَفْسِكَ.
فَقَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ.
فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ".
رَوَاهُ مُوسَى وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا.

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد عالم مصر ( عن سعيد) بن أبي سعيد بكسر العين فيهما ( هو المقبري) بضم الموحدة ولفظ هو ساقط في رواية أبي ذر

( عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم القرشي المدني المتوفى سنة أربع ومائة ( أنه سمع أن بن مالك) رضي الله عنه أي كلامه حال كونه ( يقول) :
( بينما) بالميم وفي نسخة بينا بغير ميم ( نحن) مبتدأ خبره ( جلوس مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسجد) النبوي ( دخل رجل) جواب بينما، وللأصيلي، إذ دخل، لكن الأصمعي لا يستفصح إذ وإذا في جواب بينا وبينما ( على جمل فأناخه في) رحبة ( المسجد) أو ساحته ( ثم عقله) بتخفيف القاف أي شدّ على ساقه مع ذراعه حبلاً بعد أن ثنى ركبته، وفي رواية أبي نعيم أقبل على بعير له حتى أتى المسجد فأناخه ثم عقله فدخل المسجد، وفي رواية أحمد والحاكم عن ابن عباس فأناخ بعيره على باب المسجد فعقله ثم دخل، وهذا يدل على أنه لم يدخل به السجد وهو يرفع احتمال دلالة ذلك على طهارة أبوال الإبل ( ثم قال لهم: أيكم) استفهام مرفوع على الابتداء خبره ( محمد والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متكئ) بالهمزة مستو على وطاء، والجملة اسمية وقعت حالاً ( بين ظهرانيهم) بفتح الظاء المعجمة والنون أي بينهم وزيد لفظ الظهر ليدل على أن ظهرًا منهم قدامه وظهرًا وراءه.
فهو محفوف بهم من جانبيه والألف والنون فيه للتأكيد.
قاله صاحب الفائق، وقال في المصابيح: ثم زيدت الألف والنون على ظهر عند التثنية للتأكيد ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقًا انتهى.
فهو مما أريد بلفظ التثنية فيه معنى الجمع، لكن استشكل البدر الدماميني ثبوت النون مع الإضافة.
وأجيب بأنه ملحق بالمثنى لا أنه مثنى وحذفت منه نون التثنية فصار ظهرانيهم.
( فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ) والمراد بالبياض هنا المشرب بحمرة كما دل عليه رواية الحرث بن أبي عمير حيث قال: الأمغر وهو مفسر بالحمرة مع بياض صافٍ، ولا تنافي بين وصفه هنا بالبياض وبين ما ورد أنه ليس بأبيض ولا آدم لأن المنفي البياض الخالص كلون الجص، وفي كتابي المنح من مباحث ذلك ما يكفي ويشفي، ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله نكت من ذلك في الصفة النبوية من هذا المجموع.
( فقال له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( الرجل) الداخل ( ابن عبد المطلب) بكسر الهمزة وفتح النون كما في فرع اليونينية، والذي رأيته في اليونينية بهمزة وصل.
وقال الزركشي والبرماوي.
بفتح الهمزة للنداء ونصب النون لأنه مضاف، وزاد الزركشي لا على الخبر ولا على سبيل الاستفهام بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: قد أجبتك.


قال: وفي رواية أبي داود يا ابن عبد المطلب، وتعقبه في المصابيح بأنه لا دليل في شيء مما ذكره على تعيين فتح الهمزة لكن إن ثبتت الرواية بالفتح فلا كلام، وإلاّ فلا مانع من أن تكون همزة الوصل التي في ابن سقطت للدرج وحرف النداء محذوف وهو في مثله قياس مطّرد بلا خلاف انتهى.

وللكشميهني يا ابن عبد المطلب بإثبات حرف النداء: ( فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أجبتك) أي سمعتك أو المراد إنشاء الإجابة، أو نزل تقريره للصحابة في الإعلام عنه منزلة النطق ولم يجبه عليه الصلاة والسلام بنعم لأنه أخلّ بما يجب من رعاية التعظيم والأدب حيث قال: أيّكم محمد ونحو ذلك؟ ( فقال الرجل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله الرجل إلى آخر التصلية عند ابن عساكر، وسقط لفظ الرجل فقط لأبي الوقت ( إني سائلك) وفي رواية ابن عساكر أيضًا والأصيلي فقال الرجل: إني سائلك

( فمشدد عليك في المسألة) بكسر الدال الأولى المثقلة والفاء عاطفة على سائلك ( فلا تجد) بكسر الجيم والجزم على النهي وهي من الموجدة أي لا تغضب ( عليّ في نفسك.
فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( سل عما بدا) أي ظهر ( لك فقال) الرجل ( أسالك بربك) أي بحق ربك ( ورب من قبلك آلله) بهمزة الاستفهام الممدودة والرفع على الابتداء والخبر قوله ( أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وفى رواية قال: ( اللهمّ) أي يا الله ( نعم) فالميم بدل من حرف النداء وذكر ذلك للتبرك، وإلا فالجواب قد حصل بنعم أو استشهد في ذلك بالله تأكيدًا لصدقه ( قال) وفي رواية فقال الرجل: ( أنشدك) بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين المعجمة أي أسالك ( بالله) والباء للقسم ( آلله أمرك) بالمد ( أن نصلي الصلوات الخمس) بنون الجمع للأصيلي واقتصر عليه في فرع اليونينية ولغيره تصلي بتاء الخطاب وكل ما وجب عليه وجب على أمته حتى يقوم دليل على الخصوصية.

وللكشميهني والسرخسي الصلاة بالإفراد أي جنس الصلاة ( في اليوم والليلة قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( اللهمّ نعم.
قال)
الرجل ( أنشدك بالله آلله) بالمد ( أمرك أن تصوم) بتاء الخطاب، وللأصيلي أن نصوم بالنون كذا في الفرع، والذي في اليونينية نصوم بالنون فقط غير مكررة ( هذا الشهر من السنة) أي رمضان من كل سنة فاللام فيهما للعهد والإشارة لنوعه لا لعينه.
( قال) عليه الصلاة والسلام: ( اللهمّ نعم قال) الرجل: ( أنشدك بالله آلله) بالمد ( أمرك أن تأخذ) بتاء المخاطب أي بأن تأخذ ( هذه الصدقة) المعهودة وهي الزكاة ( من أغنيائنا فتقسمها) بتاء المخاطب المفتوحة والنصب عطفًا على أن تأخذ ( على فقرائنا) من تغليب الاسم للكل بمقابلة الأغنياء أو خرج مخرج الأغلب لأنهم معظم الأصناف الثمانية ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللهمّ نعم) ولم يتعرض للحج، فقال في مصابيح الجامع كالكرماني والزركشي وغيرهما لأنه كان معلومًا عندهم في شريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكأنهم لم يطلعوا على ما في صحيح مسلم، فقد وقع فيه ذكر الحج ثابتًا عن أنس، وكذا في حديث أبي هريرة وابن عباس عنده، وقيل: إنما لم يذكره لأنه لم يكن فرض، وهذا بناء على قول الواقدي وابن حبيب إن قول ضمام كان سنة خمس وهو مردود بما في مسلم أن تدومه كان بعد نزول النهي عن السؤال في القرآن، وهو في المائدة ونزولها متأخر جدًّا، وبما قد علم أن إرسال الرسل إلى الدعاء إلى الإسلام إنما كان ابتداؤه بعد الحديبية ومعظمه بعد فتح مكة وبما في حديث ابن عباس أن قومه أطاعوه ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم، ولم يدخل بنو سعد وهو ابن بكر بن هوازن في الإسلام إلا بعد وقعة خيبر، وكانت في شوّال سنة ثمانٍ والصواب أن قدوم ضمام كان في سنة تسع وبه جزم ابن إسحاق وأبو عبيدة وغيرهما.
( فقال الرجل) المذكور لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( آمنت) قبل ( بما) أي بالذي ( جئت به) من الوحي، وهذا يحتمل أن يكون إخبارًا، وإليه ذهب المؤلف، ورجحه القاضي عياض وأنه حضر بعد إسلامه مستثبتًا من الرسول عليه الصلاة والسلام ما أخبره به رسوله إليهم، لأنه قال في حديث ثابت عن أنس عند مسلم وغيره فإن رسولك زعم، وقال في رواية كريب عن ابن عباس عند الطبراني أتتنا كتبك وأتتنا رسلك ( وأنا رسول من) مبتدأ وخبر مضاف إلى من بفتح الميم ( ورائي من) بكسرها ( قومي وأنا ضمام بن ثعلبة) بالمثلثة المفتوحة والهملة والموحدة ( أخو بني سعد بن بكر)

بفتح الموحدة أي ابن هوازن وما وقع من السؤال والاستفهام على الوجه المذكور، فمن بقايا جفاء الأعراب الذين وسعهم حلمه عليه الصلاة والسلام، وليس في رواية الأصيلي وأنا ضمام إلى قوله بكر.
( رواه) أي الحديث السابق، وفي رواية ابن عساكر، ورواه ( موسى) أي ابن إسماعيل كما في رواية ابن عساكر وهو أبو سلمة المنقري، ( و) رواه أيضًا ( علي بن عبد الحميد) بن مصعب المعنيّ بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر النون بعدها ياء نسبة إلى معن بن مالك، المتوفى في سنة اثنتين وعشرين ومائتين كلاهما ( عن سليمان) زاد في رواية أبي ذر ابن المغيرة كما في الفرع كأصله المتوفى سنة خمسين ومائة، وللأصيلي أخبرنا سليمان ( عن ثابث) البناني بضم الموحدة وبالنونين نسبة إلى بنانة بطن من قريش أو اسم أمه بنانة واسم أبيه أسلم العابد البصري، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومائة ( عن أنس) رضي الله عنه ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) أي بمعناه وسقط لفظ بهذا من رواية أبي الوقت وابن عساكر، وفي رواية مثله.
وحديث موسى بن إسماعيل موصول في صحيح أبي عوانة، وحديث علي بن عبد الحميد موصول عند الترمذي أخرجه عن المؤلف.
ولما فرغ المؤلف من عرض القراءة شرع يذكر المناولة فقال: